بلسم… كلمات تُربّت على القلب وتُعيد ترميم الداخل

مقدمة: عندما تُكتب الكتب لتُشبه الحضن
ليست كل الكتب وُلدت لتُدهشك فكريًا أو تُبهر عقلك بالحقائق… بعضها يأتي كـ”بلسم”، تمامًا كما عنونته الكاتبة لانا عبدالعزيز المانع.
كتاب “بلسم”، الصادر في عام 2024، لا يشبه كتب تطوير الذات التقليدية. لا يتحدث إليك من برجٍ عاجي، ولا يخبرك ماذا تفعل كي تصبح ناجحًا أو كيف تتجاوز الآخرين، بل يُحدّثك عن “أنت”، عن داخلك المُمزق أحيانًا، المهزوم غالبًا، لكنه رغم كل شيء… حي.
الكتاب أشبه برسائل قصيرة، مكتوبة بصدق، كأنها جاءت من شخص يعرف تمامًا كم يؤلمك الليل، وكم تتمنى أن يفهمك أحد دون أن تشرح. كتاب لا يضعك على حافة الوعي، بل على حافة الطمأنينة.
عن المؤلفة: لانا المانع – كاتبة تُشبه قارئها
تُعد لانا عبدالعزيز المانع واحدة من أبرز الأصوات النسائية الشابة في الساحة الأدبية السعودية. تميل كتاباتها إلى الجمع بين البساطة والعمق، بأسلوب إنساني قريب من القلب.
كتابها “بلسم” ليس الأول، لكنه الأصدق حتى الآن، لأنه يعكس نضجًا شعوريًا، وتجربة داخلية تُعاش ولا تُشرح، وهذا ما جعله يلامس القلوب، لا العقول فقط.
محتوى الكتاب: بين الألم والرجاء – نبضات لا تُنسى
يقع الكتاب في فئة “تطوير الذات والعلاقات”، لكنه في حقيقته كتاب شعوري – وجداني – تأملي، أكثر منه دليلًا تطبيقيًا.
يتكوّن “بلسم” من نصوص متفرقة – بعضها أقرب إلى الخواطر، وبعضها رسائل، وبعضها مقاطع تأملية – لكنها جميعًا تشترك في:
- الاختزال الموجع
- التضمين النفسي
- النبرة الهادئة
- والبُعد العميق
المحاور التي يدور حولها الكتاب:
- الخذلان والعلاقات السامة:
تتعامل الكاتبة مع “الخذلان” كدرس لا كجريمة، وترى في الخسارة أحيانًا طريقًا للمعرفة. تقول:“أحيانًا نخسر الأشخاص لنربح أنفسنا، وأحيانًا نُجرَح لننتبه أننا لم نكن نعيش بصدق.”
- الشفاء من الداخل:
بدل أن تنصح القارئ بكيفية التغيير الخارجي، توجهه ليرمم الداخل، وتُؤمن أن الشفاء لا يكون بترك الأشياء فقط، بل بفهم ما الذي كنا نتمسك به ولماذا. - العلاقات والحدود:
تتحدث عن أهمية أن تضع حدًا لمن يستنزفك، دون شعور بالذنب. ففي مجتمع يجعل من اللين ضعفًا، تؤكد لانا على قوة الحزم الهادئ. - الصمت والكلام:
هناك مقاطع كاملة عن صعوبة التعبير، عن أولئك الذين “يعرفون الكثير لكن لا يقولون شيئًا”، وعن قيمة الإنصات لما لا يُقال. - العزلة والنضج:
تتناول فكرة العزلة كمحرّك للنضج، لا كعلامة على الوحدة، وتكتب:“العزلة التي تختارها لا تؤلم، بل تُداوي.”
أسلوب الكتابة: السهل الممتنع
أسلوب لانا عبدالعزيز المانع في “بلسم” هو ما يُميّزه عن كثير من كتب التنمية الذاتية.
هي لا تُظهر نفسها كمعالجة نفسية، ولا تُلقِ محاضرات، بل تُشاركك خواطر امرأة عرفت معنى الألم والوعي والنجاة.
- اللغة: بسيطة، لكنها مشحونة بالعاطفة.
- الجُمل: قصيرة لكنها تحمل أثرًا طويلًا.
- الأسلوب: تأملي، سردي، وجداني، لا يخلو من الفلسفة اللطيفة.
مثال على أحد المقاطع التي تنبض بالصدق:
“ليتك تعرف أني كنت أتحمّل… لا لأنني قوية، بل لأنني لم أكن أملك خيارًا آخر.”
لماذا نحتاج “بلسم” اليوم؟
في عالم يسير بسرعة الضوء، حيث تُقاس قيمتنا بالإنتاجية، وينسى الناس أن يسألوا “كيف حالك فعلًا؟”، يأتي كتاب “بلسم” ليقول:
“أنا هنا… أنا أراك.”
- نحتاج هذا الكتاب لأننا نكبت أكثر مما نُعبّر
- نضحك في الواجهة، وننزف في الداخل
- نخاف من “التكرار”، لكننا نُعيد الأخطاء نفسها
- نحب بلا شروط، ونُحبط بلا رحمة
و”بلسم” لا يُعطينا حلولًا سريعة، بل يُعيدنا إلى البديهي: أنك تستحق أن تُحب نفسك أولًا.
أثر الكتاب على القارئ
من خلال تقييمات القراء وردود أفعالهم، يبدو واضحًا أن “بلسم”:
- لامس جروحًا قديمة بصمت
- أعاد تعريف معنى القوة والشفاء
- منح القارئات – خصوصًا – حق الاعتراف بالمشاعر دون خجل
- أصبح رفيقًا في الليل، لا مرشدًا فحسب
الكتاب لا يُقرأ مرة واحدة، بل يُفتح عند الحاجة.
هو ليس فقط مجموعة كلمات، بل حالة شعورية كاملة.
اقتباسات بارزة
إليك بعض المقتطفات التي تستحق أن تُعلّق على جدار الروح:
- “كُن لنفسك بلسمًا… لا تنتظر من أحد أن يُرممك.”
- “المسامحة لا تعني النسيان، بل تعني أن نختار السلام.”
- “أحيانًا نكون لطفاء مع الجميع، إلا مع أنفسنا.”
- “من لا يُقدرك وهو يملكك، لن يندم حين يخسرك.”
- “الحقيقة لا تُؤلم، ما يُؤلم هو أننا كنا نعيش وهمًا.”
تحليل نقدي: أين يُبدع “بلسم” وأين يمكن أن يتطور؟
نقاط القوة:
- القرب الشعوري: يشعر القارئ أن الكاتبة تتحدث باسمه، لا عنه.
- المحتوى الأنثوي الصادق: يخاطب النساء بخصوصية نادرة، دون تصنع.
- التنوع الشعوري: بين الألم، والرجاء، والصبر، والحكمة.
ما كان يمكن تعزيزه:
- بعض القراء قد يشعرون أن الكتاب متشابه في نبرته، وربما يحتاج لبعض التنويع في النمط أو الطرح.
- لا توجد أقسام واضحة أو فصول معنونة، ما قد يربك القارئ الباحث عن “خريطة فكرية”.
لكن في المقابل، هذا الانسياب العاطفي قد يكون ما يريده قارئ يبحث عن الدفء لا التصنيف.
هل يُنصح بقراءة الكتاب؟ ولمَن؟
نعم، وبكل تأكيد، لكن ليس للجميع في كل وقت.
هو كتاب لمن نزف كثيرًا دون أن يتكلم، لمن يُريد أن يحتضن نفسه بعد أن تاه.
يُنصح به لـ:
- النساء في مرحلة التعافي العاطفي
- المراهقين الباحثين عن هوية شعورية
- من خاضوا تجربة انفصال أو خذلان
- كل من يريد أن يهدأ، لا أن يتحرك
خلاصة المقال: “بلسم” ليس كتابًا… بل حضن مكتوب
عندما تُنهي آخر صفحة من “بلسم”، لن تقول “واو”، بل ستتنفس بعمق وتهمس:
“أنا مش لوحدي.”
وفي زمنٍ امتلأ بالضجيج، هذا الكتاب جاء كصوت هامس، يقول:
“خذ وقتك في الشفاء، لا تستعجل قلبك… هو يعرف طريقه للسلام.”