الاحترام: حجر الأساس في بناء شخصية المراهق — قراءة في كتاب الدكتور مصطفى أبو سعد

في عالم يموج بالتغيرات، يبرز سؤال جوهري: كيف نبني أبناءنا نفسيًا في مرحلة المراهقة؟ هذا السؤال يتصدى له الدكتور مصطفى أبو سعد في كتابه التربوي اللافت “الاحترام: الحاجات النفسية للمراهق 1”، ليقدّم منظورًا إنسانيًا عميقًا نحو فهم احتياجات المراهق النفسية، واضعًا “الاحترام” في صلب العلاقة التربوية.
الكتاب هو جزء أول من سلسلة تتناول حاجات المراهق النفسية، وهو موجه إلى الآباء والمربين والمعلمين، وكل من يتعامل مع هذه المرحلة الحساسة في حياة الإنسان. بأسلوبه التفاعلي والسهل، يأخذنا المؤلف في رحلة بين المفاهيم والمواقف الواقعية، ليكشف النقاب عن تلك الشعرة الفاصلة بين تربية قائمة على السيطرة والخوف، وأخرى قائمة على الاحترام والفهم والتقدير.
لمحة عن المؤلف والرؤية العامة للكتاب
الدكتور مصطفى أبو سعد هو خبير في الإرشاد التربوي والأسري، ومتخصص في تربية الأبناء والمراهقين من منظور نفسي تربوي متوازن. له باع طويل في المحاضرات والدورات التدريبية التي تهدف إلى تعزيز وعي الوالدين بأساليب التربية الإيجابية، ويتميز بأسلوبه العملي المستند إلى الخبرة الميدانية والمواقف الواقعية التي ينقلها من بيئات عربية متعددة.
في كتابه هذا، يسلّط الضوء على أهمية تلبية الحاجة النفسية الأولى للمراهق: الاحترام. ومن وجهة نظره، فإن هذه الحاجة لا تقل أهمية عن الطعام أو المأوى، بل إنها تتعلق بجوهر إنساني لا يمكن التنازل عنه: الشعور بالقيمة والكرامة والانتماء.
الاحترام لا يُعطى… بل يُمارس
في مقدمة الكتاب، ينبه الدكتور مصطفى إلى خطأ شائع في ثقافتنا التربوية، وهو اعتبار الاحترام شيئًا يُطلب من الأبناء تجاه الوالدين فقط، دون أن نعي أن الاحترام علاقة متبادلة تُبنى على أسس من الوعي والحب والفهم. يؤكد أن المراهق إذا لم يشعر بالاحترام، فلن يتمكن من احترام والديه أو نفسه أو محيطه.
يتحدث المؤلف بلغة مشبعة بالحكمة والتجربة، ويعرض أمثلة واقعية لمراهقين انكفأوا على أنفسهم أو تمرّدوا، فقط لأنهم افتقدوا إلى التعامل الإنساني المحترم. فالاحترام في رأيه لا يعني الخضوع أو الطاعة العمياء، بل الإنصات والتقدير وفسح المجال للمراهق للتعبير عن نفسه ومشاعره دون سخرية أو تهديد.
مفاتيح الاحترام: أكثر من كلمات
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى عرض مظاهر الاحترام التي يحتاجها المراهق بشدة، ويذكر منها:
- الإنصات الفعّال: أن تُنصت لطفلك المراهق وكأنه أهم شخص في العالم، هو رسالة ضمنية بأنك تحترمه.
- الاعتراف بمشاعره: حتى وإن كانت مبالغًا فيها، فإن الاعتراف بها لا يعني الموافقة، بل الاحترام.
- منحه مساحة للخطأ والتعلم: فالمراهق لا ينضج إلا من خلال تجاربه، وإذا حرمناه من ارتكاب الأخطاء الصغيرة، نكون قد أعددناه للفشل الكبير.
- عدم الاستهزاء بأفكاره أو طموحاته: لأن الكلمة الساخرة قد تقتل حلمًا، والضحكة المستهينة قد تهدم جسور الثقة.
لغة الجسد… والاحترام غير المعلن
يركّز أبو سعد على أن الاحترام لا يكون فقط في الألفاظ، بل يتجلى أكثر في لغة الجسد، ونبرة الصوت، ونظرات العين، وطريقة التوجيه. فيسرد مواقف تبيّن كيف تؤدي الإشارات غير اللفظية إلى هدم كل محاولات التقارب.
بل إنه يضع قاعدة ذهبية:
إذا لم يشعر المراهق أنك تحترمه، فلن يستمع لنصيحتك، حتى وإن كانت حكيمة.
الاحترام يبني الهوية
يذهب الكاتب إلى عمق أكبر حين يربط الاحترام بتشكيل الهوية الذاتية للمراهق. ففي هذه المرحلة الدقيقة، يسعى المراهق لفهم “من أنا؟”، و”ما الذي يجعلني مميزًا؟”. وهنا يأتي دور الاحترام في دعم هذا البحث الطبيعي عن الذات.
عندما يحترم الأب أو الأم ابنهم المراهق، فإنه يشعر بأن له كيانًا مستقلًا، وأنه ليس امتدادًا لقرارات والديه فقط. هذا الإحساس بالاستقلالية المقبولة هو ما يساعده على بناء شخصية متزنة وواعية.
بين الخوف والاحترام: المعادلة التربوية الحرجة
ينتقد الدكتور مصطفى بشجاعة الأساليب التربوية القائمة على التخويف أو العقاب المفرط، ويعتبرها السبب الرئيسي في العناد أو الانطواء أو العدوانية عند المراهق. فالأب أو الأم الذي يظن أن “الهيبة” تعني إخافة الابن، يرتكب جريمة تربوية من حيث لا يدري.
يقول المؤلف:
لا تخلط بين الخوف والاحترام… من يخافك قد يطيعك لحظة، لكنه لن يثق بك أبدًا.
ويقدّم حلولًا عملية لبناء العلاقة على أساس المحبة والهيبة المحترمة، وليس القمع والسيطرة.
نماذج من الواقع: مراهقون يتحدثون
من أبرز عناصر التشويق في الكتاب، تلك الحوارات الواقعية التي يعرضها الدكتور مصطفى مع مراهقين ومراهقات من بيئات مختلفة، يكشفون فيها عن معاناتهم النفسية بصراحة مؤلمة. منهم من اشتكى من تحقير دائم من والده، وآخر من سخرية مدرّسه، وثالث من مقارنة مستمرة بأشقائه.
هذه النماذج ليست مجرد سرد، بل هي دعوة صريحة لفهم أن احترام مشاعر المراهق هو مدخل أساسي لفهمه وتوجيهه.
مسؤولية المجتمع في تكريس الاحترام
في فصول متقدمة، يلفت الكتاب الانتباه إلى أن احترام المراهق ليس مسؤولية الأسرة وحدها، بل مسؤولية المجتمع كلّه: المدرسة، الإعلام، المحيط، الخطاب الديني. فحين ينشأ الطفل في بيئة تعامله باحتقار لأنه صغير أو لأنه “لا يفهم”، فإنه يتشبع بهذا الإحساس ويكبر مكسور الجناح.
يؤكد المؤلف أن تقدير المراهقين وإشراكهم في اتخاذ القرار، وتقبل آرائهم حتى لو خالفت السائد، هو الطريق لصناعة أجيال واثقة، مبدعة، ومتصالحة مع ذاتها.
الختام: الاحترام… قيمة تؤسس الحياة
ينهي الدكتور مصطفى أبو سعد كتابه برسالة قوية:
الاحترام ليس هدية نمنحها للمراهق عندما يطيع، بل هو أسلوب حياة… نمنحه له حتى عندما يخطئ.
إن الكتاب لا يدعو فقط إلى احترام المراهقين، بل إلى إعادة تعريف التربية نفسها، لتكون تربية للقلوب قبل العقول، وللشخصيات قبل الدرجات، وللإنسان قبل السلوك.
تحليل ختامي
كتاب “الاحترام: الحاجات النفسية للمراهق 1” ليس مجرد دليل تربوي، بل هو صرخة محبة تنادي كل أب وأم بأن يصغوا لأبنائهم المراهقين لا بآذانهم فقط، بل بقلوبهم. أسلوب الدكتور مصطفى أبو سعد الممزوج بين العاطفة والمنطق، يجعل من هذا الكتاب مرجعًا لا غنى عنه لكل من يسعى لتربية جيلٍ يتنفس الثقة، ويُثمر إبداعًا.
لمعرفة المزيد: الاحترام: حجر الأساس في بناء شخصية المراهق — قراءة في كتاب الدكتور مصطفى أبو سعد