أفرغ كوبك أوّلاً!
يُحكى أنّه كان هناك في إحدى الجامعات، بروفيسور معروف بعلمه الواسع وخبرته الطويلة في مجال علوم الفلسفة، وله قد نُشرت العديد من البحوث والمقالات في أشهر المجلاّت العلمية. وكان هذا البروفيسور شديد الاهتمام بتعاليم الـ “زن” الشائعة في الصين واليابان ودول آسيا، ويسعى إلى معرفة المزيد عنها، فقرّر في أحد الأيام السفر إلى اليابان لمقابلة معلّم زن ياباني والتعلّم منه أكثر عن هذا الأمر.
وصل البروفيسور بعد رحلة طويلة إلى مقرّ معلّم الزن، وانتظر لبعض الوقت قبل أن يقوده أحد التلاميذ إلى معلّمه، فوجده البروفيسور شخصًا متواضعًا لطيف المعشر، تشعّ منه الطاقة الإيجابية وترتسم على محيّاه ابتسامة مرحّبة ودودة.
وبعد الترحيب والتعارف، سأل معلّم الزن الياباني البروفيسور عن سبب زيارته فأجابه هذا الأخير: “جئت أتعلم منك عن تعاليم الزن وممارساته”. فأردف المعلّم قائلاً::“أنت مشهور بعلمك ومعرفتك في كلّ مكان حول العالم، فأخبرني أوّلاً وشارك معي بعضًا ممّا تعرف”
فبدأ البروفيسور هنا بإخبار المعلّم عن أبحاثه الواحد تلو الآخر في مختلف المجالات، ثمّ بدأ بمشاركة ما يعرفه عن الـزن وتعالميه وقواعده، وأنصت إليه المعلم في هدوء لساعة أو ما يزيد قبل أن يقترح عليه أخذ استراحة قصيرة واحتساء بعض الشاي، فوافق البروفيسور، وشكر المعلّم على لطفه وحسن ضيافته.
بعد لحظات، أقبل أحد التلاميذ إلى غرفة المعلّم حاملاً صينية الشاي الياباني التقليدي، فوضعها أمام الرجلين وغادر المكان.
بدأ المعلم بسكب الشاي في الكوب فيما استأنف البروفيسور حديثه عن خبراته ومعارفه حول الـزن للمعلّم الذي استمرّ في سكب الشاي ببطء، حتى امتلأ الكوب، لكنه لم يتوقّف بل واصل السكب، فنضح الشاي وانساب على المائدة.
لاحظ البروفيسور ذلك لكنّه لم يقل شيئًا، بل راح يحدّق في المعلم بصمت، وما فتئ الشاي يملأ الصينية ثم يفيض وينسكب على ثوب المعلّم، ولم يتمكن البروفيسور من تمالك أعصابه، فأردف قائلاً بعجب:
توقّف! ألا ترى أن الكوب قد امتلأ وهو يفيض الآن، لن يستوعب المزيد!
بيْد أن المعلم لم يتوقف، واستمر في فعل ما يفعله، فتملّك البروفيسور الغضب، وشعر بالإهانة، ونهض في عجل متجهًا إلى الباب ليغادر المكان.
عند هذه اللحظة توقّف المعلم عن سكب الشاي، وطلب من البروفيسور أن يرجع، لكن هذا الأخير تجاهله وواصل سيره نحو الباب، فنهض المعلّم وأوقفه.
ابتسم المعلّم الحكيم، وأوضح للبروفيسور السبب وراء ما فعله قائلاً: لقد أتيت إلى هنا لتطرح الأسئلة، لكنك جئت ممتلئًا! لديك أفكارك الخاصّة واعتقاداتك حول الموضوع ولا تملك أيّ مساحة فارغة لتلقي المزيد. إذا لم تخصّص مساحة كافية فلن تستطيع استقبال أيّ معلومة جديدة. إنّك تمامًا مثل كوب الشاي الذي فاض بما فيه! كيف تريدني أن أعلّمك قواعد وتعاليم الـ Zen وكوبك ملآن كهذا؟! أفرِغ كوبك أولاً ثم عد إليّ لأستطيع إفادتك.
[المصدر: موقع أفكار دافئة]