الفارابي: حياته، فلسفته وإسهاماته في العالم الإسلامي
الفارابي: حياته ومسيرته
أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان، المشهور بالفارابي نسبةً إلى المدينة الّتي ولِد بها وهي مدينة فاراب بمنطقة تركستان. وُلِد سنة 260 هجريَّة وتوفي سنة 339 هجريَّة (القرنان التاسع والعاشر ميلادي). وللفارابي مؤلّفات أصيلة في مجال الفلسفة مثل كتاب إحصاء العلوم وكتاب آراء أهل المدينة الفاضلة وكتاب الملَّة وكتاب الحروف وكتاب الموسيقى الكبير… ومن المدن الّتي أقام بها الفارابي وأثَّر في حياتها الفكريَّة تعليمًا وتأليفًا نذكر مدينة بغداد ومدينة دمشق ومدينة حلب.
تأثير أرسطو على الفارابي
كان أرسطو واحدًا من الفلاسفة الكبار الذين أثرت أفكاره في تشكيل رؤية الفارابي الفلسفيَّة. فقد استمد المعلِّم الثاني من أعمال أرسطو المنطقيَّة والأخلاقيَّة والميتافيزيقيَّة أسس فلسفتِه الّتي تميَّزت بطابعٍ خاصٍّ وفريد، وذلك بالنَّظر إلى محاولتِه في الجمع بين رأييْ الحكيميْن أفلاطون وأرسطو من ناحية أولى، وبالنَّظر إلى محاولتِه التوفيق بين الفلسفة والملَّة من ناحية ثانية. هذا علاوة على اعتنائه الشديد بالمشكلة السياسيَّة وبحوثه في الشّروط الضروريَّة لبناء السياسة المدنيَّة الفاضلة.
الفلسفة السياسية للفارابي
لم يقتصر اهتمام الفارابي على مجال الفلسفة النظرية وحسب، بل تجاوزها إلى ميدان الفلسفة السياسية. حيث توجه إلى دراسة أصناف السياسات (الجاهلة، الضالَّة، الفاسقة، الفاضلة…) وكشف عن بنية الاجتماع المدنيّ وشروط التدبير والتعقّل السياسيَّيْن، ويُعتبر كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة أفضل معبِّر عن فلسفة الفارابي السياسيَّة، وفيه رسم صورة الرّئيس الأوّل بوصفه “فيلسوفًا- نبيًّا” وبيَّن الشروط الضروريَّة لتحقيق الغاية القصوى للوجود البشريّ الّتي هي السعادة.
إرث الفارابي وتأثيره على المسلمين
استمر إرث الفارابي في التأثير على الفلاسفة والمفكرين المسلمين عبر العصور. وانتقلت أفكاره من جيل إلى جيل، حيث استمد العديد من الفلاسفة إلهامهم وتوجهاتهم الفلسفية من أعماله، مثل ابن سينا وابن باجّه وابن رشد وابن ميمون. وقد تركت أفكاره بصمة عميقة في تطور الفكر الإسلامي، وساهمت في تشكيل منظوره للعالم والوجود بحيث يمكن اعتباره المؤسِّس الفعليّ للفلسفة الإسلاميَّة وإن سبقه الكندي زمانيًّا.
مساهماته في العلوم
لم تقتصر مساهمات الفارابي على ميدان الفلسفة وحده، بل توسعت لتشمل مجالات العلوم الأخرى. ويدلُّ كتاب إحصاء العلوم دلالة واضحة على مدى تمكُّنه من علوم عصره من رياضيَّات وفيزياء وفلك … وترك كتابًا في الموسيقى يعكس تعمُّقه في ميدان “صناعة الألحان” والنظريَّات الموسيقيَّة.
التأثير العالمي
تجاوزت أعمال الفارابي الحدودَ الزمانية والجغرافية. ولا تزال أفكاره تعكس تراثًا حضاريًا ثريًا يُدرس إلى اليوم. وتظل أفكاره تلهم الفلاسفة والمفكرين باستمرار. ولذلك تُرجِمت أعمالُه إلى عديد اللّغات وكُتِبت حوله العديد من الدّراسات في مختلفة الألسنة.
ختامًا
تعد شخصية الفارابي وفلسفته رمزًا للفكر الإسلامي ومساهماته العلميَّة والفلسفية والفنيَّة. استطاع أن يحقق توازنًا بين الفلسفة والدين، وبين العقل والروح. وبصمته واضحة في مجالات معرفيَّة متعددة. ويظل المعلِّم الثاني حاضرًا في عالمنا المعاصر كشخصية مؤثرة وفيلسوفًا رائدًا.
[المصدر: موقع دار الوسام]