كتب

وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأزمات: قراءة في كتاب عبد الرحمن الهزاع

 

في عالم سريع التغيّر، حيث تتصدر الأزمات المشهد الإنساني والاجتماعي والاقتصادي على نحو متكرر، تصبح وسائل الإعلام بمختلف أشكالها خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات. ومع بروز وسائل التواصل الاجتماعي كقوة مؤثرة، لم يعد بالإمكان تجاهل دورها في توجيه الرأي العام، ونقل المعلومات، والتأثير في سلوك الأفراد أثناء الأزمات. من هذا المنطلق، جاء كتاب “وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأزمات” للكاتب والإعلامي عبد الرحمن الهزاع ليقدّم قراءة معمّقة وتحليلية حول هذا الدور، خاصة في السياق السعودي المعاصر، مع تسليط الضوء على تجربة المملكة خلال جائحة كورونا.

 

معلومات أساسية عن الكتاب

صدر هذا الكتاب في فترة تشهد فيها المملكة العربية السعودية تطورًا لافتًا في أساليب إدارة الأزمات، لا سيما على صعيد الإعلام والتواصل مع الجمهور، ويهدف إلى تحليل كيفية استثمار منصات التواصل الاجتماعي في دعم هذه الجهود الحكومية وتحقيق تواصل فعال مع المواطنين والمقيمين.

الغاية من الكتاب

يعبر المؤلف في تقديمه للكتاب عن أمله الكبير في أن تسهم نتائجه وتوصياته في تعزيز قدرة الجهات الرسمية على التعامل مع الأزمات بشكل أكثر فعالية. ويعبر عن طموحه في أن يصل أثر الكتاب إلى الإعلاميين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، سعيًا لتعزيز الوعي بدورهم الحيوي في نقل الحقيقة، وتهدئة الرأي العام، وتوفير المعلومات الصحيحة من مصادرها الرسمية.

الكتاب ليس مجرد دراسة نظرية، بل هو انعكاس لتجربة عملية وواقعية تم فيها تحليل سلوك المستخدمين على وسائل التواصل، وتفاعلهم مع الأزمات، وخاصة أزمة فيروس كورونا المستجد، التي كشفت عن مدى أهمية هذه الوسائل في الأوقات الحرجة.

محتوى الكتاب وأبرز محاوره

يركز الهزاع في هذا الكتاب على عدد من المحاور المهمة، التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

1. دور الإعلام في الأزمات

يفتح الكتاب بنقاش حول الدور التقليدي الذي لعبته وسائل الإعلام في فترات الأزمات، مثل الصحافة والإذاعة والتلفزيون، ثم ينتقل إلى شرح كيف تغير هذا الدور مع بروز الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي قدمت منصات مباشرة لنقل الأخبار والمعلومات بدون وسطاء.

2. تحوّل المشهد الإعلامي

يتحدث الهزاع عن تحوّل المشهد الإعلامي، حيث بات المواطن العادي شريكًا في صناعة ونقل المحتوى. أصبح مستخدم “تويتر” أو “سناب شات” أو “تيك توك” قادرًا على التأثير، وأحيانًا قيادة موجة من الرأي العام. هذا التحول خلق تحديات جديدة تتعلق بالمسؤولية، والمصداقية، ومدى موثوقية المعلومات المتداولة.

3. دراسة حالة: أزمة كورونا في السعودية

يشكل هذا المحور قلب الكتاب، حيث يعتمد الكاتب على دراسة علمية منهجية لقياس وتحليل التفاعل عبر “تويتر” خلال الأشهر الأولى من جائحة كورونا. يتبع المؤلف منهجين:

  • المنهج الكمي: لرصد وتحليل كم التفاعلات، وعدد التغريدات، ونسبة مشاركة الجهات الحكومية.
  • المنهج الكيفي: لتحليل نوعية المحتوى، ورسائل التوعية، والصيغ المستخدمة في نقل المعلومات.

ويظهر من خلال الدراسة أن وزارة الصحة السعودية كانت الجهة الأكثر حضورًا وتأثيرًا من خلال حسابها الرسمي، إلى جانب حسابات رسمية أخرى مثل وزارة الداخلية، وهيئة الهلال الأحمر.

4. وسائل النشر المفضلة

يلاحظ الهزاع أن “الإنفوغرافيك” كان من أكثر الوسائل فعالية في إيصال المعلومات، إلى جانب مقاطع الفيديو القصيرة. وتبرز الرسائل التي تحمل تعليمات وقائية وإرشادات صحية كأكثر المحتويات انتشارًا.

5. تأثير وسائل التواصل في الرأي العام

يتناول المؤلف في هذا القسم قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تغيير قناعات الناس، وتشكيل اتجاهاتهم إزاء الأزمات. وقد أبرزت أزمة كورونا هذا الأمر بوضوح، حيث تغيّر وعي المجتمع نحو أهمية الوقاية واللقاحات، وتقبّل فكرة العزل والحجر الصحي، وهي مفاهيم كانت قبل الأزمة بعيدة عن الذهن الجماعي.

أهداف الكتاب

يمكن تلخيص الأهداف التي سعى المؤلف إلى تحقيقها في هذا الكتاب في النقاط التالية:

  1. تسليط الضوء على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في إدارة الأزمات.
  2. إبراز أهمية التكامل بين الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي.
  3. تحليل استجابات الجمهور وتفاعلاتهم خلال الأزمات.
  4. استخلاص دروس وتوصيات لتحسين الأداء الإعلامي في المستقبل.
  5. تقديم مرجع علمي يمكن الاستفادة منه في الأبحاث الأكاديمية وصناعة القرار الإعلامي.

أهمية الكتاب للمجتمع السعودي

ما يجعل هذا الكتاب مهمًا على وجه الخصوص هو تركيزه على التجربة السعودية، من حيث تعامل الدولة والمجتمع مع أزمة عالمية غير مسبوقة، وهي جائحة كوفيد-19. ويرى الهزاع أن المجتمع السعودي أظهر نضجًا رقميًا ووعيًا تواصليًا ساهم بشكل كبير في الحد من آثار الأزمة.

كما يُبرز الكتاب الدور الكبير الذي لعبته الجهات الرسمية في تقديم معلومات موثوقة وسريعة، مما قلّل من الشائعات والمعلومات المضللة التي كانت تنتشر على بعض المنصات في بداية الجائحة.

أسلوب المؤلف ورؤيته

كتب عبد الرحمن الهزاع مؤلفه بلغة إعلامية واضحة، تجمع بين الطرح الأكاديمي والأسلوب السلس المناسب للقراء من مختلف الخلفيات. وقد بنى دراسته على أسس علمية، لكنه حرص في الوقت ذاته على إبقاء محتوى الكتاب عمليًا وقابلًا للتطبيق في الواقع الإعلامي.

ويظهر من أسلوبه أنه يحمل خبرة ميدانية وعلمية في الإعلام، وحرصه على تقديم عمل يفيد الباحثين، والممارسين في مجال الإعلام، وصنّاع القرار، ومستخدمي منصات التواصل أنفسهم.

توصيات الكتاب

ينتهي الكتاب بجملة من التوصيات التي يمكن اعتبارها خارطة طريق لتحسين التعامل مع الأزمات من خلال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن أهمها:

  • ضرورة تدريب الكوادر الإعلامية على إدارة التواصل خلال الأزمات.
  • تعزيز دور الإعلام الرقمي في الخطط الوطنية لإدارة الأزمات.
  • تنمية الوعي المجتمعي بمسؤولية النشر وإعادة النشر.
  • توفير معلومات موثوقة عبر قنوات رسمية تُحدّث باستمرار.
  • إشراك المؤثرين الرقميين في حملات التوعية الرسمية.

خلاصة واستنتاجات

في النهاية، يمثل كتاب “وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأزمات” إضافة قيّمة للمكتبة العربية في مجال الإعلام الرقمي وإدارة الأزمات. وهو من الكتب القليلة التي تناولت هذا الموضوع بأسلوب علمي وتحليلي، مستندًا إلى تجربة واقعية عايشها الجميع.

لقد أكد المؤلف أن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم ما يُثار حولها من جدل، يمكن أن تكون أدوات قوية وإيجابية إذا ما تم استخدامها بطريقة واعية ومنظمة. ويظل هذا التحدي مطروحًا على جميع المعنيين بالإعلام والتواصل الجماهيري، في ظل عالم مليء بالمفاجآت والأزمات.

 

لمعرفة المزيد: وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأزمات: قراءة في كتاب عبد الرحمن الهزاع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى