قصص

العملاق الودود الكبير: حين يتحدث الخيال بصوت الطفولة

 نبذة تعريفية عن رواية The BFG

رواية The BFG (العملاق الودود الكبير) من تأليف الكاتب البريطاني الأسطوري رولد دال (Roald Dahl)، نُشرت لأول مرة عام 1982 باللغة الإنجليزية. تأتي هذه الرواية ضمن سلسلة الأعمال الخيالية التي كرّس بها دال اسمه في عالم أدب الأطفال، وهي إحدى أكثر رواياته شهرة ورواجًا، وقد أهدى الرواية إلى حفيدته الراحلة “أوليفيا”، التي توفيت بمرض الحصبة، ما منح القصة بُعدًا وجدانيًا عميقًا.

تتميز الرواية بأسلوبها الساخر الممتع، ومزيجها بين الخيال الجامح والدروس الأخلاقية المباشرة وغير المباشرة، وقد ترجمَت إلى أكثر من 40 لغة وبيعت منها ملايين النسخ حول العالم. رافقتها رسومات الفنان الشهير كوينتن بليك، الذي يعتبر عنصرًا أساسيًا في هوية روايات رولد دال البصرية.

تُصنّف الرواية ضمن فئة الفانتازيا، والمغامرة، والخيال الأدبي للأطفال، لكنها تحمل في طيّاتها مغزى إنسانيًا عميقًا يمكن للبالغين أيضًا أن يلتقطوه، وقد تحوّلت لاحقًا إلى أعمال فنية سينمائية أثرت حضورها العالمي في الثقافة الشعبية.

 القصة: من دار الأيتام إلى بلاد العمالقة

في أحد ليالي لندن الباردة، حيث الصمت يخيّم على الأبنية والشوارع، كانت الطفلة اليتيمة صوفي تحدق من نافذة غرفة نومها في دار الأيتام. الساعة تشير إلى الثالثة صباحًا، الوقت الذي يُطلق عليه “ساعة السحر”، حين تحدث أشياء غريبة ويقظ الناس نادر.

ووسط الظلام الدامس، لمحت صوفي كائناً طويلاً وضخمًا يسير في الشارع بخطى هادئة، يحمل شيئًا يشبه البوق الطويل، ويقفز بين الظلال بخفة مفزعة. راقبته بخوف وفضول، إلى أن التفت نحوها فجأة! قبل أن تدرك ما يحدث، اقترب منها بسرعة، مدّ يده العملاقة من النافذة، والتقطها في قبضة لطيفة لكنها حاسمة.

أفاقت صوفي لتجد نفسها تطير فوق الجبال والوديان، بين يدي عملاق طويل الأذنين، يسابق الريح نحو أرض بعيدة. وحين فتحت فمها لتصرخ، قاطعها العملاق:

“أنا لن أؤذيكِ… أنا العملاق الودود الكبير… الـBFG.”

وهكذا بدأت رحلة صوفي في عالم لم يخطر على بالها. وصلت إلى “بلاد العمالقة”، وهي أرض تقع خارج الزمن، يقطنها عمالقة ضخام لا يعرفون الرحمة، يتغذون على لحوم البشر — وبخاصة الأطفال.

لكن الـBFG كان مختلفًا. لم يكن يأكل أحدًا. بل كان صيّادًا للأحلام! نعم، لقد قضى عمره يلتقط الأحلام الجميلة من مروج الغموض، ويخزنها في جرار زجاجية، ثم ينفخها ليلاً في غرف نوم الأطفال كي يحلموا بالسعادة.

كان طعامه “الفقع المقزز” وشرابه “فروبسكوتل”، مشروبات غريبة بنكهة مرعبة. ومع أن بقية العمالقة كانوا يسخرون منه، إلا أنه ظل طيب القلب، محبًا للسلام.

لكن صوفي لم تكن لتكتفي بالمراقبة. فقد كانت فزعة من جرائم العمالقة الآخرين، الذين يسافرون كل ليلة إلى مختلف البلدان، يتسللون إلى البيوت، ويلتهمون الأطفال.

قالت بإصرار:

“علينا أن نوقفهم!”

هزّ الـBFG رأسه حائرًا:

“لكنهم ضخام ومخيفون… وسيقتلونني لو عرفوا أني ضدهم.”

هنا انبثقت فكرة مجنونة من عقل صوفي الصغير: لماذا لا يخبرون الملكة؟! ملكة بريطانيا العظمى! فهي وحدها من تملك السلطة الكافية لمحاربة العمالقة.

ورسمت الخطة: سيصنع الـBFG حلمًا خاصًا، حلمًا تتلقاه الملكة في نومها، يخبرها فيه عن الأطفال المذبوحين، وعن العمالقة الأشرار، وعن العملاق الطيب وصوفي الشجاعة.

وفي فجر اليوم التالي، تسلل العملاق إلى قصر باكنغهام، وقف قرب نافذة الملكة، ونفخ الحلم في أذنها النائمة. وفي الحلم، رأت الملكة أهوالًا لا توصف… وحين استيقظت مذعورة، وجدت صوفي بانتظارها.

روَت لها صوفي الحقيقة كاملة، وانضم إليهم الـBFG، وشرح بلغة مكسّرة — لكن صادقة — تفاصيل ما يحدث في بلاد العمالقة.

ما إن اقتنعت الملكة، حتى أمرت فورًا بتجهيز فرقة من الجيش البريطاني، بقيادة الجنرال ويلينغتون. حملوا شباكًا حديدية ضخمة، وطائرات مروحية، وتوجهوا إلى البلاد البعيدة في مهمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.

في فجر بارد، وعلى حين غفلة، ألقت الطائرات شباكها، وأُلقي القبض على العمالقة واحدًا تلو الآخر، قبل أن يستيقظوا. ووُضعوا في حفرة عملاقة حُفرت خصيصًا لهم، وأصبح طعامهم الإجباري هو “الفقع المقزز”.

وهكذا انتهت مذبحة العمالقة، بفضل فتاة صغيرة في دار للأيتام، وعملاق طيب لا يشبه بقية قومه.

 براعة اللغة وأدب الأطفال

يمتاز أسلوب دال في The BFG بالسحر اللغوي، فهو لا يكتفي بالسرد، بل يخلق لغة خاصة للعملاق، تحوي كلمات طريفة ومربكة مثل:

  • Snozzcumber: نبات مقزز يشبه الخيار الفاسد
  • Whizzpoppers: الرياح الناتجة عن شرب “فروبسكوتل”!
  • Frobscottle: مشروب غريب يتصاعد فيه الغاز من الأسفل إلى الأعلى!

هذه الكلمات ليست مجرد زينة لغوية، بل تعكس نظرة بريئة ساخرة للعالم، وتمنح الطفل طلاقة في استخدام خياله، وقد ساعدت في تحويل العملاق إلى شخصية أيقونية تشبه الطفولة نفسها: بريئة، غير كاملة، لكنها صادقة.

الرواية أيضًا تعكس قضايا إنسانية خفية، مثل:

  • نقد للعنف والهيمنة
  • فكرة أن من يبدون ضعفاء قد يكونون هم الأقوى قلبًا
  • نقد صامت لمؤسسات السلطة عبر صورة الملكة التي تصدّق حلمًا، لا تقريرًا رسميًا

 الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية

 1. The BFG (1989) – فيلم رسوم متحركة

  • المخرج: Brian Cosgrove
  • الإنتاج: ITV
  • التقييم: 6.6/10 على IMDb
  • الطابع: رسوم تقليدية، أداء صوتي بسيط، وفاء تام لأجواء الرواية
    هذا الفيلم جذب جمهور التسعينيات، واحتفظ ببراءة النص الأصلي، رغم أنه لم يحقق شهرة عالمية واسعة.

 2. The BFG (2016) – فيلم حي من إنتاج ديزني

  • الإخراج: ستيفن سبيلبرغ
  • السيناريو: ميليسا ماثيسون (كاتبة E.T)
  • البطولة:
    • مارك رايلانس بدور BFG
    • روبي بارنهيل بدور صوفي
    • بيني هيل بدور الملكة
  • التقييمات:
    • IMDb: 6.4/10
    • Rotten Tomatoes: 74%
  • الميزانية: 140 مليون دولار
  • الإيرادات العالمية: قرابة 195 مليون دولار

اعتمد الفيلم على أحدث تقنيات الـCGI، وأظهر العملاق بتفاصيل مذهلة. أداء مارك رايلانس كان مشبعًا بالحساسية والبراءة، بينما أخرج سبيلبرغ العمل بأسلوب شاعري يُشبه حكاية ما قبل النوم.

 تحليل أصداء العمل الفني

رغم أن الفيلم لم يحقق الإيرادات المرجوّة تجاريًا، إلا أن النقّاد رحّبوا به باعتباره تحفة بصرية وروحية، تكاد تُرى من منظور طفل. كثير من المراجعات أشادت بولاء الفيلم للرواية، خاصة في الحفاظ على اللغة الغريبة للعملاق، والعلاقة الحميمة بين صوفي والـBFG.

الجمهور انقسم:

  • فئة أحبّت الإخراج الهادئ والخيال النقي.
  • وأخرى وجدت الفيلم بطيئًا و”طفوليًا أكثر من اللازم”.

لكن بلا شك، ساهم الفيلم في إعادة إحياء الرواية لجيل جديد، وساعد في تحويل العملاق الودود إلى رمز ثقافي يُستخدم حتى في الحملات التعليمية ضد التنمر والعنف.

 في الختام…

رواية The BFG ليست مجرد حكاية خيالية، بل هي صرخة صامتة لبراءة الطفولة في وجه قسوة العالم. رولد دال، بعبقريته الهادئة، يكتب من قلب طفل، ليخاطب قلب كل قارئ، مهما بلغ عمره.

العملاق الودود ليس شخصية من نسج الخيال فقط، بل هو رمز لكل مختلف، وكل طيب يُحتقر بين الوحوش، وكل من يحمل في قلبه نورًا رغم عتمة العالم من حوله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى