قصص

قصة"بيسي بلونت" التي غيّرت حياة مبتوري الأطراف

كانت السبب في تمكين مبتوري الأطراف ما بعد الحرب العالمية الثانية في التعامل مع إعاقاتهم، دون الحاجة إلى مساعدة أحد، “بيسي بلونت غريفين” هي أمريكية من أصول إفريقية اشتغلت أخصائية علاج فيزيائي ومخترعة وخبيرة خطوط في وزارة شؤون المحاربين الأمريكية.

استطاعت بلونت القيام بدور ريادي في كل المجالات التي اشتغلت بها، وذلك يعود إلى شخصيتها العنيدة، وبراعتها في الابتكار، في فترة كانت النساء من البشرة السمراء لا يستطعن العمل في بعض المجالات التي كانت حكراً على البيض.

كانت بلونت أول امرأة سمراء تظهر أيضاً في برنامج “الفكرة الكبيرة”، وهو من بين أشهر البرامج التلفزيونية الأمريكية خلال خمسينيات القرن الماضي، ويقوم بتسليط الضوء على الاختراعات الحديثة وكيفية اشتغالها.

لاحقاً أصبحت بلونت أول امرأة سمراء البشرة داخل الجمعية الأمريكية لمحللي خطوط اليد التابعة للشرطة، في كل من نيوجيرسي وفيرجينيا.

لكن الفترة التي أسهمت في شهرتها كانت خلال عملها في وزارة المحاربين القدامى مبتوري الأطراف جراء الحرب العالمية الثانية، الشيء الذي دفعها إلى اختراع آلات تساعدهم في إنجاز مهامهم، بالإضافة إلى تعليمهم مهارات الكتابة بأطرافهم المتبقية.

طفولة بيسي بلونت، العقوبات تصنع المعجزات  

وُلدت بيسي بلونت سنة 1914 وسط عائلة أمريكية من أصول إفريقية، وبدأت بلونت تعليمها في مدرسة محلية، مكونة من فصل واحد فقط.

بنيت المدرسة من قِبل أعضاء مجتمع مدني من ذوي البشرة السوداء بعد انتهاء الحرب الأهلية سنة 1865، خلال فترة دراستها عانت بلونت من صراعات مع معلمتها بسبب كتابتها بيدها اليسرى، ما كان مكروهاً حينها.

تعرضت بلونت للتوبيخ من مدرستها، وهو ما دفعها إلى تعلم الكتابة بكلتا يديها، بالإضافة إلى أصابع قدميها وفمها.

خلال تلك الفترة لم تكن هناك مدارس للتعليم العالي خاصة بالطلاب السود في نفس منطقتها، لتقرر بلونت وضع خطتها التعليمية الخاصة بها، وتقرر أن تصبح أخصائية علاج طبيعي “فيزيائي”. قُبلت أوراقها في إحدى كليات علوم التربية البدنية في الولايات المتحدة الأمريكية.

“أنت لست مشلولاً، الشلل هو شلل العقل فقط”

بعد تخرجها بدأت بلونت في عملها أخصائية علاج طبيعي في مستشفى بروكس بمدينة نيويورك الأمريكية، فيما واصلت تعليم الجنود والضباط مبتوري الأطراف العائدين من الحرب العالمية الثانية كيفية إنجاز مهامهم اليومية بعد أن فقدوا أيديهم أو أقدامهم في الحرب.

من خلال معرفتها الطرق البديلة للكتابة وقدرتها على ذلك بمختلف أطرافها، بدأت بيسي بتعليم الجنود إمكانية الكتابة باستخدام القدم والفم، وكانت تحفزهم بقولها: “أنت لست مشلولاً، الشلل هو شلل العقل فقط”، هذا العمل جعلها تخترع أول اختراعاتها.

كانت لدى بلونت رغبة كبيرة في مساعدة المرضى بطريقة تمكنهم من القيام بمهامهم اليومية دون طلب المساعدة من أحد، الشيء الذي دفعها إلى ابتكار جهاز تغذية إلكتروني يسمح بتوصيل قضمات الطعام إلى فم المريض دون حاجته إلى أحد.

عملت بيسي على النموذج الأول في مطبخها الخاص، إذ قامت بإذابة البلاستيك باستخدام المياه المغلية، كما استعانت بالمواد المنزلية لصنع الجهاز، كان التصميم عبارة عن وعاء محمول مدعوم من الرقبة لحمل الأوعية والأكواب بشكل قريب من الفم، لتحصل سنة 1951 على براءة اختراع لجزء من تصميمها.

بالرغم من نجاح اختراعها لم ترغب وزارة شؤون المحاربين القدامى في أمريكا في فعل أي شيء حيال دعم اختراع بلونت، الشيء الذي دفعها إلى التبرع به للحكومة الفرنسية حتى تبدأ في مساعدة الناس.

لم يكن هذا الاختراع الوحيد لها، فقد أضافت حوضاً خاصاً بالتقيؤ يمكن استخدامه لمرة واحدة فقط، بدلاً من الأحواض التي كانت تستخدمها المستشفيات سابقاً، حيث كانت المستشفيات تستخدم أحواض تقيؤ يتم غسلها واستخدامها مرة أخرى. اختراع بلونت جعل المستشفيات في غنى عن تنظيف أحواضها بعد كل استخدام. وقد كان النموذج الأول لهذا الحوض مصنوعاً من الدقيق والماء، بالإضافة إلى أوراق الصحف.

للمرة الثانية لم تُعِر وزارة شؤون المحاربين اختراعها أي اهتمام، لتقوم بلونت ببيع اختراعها إلى بلجيكا، والتي لا تزال تستخدم أحد أشكالها هناك إلى يومنا الحالي، لم تتوقف بيسي طوال حياتها عن الابتكار، إلا أنها توقفت بطلب براءة الاختراع لتصميماتها.

بيسي بلونت، خط اليد شبيه بالبصمات

في ستينيات القرن الماضي بدأت بيسي مساراً مهنياً مختلفاً داخل مجال الطب الشرعي، إذ تخصصت في علم الخط، وهو علم يمكن من تحليل الخط لتحديد سلوك الفرد، بالإضافة إلى معرفة سماته الشخصية، وهو ما يستخدم حالياً في الطب النفسي

كانت بلونت تعتقد أن الكتابة اليدوية “فريدة من نوعها” تماماً مثل بصمات الأصابع أو بصمات القدم، لتعمل خلال سبعينيات القرن الماضي رئيسةً لقسم الوثائق والمستندات في ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

عملت بلونت خلالها خبيرة في الكتابة اليدوية لدى شرطة لندن، في فترة انتقلت لتدريس خطوط اليد في عاصمة المملكة المتحدة، وتخصّصت في كشف الوثائق المزورة، فيما استمرت بالتوازي بالعمل في الطب الشرعي إلى حدود الثمانينات من القرن الماضي.

بعد عودتها إلى الولايات المتحدة وإحالتها للتقاعد، واصلت العمل مع إدارات الشرطة كخبير استشاري في الكتابة اليدوية، وكانت نشطة في منظمات إنفاذ القانون، مثل الرابطة الدولية لعلوم الطب الشرعي، والمنظمة الوطنية للمسؤولين عن إنفاذ القانون السود.

عرضت خبرتها في الكتابة اليدوية للمتاحف والمؤرخين من خلال قراءة وتفسير وتحديد مصداقية الوثائق التاريخية، بما في ذلك معاهدات الأمريكيين الأصليين والأوراق المتعلقة بتجارة الرقيق والحرب الأهلية الأمريكية. وفي سنة 2009 توفيت بيسي بلونت غريفين في منزلها بمنطقة نيوفيلد في ولاية نيوجيرسي الأمريكية عن عمر يناهز 95 عاماً.

المصدر: موقع عربي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى