السيرة الماسية: رحلة في حياة خير البرية – الجزء الأول

مقدمة
في زقاق من أزقة مكة القديمة، وبين أنين الرمال وحكمة السنين، وُلدت حكاية ستغير وجه العالم إلى الأبد. إنها ليست مجرد قصة عن رجلٍ عظيم، بل عن أعظم خلق الله: محمد ﷺ. وقد جاء كتاب “السيرة الماسية: سيرة خير البرية – الجزء الأول” بقلم إسماعيل مرسي ليعيد إلينا وهج تلك الحكاية، مصوّرة بأسلوبٍ أدبي ماسي يعيد للأذهان رهبة النبوة ونقاء الرسالة.
هذا العمل لا يُعدّ مجرد سردٍ تقليدي لأحداث السيرة، بل هو بناء أدبي وتوثيقي فريد، يستعرض حياة النبي ﷺ من ولادته إلى هجرته المباركة، مستندًا إلى المصادر الأصيلة، ومضفيًا عليها روحًا جديدة قريبة من القلب والعقل معًا.
نبذة عن الكتاب
- العنوان: السيرة الماسية: سيرة خير البرية – الجزء الأول
- المؤلف: إسماعيل مرسي
- سنة النشر: 2024
- عدد الصفحات: 290 صفحة
- الناشر: دار اكتب للنشر والتوزيع
- اللغة: العربية
- التصنيف الأدبي: سيرة نبوية – أدب إسلامي
- التوزيع: متاح عبر العديد من المنصات مثل عصير الكتب وأبجد
يسرد الكتاب بداية السيرة النبوية بأسلوب سردي قصصي، يبدأ بتاريخ مكة وقريش ونشأة النبي ﷺ، وينتهي بأولى خطواته في البعثة، مُعَرِّجًا على طفولته، شبابه، زواجه من خديجة، وتلقيه الوحي في غار حراء، ثم بداية مرحلة الدعوة والصراع.
من أقدار الولادة إلى نور النبوة
ولد محمد بن عبد الله ﷺ في عام الفيل، عامٌ اهتزت فيه الكعبة، واندحر فيه جيش أبرهة بفعل من السماء. كانت مكة حينها مزيجًا من الجاهلية والمروءة، تصوغ أهلها بالعادات والتقاليد، وتنتظر من يخرجها من الظلام.
وُلد يتيمًا، فاحتضنه جده عبد المطلب، ثم عمه أبو طالب. ومنذ نعومة أظفاره، بدت على محمد ﷺ علامات النجابة والصدق. لم يكن كأقرانه، بل كان إذا لعبوا تأمل، وإذا ضحكوا سكت، وإذا تشاجروا أصلح.
ينقل إسماعيل مرسي في كتابه تلك اللحظات من خلال وصف دقيق يجعل القارئ يشعر وكأنه يرى النبي ﷺ طفلًا يسير بين جبال مكة، يحدّق في السماء ويُصغي إلى صوت الحكمة.
قريش.. المدينة التي ستشهد التحوّل
أفرد المؤلف فصولًا غنيّة للحديث عن قبيلة قريش، ونفوذها السياسي والديني، وأهم شخصياتها من عبد المطلب إلى أبي لهب، ومن خديجة بنت خويلد إلى ورقة بن نوفل. وبهذا الوصف التفصيلي، يصبح من السهل على القارئ أن يفهم البيئة التي نشأ فيها الرسول ﷺ، بكل ما فيها من تناقضات وأزمات روحية.
تحدث مرسي عن الأسواق، وطقوس الجاهلية، وعبادة الأصنام، والشعر الجاهلي، وكأنك تعيش في سوق عكاظ، تستمع إلى الحطيئة وتراقب أبا جهل وهو يخطط لحماية مركز قريش الديني.
زواج خديجة.. لحظة استقرار ودعم
كان النبي ﷺ في الخامسة والعشرين حينما تزوج من خديجة بنت خويلد – أغنى نساء مكة وأكثرهن حكمة. لم يكن الزواج مدفوعًا بالمال، بل كان لقاءً بين الطهر والرشد، بين الصدق والعقل.
أظهر الكتاب عمق العلاقة بين النبي وخديجة، ليس فقط كزوجين، بل كروحَين تآلفتا لتمهيدا طريقًا سيكون هو الأمل للإنسانية.
وعندما جاءه الوحي، كانت خديجة أول من آمن، أول من واسى، وأول من قدّر عظم ما يُلقى عليه من السماء.
غار حراء.. اللحظة التي غيّرت العالم
جاءت لحظة الوحي كوميض برق في ليلٍ مقمر، ومعها تغيّر كل شيء.
في غار حراء، كان محمد ﷺ يتعبد، يبحث عن الله في صمت الجبال. فجأة، جاءه جبريل عليه السلام، وقال الكلمة الخالدة: “اقرأ”.
يروي مرسي المشهد بتفصيل شعوري أدبي، إذ يصوّر رهبة اللحظة، تسارع الأنفاس، ودهشة النبي ﷺ، وخوفه الأولي، ثم الطمأنينة التي ألقتها عليه خديجة وورقة بن نوفل.
مرحلة الدعوة.. من السر إلى الجهر
في مكة بدأت الدعوة سرًّا. كان النبي ﷺ يختار من يعلم أنهم أقرب للحق. بدأ بأقربائه: خديجة، علي، أبو بكر، زيد، ثم توسعت الدائرة.
ثلاث سنوات من السرية، كانت كالنار تحت الرماد. ثم أمره الله بالجهر، فصعد إلى الصفا ونادى في قريش، وقال لهم: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا وراء هذا الوادي…”، فبدأ الصراع الحقيقي بين التوحيد والشرك.
يسرد إسماعيل مرسي تلك الفترة بدقة، حيث يظهر شخصيات كانت جزءًا من التحوّل التاريخي: عمار بن ياسر، بلال بن رباح، حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب، كل منهم كان قصة بذاتها.
الاضطهاد.. الثبات في وجه العاصفة
“لقد كان الإيمان في تلك الأيام يعني الدم والتعذيب”، هكذا وصف المؤلف تلك المرحلة.
يروي قصة سمية أول شهيدة، وعمار الذي عُذّب حتى قال ما لا يرضاه قلبه، لكن الله عذره. ويتوقف عند بلال الذي كان يُسحب على رمضاء مكة ويقول: “أحد.. أحد”.
ويُسلّط الضوء على حصار الشعب، وكيف صمد بنو هاشم ثلاث سنوات في شِعب أبي طالب، يأكلون ورق الشجر، ويبيتون على صوت بكاء الأطفال.
الطائف والإسراء.. الألم والأمل
بعد موت خديجة وأبي طالب، خرج النبي ﷺ إلى الطائف يطلب النصرة، لكنهم ردّوه بالحجارة والسباب.
لحظة مظلمة يرويها الكتاب بأسى، لكنها كانت تمهيدًا لحدث عظيم: الإسراء والمعراج.
ينقل إسماعيل مرسي هذه الرحلة بأسلوب أدبي روحي، يصور السماء السابعة، ولقاء النبي بالأنبياء، وفرض الصلاة، وعودته ليجد من لا يصدقه إلا الصديق: أبو بكر.
بيعة العقبة والهجرة.. بداية الدولة
يلتقي النبي ﷺ بنفر من أهل يثرب، يؤمنون به، ويبايعونه في العقبة. يزداد العدد، وتبدأ البشائر تتسلل.
ثم يُؤمر النبي بالهجرة. يخطط القوم لقتله، لكن الله ينجيه. يخرج ليلًا، ومعه أبو بكر. يقفون في الغار، والعدو فوق رؤوسهم. لكن الله معهم.
ينتهي الكتاب بوصول النبي ﷺ إلى يثرب، مدينة النور التي ستصبح عاصمة الأمة.
الأسلوب والمصادر
يمتاز الكتاب بأسلوبه السلس والروائي. يدمج بين المشاعر والتفاصيل التاريخية. ويستند إلى:
- ابن هشام وابن إسحاق
- صحيح البخاري ومسلم
- الطبري
- الواقدي
يُحافظ إسماعيل مرسي على التوثيق، لكنه لا يرهق القارئ بتفاصيل أكاديمية، بل يقدمها بلغة معاصرة تحترم عقل القارئ وشغفه.
لماذا هذا الكتاب؟
- لأنه يعيد تقديم السيرة بلغة أدبية حديثة.
- لأنه يربط بين الأحداث ويحللها.
- لأنه يصلح لكل من أراد فهم حياة النبي ﷺ بتسلسل منطقي ومشوق.
اقتباس من الكتاب:
“كلما أوغلوا في ظلمه، اشتد نوره، وكلما أحكموا عليه الحصار، تنفست الأرض رحمةً بما يحمل، فهو لا ينكسر، لأنه صادق، ولأن من أرسله لن يخذله.”
الختام: السيرة ليست للتأريخ فقط
إن “السيرة الماسية – سيرة خير البرية” ليست مجرد كتاب تقرأه لتعرف سيرة النبي ﷺ، بل لتعيشها، وتحس بها، وتستلهم منها. هو عمل أدبي ديني يجمع بين العلم والإحساس، بين التراث والحياة.
في زمن كثُر فيه الغبار على الصورة النبوية، يعيد إسماعيل مرسي تقديمها بلغة تنفض عنها هذا الغبار، وتُظهر نورها الماسي كما هو.
المصدر: السيرة الماسية: رحلة في حياة خير البرية – الجزء الأول