الفتاة التي لعبت بالنار: رحلة ليسبث سالاندر بين الجريمة والعدالة في عالم يتآمر ضدها

نبذة تعريفية عن الرواية
الرواية هي الجزء الثاني من ثلاثية “ميلينيوم” التي تحولت إلى ظاهرة أدبية عالمية، وتُعد من أعمدة أدب الإثارة المعاصر، حيث تعمّق الكاتب في قضايا الاستغلال والفساد والجريمة الإلكترونية، مكوّنًا عالمًا شديد القتامة، مع بطلة خارجة عن كل القوالب التقليدية: “ليسبث سالاندر”.
الشرارة الأولى: البداية المضطربة
كانت السماء في ستوكهولم رمادية، والمطر يسقط كأنه ينظف شوارع المدينة من خطاياها المتراكمة. في أحد أركان هذه المدينة الباردة، كانت “ليسبث سالاندر” تتابع شريطًا من الصور على شاشة حاسوبها المحمول. عيناها اللتان لا تفصحان عن أي شيء كانتا تراقبان بصمت، لكن عقلها كان يضج بالأسئلة. هناك خيوط بدأت تتجمّع في الخلفية—جرائم مخفية، وجوه مألوفة، وأسماء منسية تعود للحياة.
في الوقت ذاته، كان الصحفي “ميكائيل بلومكفيست”، شريكها السابق في التحقيقات وبطل الجزء الأول من السلسلة، يستعد لنشر تحقيق ناري في مجلة ميلينيوم عن شبكة للاتجار بالبشر. التحقيق كان ثمرة شهور من العمل أجراه الصحفي الشاب “داغ سفينسون” وخطيبته الباحثة “ميا بيرمان”. وكانت الحقائق صادمة: ضباط شرطة، سياسيون، وحتى رجال مخابرات متورطون في شبكة شيطانية من استغلال النساء والفتيات.
لكن قبل أن يُنشر شيء، وقبل أن تُكشف الأسماء، وقع ما لم يكن في الحسبان.
جريمة مزدوجة… والمتهمة جاهزة
في ليلة خريفية باردة، عُثر على “داغ” و”ميا” مقتولين في شقتهما. الطلقات كانت نظيفة، دقيقة، وكأن منفذ الجريمة محترف لا يترك خلفه أثرًا. وللمفاجأة الكبرى، كانت البصمات الوحيدة على السلاح المستخدم هي بصمات “ليسبث سالاندر”.
هكذا أصبحت سالاندر، تلك الفتاة النحيلة ذات الأوشام والملامح الحادة، الهاربة رقم واحد في السويد. الصحافة نعتتها بـ”المختلة”، الشرطة طاردتها، والمجتمع حكم عليها حتى قبل أن تُدلي بكلمة واحدة. أما هي، فلم تهرب فقط من الاتهام، بل بدأت رحلتها الخاصة لتفكيك المؤامرة.
لكن لماذا دُسّت بصماتها؟ ومن يريد توريطها؟ هل كانت مجرد صدفة؟ أم هناك من يعرف ماضيها جيدًا ويريد استخدامه ضدها؟
الحقائق المدفونة… وأطياف الماضي
في طريق البحث عن الحقيقة، نكتشف أن قصة “ليسبث” أعقد مما يبدو. الطفلة التي نشأت في مؤسسات الرعاية، والفتاة التي تعرضت للاغتصاب والتعنيف، والمخترقة الإلكترونية العبقرية… تحمل في داخلها ندوبًا لم تلتئم.
نعود معها إلى ماضٍ مظلم، إلى والدها “ألكسندر زالاشينكو”، رجل المخابرات الروسية السابق، الذي يعيش بهوية مزورة تحت حماية الدولة السويدية. كان زالاشينكو وحشًا يتقن الاختباء خلف الأقنعة. وعندما كانت “ليسبث” في الثانية عشرة من عمرها، سكبت عليه البنزين وأشعلت فيه النار. لم يكن ذلك جنونًا، بل انتقامًا، بعد سنوات من تعنيف والدتها.
لكن الدولة، بدلًا من أن تحميها، أدخلتها مستشفى نفسيًا قسريًا، وخبأت الحقيقة. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت “ليسبث” خارج القانون وخارج المنطق، تؤمن بأن لا أحد سينقذها سوى نفسها.
المطاردة… والعقل في مواجهة النظام
وبينما كانت الشرطة تطاردها، كانت هي تخترق قواعد البيانات، تسحب الملفات، تربط الخيوط. شيئًا فشيئًا، بدأت تتضح لها الصورة: القتيلان “داغ” و”ميا” كانا على وشك كشف اسم زالاشينكو في تحقيقهما. ولأن زالاشينكو كان تحت حماية جهة غامضة في المخابرات، كان لا بد من إسكاتهم.
الميكروفيلم الذي كان “داغ” يحمله – والمخفي في شقته – كان مفتاح اللعبة. و”ليسبث” تعرف تمامًا ماذا يعني أن تلعب مع الشياطين.
في المقابل، كان “ميكائيل بلومكفيست” يحقق بطريقته الخاصة. رفض أن يصدق أن “ليسبث” قاتلة. بدأ يتبع خيوطًا متشابكة، تتقاطع فيها مكاتب المحامين، والملفّات الطبية، وعملاء المخابرات. وما اكتشفه كان أبعد من مجرد جريمة.
كل شيء يعود إلى مشروع سريّ في التسعينيات، لحماية بعض الجواسيس المنشقين من الاتحاد السوفيتي. “زالاشينكو” كان أحدهم، وتورطه في الإتجار بالبشر والتعنيف والتعذيب كان معروفًا، لكن النظام كان يخفيه. و”ليسبث”؟ كانت مجرد ضحية جانبية في ملف كبير من القذارة المؤسسية.
المواجهة: حين تلعب بالنار
الذروة جاءت حين واجهت “ليسبث” والدها في مخبئه السري. لم يكن اللقاء مشحونًا بالغضب فقط، بل بالرعب أيضًا. إلى جانبه، كان يقف “نيديرمان”، مساعده الضخم الذي لا يشعر بالألم – حرفيًا – بسبب خلل عصبي نادر.
في لحظة مواجهة، وفي بيت معزول في الريف، بدأت المعركة. لم تكن هناك شرطة، ولا قانون. كانت النار مرة أخرى العنصر الحاسم. سالاندر قاتلت بضراوة، بعقلها، بحيلها، وبدمها. تلقت ضربات قاسية، لكنها أطلقت رصاصة إلى رأس والدها. أما “نيديرمان”، فقد ظن أنه قتلها، لكنه لم يعرف أن الفتاة التي أحرقت أباها في سن الثانية عشرة لا تموت بهذه السهولة.
عندما عثرت الشرطة على سالاندر مدفونة في حفرة… كانت على قيد الحياة.
نهاية مفتوحة… ومزيد من الأسئلة
تنتهي الرواية بليسبث في المستشفى، بين الحياة والموت، والعدالة لم تُسترجع بعد. صحيح أن بلومكفيست كشف الكثير، لكن المؤامرة أعمق، وأعداء سالاندر كُثر. الرواية لا تغلق القصة، بل تفتح بابًا لرواية ثالثة: The Girl Who Kicked the Hornets’ Nest، حيث ستتواجه سالاندر أخيرًا مع النظام بأكمله.
الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية
🎬 الفيلم السويدي (2009)
- العنوان: The Girl Who Played with Fire
- إنتاج: السويد، 2009
- المخرج: دانيال ألفريدسون
- بطولة:
- نومي راباس في دور “ليسبث سالاندر”
- مايكل نيكفست في دور “ميكائيل بلومكفيست”
- التقييم: IMDb: 6.8/10 – Rotten Tomatoes: 69%
أُنتج الفيلم كجزء من ثلاثية سينمائية سويدية وفية للروايات، وقدمت أداءً دراميًا عاليًا. أداء نومي راباس حاز إعجاب النقاد، خاصة في تصوير شخصية سالاندر المعقدة والمنكوبة.
🎥 محاولات هوليوود
بعد نجاح النسخة السويدية، حاولت هوليوود إنتاج جزء ثانٍ من فيلم The Girl with the Dragon Tattoo (2011)، الذي أخرجه ديفيد فينشر. لكن بسبب مشاكل إنتاجية وتسويقية، لم يُنتج فيلم مقتبس مباشر عن The Girl Who Played with Fire بنفس الفريق. وعوضًا عن ذلك، تم إنتاج فيلم The Girl in the Spider’s Web (2018) من رواية لاحقة، لكنه لم يحقق نجاحًا مشابهًا.
تحليل فني: بين الرواية والشاشة
لا يمكن إنكار أن النسخة السويدية من الفيلم كانت أكثر التزامًا بالرواية، رغم صعوبة حصر كل تفاصيلها الغنية في ساعتين من الزمن. حافظ الفيلم على البُعد النفسي للشخصيات، وخاصة سردية “ليسبث”، لكنه اضطر لحذف بعض الخلفيات المعقّدة.
الجمهور والنقّاد وجدوا أن الرواية تتفوق في تفاصيلها وتعقيدها، خاصة في بناء شبكة المؤامرة، وتحليل شخصية سالاندر كشخصية نسائية قوية، لا تخضع للأنماط النمطية. ومع ذلك، فقد ساعدت الأفلام في إيصال الرواية إلى شرائح أوسع، وزادت من شعبيتها، حتى أصبحت سالاندر أيقونة أدبية في الثقافة الشعبية.
تأثير الرواية في الثقافة الشعبية
أحدثت سلسلة “ميلينيوم” ثورة في أدب الجريمة، ليس فقط بسبب الحبكة المتقنة، بل لأن بطلتها كسرت القوالب التقليدية. لم تكن “ليسبث” بطلة نمطية، بل نموذجًا للقوة، الذكاء، الغضب المكبوت، والرغبة في البقاء رغم كل شيء. جذبت الرواية النساء والرجال، وأثارت نقاشات حول العنف الأسري، الفساد المؤسسي، والعدالة الانتقائية.