كتب

الإرادة المتجددة: كيف تحيي في داخلك قوة لا تُقهَر؟

 مقدمة: عندما تنطفئ الإرادة… من يعيد إشعالها؟

في لحظةٍ ما، يشعر الإنسان بأن طاقته قد نضبت، وأن الطريق أمامه صار مسدودًا. تتعطل الخطط، وتبهت الأحلام، وتغرق الإرادة في سبات قد يطول. لكن ماذا لو كانت الإرادة كالنهر… لا تنضب بل تحتاج فقط إلى من يعيد حفر مجراها؟
هذا ما يقدمه لنا كتاب “الإرادة المتجددة”، عملٌ عميق كتب بيد مفكرين من عصور مختلفة: ريجينالد ويليام وايلد، أحد الكُتاب المعاصرين في تطوير الذات، متحالفًا في النص مع روح أوريسون سويت ماردن، أحد أعمدة الفكر التحفيزي في أمريكا منذ القرن التاسع عشر.

يمزج هذا الكتاب بين الحكمة القديمة والطاقة الجديدة، ليقدّم منظورًا شاملاً عن كيفية تجديد الإرادة الشخصية، وتحريرها من القيود الداخلية والخارجية التي تكبلها. إنه ليس مجرد كتاب تنمية بشرية، بل دليل فلسفي وعملي نحو العيش بوعي وإصرار. 

 

عن المؤلفَين: روحان في كتابٍ واحد

أوريسون سويت ماردن (1848–1924) كان طبيبًا، وفيلسوفًا في الفكر الإيجابي، ومؤسسًا لمجلة “النجاح” في أمريكا. كتب أكثر من 50 كتابًا عن النجاح والإرادة والانضباط الذاتي. وقد تبنى شعارًا شهيرًا: “كن ما تريد أن تكونه، وافعل ما عليك أن تفعله، وسيتحقق ما تطمح إليه.”

أما ريجينالد ويليام وايلد، فهو كاتب ومعالج نفسي معاصر، أعاد تحرير بعض أعمال ماردن بما يتناسب مع العصر الرقمي والضغوط الحديثة، وأضفى عليها لمسة من التبسيط والواقعية.

“الإرادة المتجددة” هو نتيجة دمج روحي بين حكمة الماضي وأدوات الحاضر، هدفه مساعدة القارئ على إعادة إشعال تلك الشرارة الداخلية التي تجعله ينهض في وجه الهزائم المتكررة. 

 

بنية الكتاب وأسلوبه

يتألف الكتاب من 12 فصلًا مترابطًا، كل فصل يعالج جانبًا من جوانب الإرادة، من لحظة الضعف والشك، إلى القوة والسيطرة الكاملة على مجريات الحياة.

يتميّز الأسلوب بالسلاسة والاقتباسات الملهمة، مع أمثلة من الواقع والتاريخ، وتمارين بسيطة لتحفيز الإرادة. كما يستخدم أسلوب الحوار الداخلي بين “الذات القوية” و”الذات المهزوزة”، مما يمنح القارئ شعورًا بأنه يعيش صراعًا دراميًا داخل نفسه ويتعلّم كيف يحسمه.

 الفكرة المحورية: الإرادة ليست موهبة بل عضلة

يركز الكتاب على فكرة جوهرية:

“الإرادة لا تُولد قوية… بل تُدرَّب وتُربّى.”

هذه الفكرة تُبنى عبر مسارات متعددة:

  1. الإرادة كمشروع بناء: تحتاج إلى وقت، مواد، صبر، وتخطيط.
  2. الإرادة كعضلة ذهنية: كلما تمرّنت، قويت. وكلما أهملتها، ضَعُفت.
  3. الإرادة كمصدر طاقة: تغذي العادات، وتحوّل الفكرة إلى سلوك.

هنا يميّز المؤلفان بين الرغبة والإرادة. فالرغبة مشاعر، أما الإرادة فهي أفعال. كثيرون يرغبون في النجاح، لكن من ينجحون هم من اختاروا الإرادة كأسلوب حياة.

 محاور الكتاب الأساسية

1. متى نفقد إرادتنا؟

يفتتح الكتاب بتشخيص دقيق للحظات التي تنهار فيها الإرادة:

  • تكرار الفشل.
  • الخوف من نظرة الآخرين.
  • الندم المستمر على الماضي.
  • الاستسلام للبيئة السلبية.

يرى المؤلفان أن لحظة الانكسار ليست دليلاً على ضعف الإرادة، بل فرصة لإعادة تعريفها. وهنا يُستعرض مثال من التاريخ: توماس إديسون، الذي فشل 999 مرة في اختراعه للمصباح، لكنه رأى في كل محاولة “دليلًا على خطوة تالية أكثر دقة”.

2. كيف تبدأ من جديد؟

يتحدث الكتاب عن مفهوم “البداية الصغيرة” — أي أن تجديد الإرادة لا يتطلب ثورة كبرى، بل عادة يومية صغيرة مثل:

  • الاستيقاظ مبكرًا 10 دقائق.
  • إنهاء مهمة مؤجلة.
  • الالتزام بكلمة واحدة أمام النفس.

الكتاب يستخدم هنا استعارة جميلة:

“أنت لا تحتاج إلى نار ضخمة لتضيء، يكفي شمعة صغيرة في غرفة مظلمة.”

3. أعد برمجة عقلك

في هذا الفصل، نجد مزيجًا من علم النفس التحليلي والسلوكي، حيث يُطلب من القارئ تحديد المعتقدات السلبية المزروعة في عقله مثل:

  • “أنا لا أستطيع”
  • “الحياة أقوى مني”
  • “كل شيء ضدي”

ثم يُعلّمه كيف يستبدلها بجمل إيجابية تدريجية:

  • “ربما أستطيع”
  • “سأجرّب”
  • “أنا أتعلم الآن كيف أكون أقوى”

4. الانضباط الذاتي: بوابة الإرادة

الإرادة بدون انضباط هي طاقة مهدرة. يناقش الكتاب أهمية:

  • إدارة الوقت.
  • تأجيل المتعة قصيرة الأمد.
  • تحديد أولويات حقيقية.

كما يورد اقتباسًا عن ستيف جوبز:

“التركيز لا يعني قول نعم للأشياء التي تهمك، بل يعني قول لا لألف شيء آخر.”

5. تحفيز الإرادة: قوة الهدف

الفصل الأهم في الكتاب، حيث يؤكد المؤلفان أن الإرادة لا تعمل في فراغ. لا بد من وجود “لماذا؟” حقيقية خلف كل محاولة.
وهنا تُطرح أسئلة مثل:

  • لماذا تريد النجاح؟
  • من سيستفيد غيرك؟
  • ما هو إرثك الذي تريد أن تتركه؟

الهدف القوي هو الوقود الذي يشعل الإرادة في لحظات الشك.

 تطبيقات وتمارين عملية

كل فصل في الكتاب ينتهي بفقرة تطبيقية بعنوان:
“تمرين الإرادة لهذا الأسبوع”

بعض هذه التمارين تشمل:

  • التزام صامت بفعل بسيط لمدة 7 أيام.
  • كتابة صفحة يومية من “دفتر الإرادة”.
  • مواجهة خوف صغير وتسجيل نتائجه.

هذه التمارين تحوّل الكتاب من “قراءة” إلى “تجربة”، وتربط بين الفكر والسلوك.

 أبرز الاقتباسات من الكتاب

“في داخل كل إنسان نسخة نائمة من بطل… لا تكتفِ بأن تكون المتفرج.”

“الإرادة لا تأتي من التحفيز العابر، بل من المعاناة المنظمة.”

“لا أحد يهبك الإرادة، إنها هدية تصنعها لنفسك بعرقك وصبرك.”

 تحليل نقدي للكتاب

رغم أن بعض أفكار الكتاب مألوفة، إلا أن الأسلوب العاطفي والتطبيقي يجعله متفوقًا على كثير من كتب تطوير الذات التقليدية. كما أن التعاون الرمزي بين كاتب حديث ومفكر كلاسيكي يعطي للكتاب عمقًا فريدًا.

قد يُعاب على الكتاب أنه يتجنب تناول الجانب المجتمعي والاقتصادي لتكوين الإرادة، لكنه يعوض ذلك بإعطاء القارئ شعورًا بالسيطرة على حياته من الداخل.

 لمن يُوجَّه هذا الكتاب؟

  • لكل من يشعر أنه “تعب من المحاولة”.
  • لمن بدأ مشروعًا ثم توقف.
  • لكل طالب فقد تركيزه.
  • ولكل رب أسرة يبحث عن دفعة معنوية.

الكتاب لا يقدّم حلولًا سحرية، بل يقدّم مرآة نزيهة تعكس ضعفك وتعلّمك كيف تتقبله وتبني عليه.

 الإرادة المتجددة في حياتنا اليومية

أهمية هذا الكتاب تتجاوز صفحات القراءة. إنه دعوة لأن:

  • تقف مجددًا بعد الفشل.
  • تقول “سأحاول” بدل “لا أستطيع”.
  • تؤمن بأنك تملك دائمًا خيارًا لإعادة المحاولة.

 الخاتمة: الإرادة كفنّ للبقاء

“الإرادة المتجددة” ليس كتابًا يقرأ لمرة واحدة، بل رفيق يعود إليه المرء كلما شعر بالخذلان أو التيه. في زمن تتسارع فيه الضغوط وتكثر الإغراءات، نحن لا نحتاج فقط إلى الإرادة… بل إلى تجديدها باستمرار.

وإن كانت الحياة هي الميدان، فإن هذا الكتاب هو دليل التدريب الذي يعيد إليك الثقة، ويجعلك تواجه كل صباح بإصرار جديد.

لمعرفة المزيد: الإرادة المتجددة: كيف تحيي في داخلك قوة لا تُقهَر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى