سير

إياس بن معاوية المزني.. القاضي الذكي والفقيه العادل

إياس بن معاوية بن قُرَّة بن إياس المزني هو أحد القضاة المشهورين في العصر الأموي، عُرف بذكائه الحاد وحكمته الواسعة وعدله في القضاء. وُلِد في البصرة سنة 46 هـ (حوالي 666 م) ونشأ في بيئة علمية متميزة، حيث تأثر بعلماء عصره وأصبح نموذجًا في الفطنة والفراسة.

 

نشأته وتعليمه

ينتمي إياس إلى قبيلة مُزينة، وهي إحدى القبائل العربية ذات المكانة الكبيرة. تلقى تعليمه في البصرة، التي كانت مركزًا علميًا مزدهرًا، حيث برع في الفقه والحديث والنحو والأدب. كان معروفًا بذاكرته القوية وحِدَّة ذهنه، مما جعله يتفوق على أقرانه منذ صغره.

 

ذكاؤه وفراسته

كان إياس مثالًا للذكاء وسرعة البديهة، وذُكِرت عنه قصص كثيرة تدل على فطنته. من أشهر هذه القصص أنه استُدعي ذات مرة للحكم في قضية رجل ادّعى أن دابته سُرقت، فطلب إياس منه أن يذهب إلى سوق الدواب ويمشي بهدوء كأنه لا يبحث عن شيء، ثم يتظاهر بأنه وجدها. وبالفعل، عندما تصرف الرجل بهذا الأسلوب، اندفع السارق ليطالب بها، وهكذا كشف إياس الجاني بفطنته.

ومن الروايات الأخرى أن رجلين اختصما إليه في أمانة، فأنكر أحدهما أنه أخذها. فقال إياس للمدّعي: “أين وضعتَ الأمانة؟” فقال: “في موضع كذا وكذا”. فسأل إياس المدعى عليه: “هل كنتَ هناك يوم كذا؟” فأجاب بلا. فقال إياس: “لقد وقعت في التناقض، لأنك لم تسأل حتى عن اليوم الذي يتحدث عنه خصمك، فكيف تنكر وأنت لا تعرف متى كان؟” وهكذا افتضح أمر الكاذب.

 

توليه القضاء

عُيِّن إياس قاضيًا على البصرة في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، الذي كان يبحث عن رجال صالحين للقضاء. وكان إياس نموذجًا للقاضي العادل الذي لا يخشى في الحق لومة لائم. كان سريع البديهة في كشف الزيف والكذب، ولا يقبل الرشوة أو المحاباة.

كان حكمه يعتمد على العدل والمنطق، ولم يكن يستند فقط إلى الشهادات بل كان يستخدم ذكاءه وتحليله العميق للأحداث. لذلك، كانت أحكامه موضع إعجاب وثقة، وكان الناس يعتبرونه أحد أعدل القضاة في عصره.

 

زهده وورعه

رغم توليه القضاء ومنزلته العالية، كان إياس زاهدًا في الدنيا، لا يسعى وراء المال أو الجاه. كان يتجنب المجالس التي تمتلئ بالمبالغة والتملق، وكان معروفًا بأنه رجل حق لا يميل إلا للعدل. وعندما عُرِض عليه منصب القضاء مرة أخرى في عهد هشام بن عبد الملك، رفض توليه بسبب ما كان يراه من انحراف في الحكم.

 

وفاته وإرثه

توفي إياس بن معاوية عام 122 هـ (حوالي 740 م)، بعد أن ترك إرثًا من العدل والذكاء والفراسة التي لا تزال تُذكر حتى اليوم. ظل اسمه مرتبطًا بالقضاء العادل والذكاء النادر، ويُعَدّ من أعظم القضاة في التاريخ الإسلامي.

 

خاتمة

يُعَدّ إياس بن معاوية المزني مثالًا للقاضي العادل والفقيه الذكي الذي سخر علمه لخدمة العدل. لقد كان نموذجًا نادرًا في سرعة البديهة والنزاهة، مما جعله أحد أكثر الشخصيات احترامًا في تاريخ القضاء الإسلامي. ولا تزال قصصه تُروى حتى اليوم كدروس في الذكاء والحكمة والعدل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى