البحث العلمي: القوة الصامتة التي تصنع نهضة الأمم – قراءة تحليلية في كتاب رائد محمد آل شهاب

في عالم يتسارع فيه التقدم التكنولوجي والعلمي بشكل غير مسبوق، يبرز البحث العلمي بوصفه أحد أهم المحركات الأساسية للنمو والتطور. لا يقتصر تأثيره على المجال الأكاديمي فقط، بل يتجاوز ذلك ليصبح العمود الفقري لتقدم المجتمعات، ووسيلة لتحقيق التنمية المستدامة. ومن هذا المنطلق، يأتي كتاب “الأبحاث العلمية: قوة صامتة” للمؤلف رائد محمد آل شهاب، ليسلط الضوء على مكانة البحث العلمي في نهضة الأمم، ويعرض تحليلاً موضوعيًا لقيمته الجوهرية في تشكيل الحاضر وصناعة المستقبل.
مقدمة الكتاب
يفتتح المؤلف كتابه بنقاش عميق حول الدور الأساسي الذي يؤديه البحث العلمي في تطور الحضارات. يُشير إلى أن معظم الإنجازات التكنولوجية والطبية والصناعية الكبرى في التاريخ الإنساني نشأت من بذور البحث العلمي الرصين. ويقدم آل شهاب دعوة صريحة لإعادة النظر في نظرتنا إلى العلم كعنصر مكمل إلى اعتباره أداة محورية في استراتيجيات التنمية الوطنية.
يصف آل شهاب البحث العلمي بأنه “قوة صامتة” لأنه يعمل بصمت في الخلفية لكنه يصنع فرقاً جوهرياً على المدى الطويل، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو حتى الدول بأكملها.
التجربة اليابانية: نموذج يُحتذى به
يسرد المؤلف تجربة اليابان، تلك الدولة التي لا تملك ثروات طبيعية هائلة، لكنها اعتمدت بشكل كبير على العلم والبحث في بناء نهضتها بعد الحرب العالمية الثانية. يشير إلى أن اليابان خصصت جزءاً كبيراً من ناتجها المحلي الإجمالي للبحث والتطوير، مما أدى إلى نهضة صناعية وتكنولوجية شاملة.
يبرز الكتاب كيف أن المؤسسات البحثية اليابانية عملت بتكامل مع الجامعات والشركات لتقديم حلول واقعية للمشكلات التي تواجهها الدولة، وهو درس يجب أن تتبناه الدول العربية التي تسعى للخروج من عباءة الاستهلاك نحو الإنتاج والابتكار.
الواقع العربي: تحديات ومعوقات
يولي المؤلف اهتماماً خاصاً بوضع البحث العلمي في العالم العربي، ويطرح أسئلة جوهرية: لماذا لا نزال نعاني من ضعف البحث العلمي؟ ما الأسباب الحقيقية وراء ذلك؟ يحدد آل شهاب عدداً من العوامل، منها:
- نقص التمويل الحكومي والدعم المؤسسي.
- غياب ثقافة البحث في المؤسسات التعليمية.
- ضعف البنية التحتية للبحث والتطوير.
- عدم وجود تشريعات تحفز على الابتكار.
ويشير إلى أن الجامعات العربية تعاني من “البحث لأجل الترقية” بدلاً من “البحث لأجل الحل”، وهو اتجاه يقلل من القيمة الفعلية للأبحاث المنشورة.
البحث العلمي والتنمية المستدامة
يناقش آل شهاب في أحد فصول الكتاب العلاقة الوثيقة بين البحث العلمي والتنمية المستدامة، ويؤكد أن الدول التي تطمح إلى مواجهة التحديات البيئية، ومشاكل الطاقة، والأزمات الصحية، لا بد أن تستثمر في البحث العلمي وتوفر بيئة حاضنة للمبتكرين.
يشير المؤلف إلى أن العالم اليوم يتجه نحو اقتصاد المعرفة، حيث تصبح المعلومات والبيانات والأفكار هي الموارد الجديدة للثروة، وبالتالي فإن تجاهل البحث العلمي يعني التخلف عن ركب الحضارة.
حلول مقترحة للنهوض بالبحث العلمي
لا يكتفي آل شهاب بتوصيف المشكلة، بل يطرح حلولاً عملية يمكن تبنيها للنهوض بواقع البحث العلمي العربي، منها:
- تخصيص ميزانيات مستقلة للبحث والتطوير.
- دمج البحث العلمي في صميم السياسات الحكومية.
- تعزيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص.
- تطوير المناهج التعليمية لزرع حب البحث والاكتشاف لدى الطلاب.
- تبني جوائز وطنية وعربية لدعم المشاريع البحثية الرائدة.
خاتمة الكتاب: دعوة إلى الاستثمار في العقول
يختم المؤلف كتابه برسالة واضحة: البحث العلمي ليس ترفاً، بل ضرورة وجودية. لا يمكن لأي دولة أن تحقق الريادة ما لم تجعل من البحث العلمي أحد أعمدتها الأساسية. ويؤكد أن دعم العقول الباحثة هو استثمار طويل الأمد، سيعود بالنفع ليس فقط على المستوى العلمي، بل على كل أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يشبه آل شهاب البحث العلمي بالقوة الصامتة التي قد لا نراها في يومياتنا، لكنها تصنع كل شيء من حولنا، من الأدوية التي نتعاطاها، إلى التكنولوجيا التي نستخدمها، إلى السياسات التي تشكل عالمنا.
تقييم عام
كتاب “الأبحاث العلمية: قوة صامتة” هو عمل توعوي وتثقيفي بامتياز، يستحق أن يُدرّس في كليات التربية والعلوم والإدارة. أسلوبه الواضح، وتحليلاته العميقة، والأمثلة الواقعية التي يقدمها، تجعله مصدراً ممتازاً لفهم أهمية البحث العلمي في عالم اليوم.
يمثل الكتاب نداءً عقلانياً ووجدانياً في آنٍ واحد إلى كل من يملك قراراً أو فكرة: لا تنسوا البحث العلمي، لأنه وإن بدا صامتاً… فهو يملك أعظم صوت.
لمعرفة المزيد: البحث العلمي: القوة الصامتة التي تصنع نهضة الأمم – قراءة تحليلية في كتاب رائد محمد آل شهاب