قصص

بين النور والضمير: قراءة في رواية “The Light Between Oceans”

نبذة تعريفية عن الرواية

رواية “The Light Between Oceans” هي العمل الروائي الأول للكاتبة الأسترالية البريطانية إم. إل. ستيدمان. تأخذنا الرواية إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتطرح تساؤلات أخلاقية عميقة حول الحب، الفقد، الغفران، ومعنى أن تكون أبًا أو أمًا في عالم تهزه الفجائع.

السرد القصصي: رحلة الحبكة والشخصيات والصراع

🔹 البداية: عودة توم من الحرب إلى عزلة المنارة

تبدأ الرواية حين يعود “توم شيربورن”، الجندي الذي خدم في الحرب العالمية الأولى، إلى أستراليا منهكًا من فوضى المعارك والدمار النفسي الذي خلّفته الحرب في روحه. يقرر أن يبتعد عن ضجيج العالم، فيقبل وظيفة حارس منارة في جزيرة نائية تُدعى “جانوس روك”، تقع على الحدود بين المحيطين الهندي والجنوبي، حيث لا يُسمع فيها سوى صوت الأمواج والرياح.

في بلدة قريبة تُدعى “بارتبلو”، يلتقي بامرأة شابة تُدعى “إيزابيل غرايسيماك”، مفعمة بالحياة والمرح، رغم كونها فقدت شقيقيها في الحرب. تنشأ بينهما علاقة حب قوية، ويتزوجان قبل أن ينتقلا معًا للعيش في عزلة المنارة.

🔹 الصراع: الحزن، البنوة المفقودة، والقرار الكارثي

في البداية، تبدو الحياة جميلة بالنسبة للزوجين. لكن سرعان ما تبدأ مآسي الحمل والإجهاض المتكرر في رسم ظلال الحزن فوق سعادتهما. تفقد إيزابيل ثلاثة أطفال: الأول ولد ميتًا، والثاني مات رضيعًا، والثالث لم يكتمل الحمل.

وذات يوم، تأتي الأمواج بقارب صغير تائه إلى شاطئ الجزيرة، وفي داخله رجل ميت وطفلة رضيعة لا تزال على قيد الحياة. تنهار إيزابيل أمام المشهد، وتراه علامة من السماء؛ هدية ربانية تعوضها عن آلامها. وتحت إلحاحها، يوافق توم، رغم صراعه الأخلاقي، على عدم الإبلاغ عن الحادث وتربية الطفلة كابنتهما.

يسميانها “لوسي”، وتكبر بين ذراعيهما في الجزيرة المعزولة، ليعيشا معها أجمل سنوات حياتهما.

🔹 التصاعد: سنوات ملؤها الحب والشك

تمر السنوات الثلاث الأولى بسلام. لوسي هي النور الذي أضاء ظلمتهما، وهي “الضوء بين المحيطات” فعلاً، كما يُوحي العنوان.
لكن توم، الذي لا تزال روحه وفية لمبادئ الصدق والعدالة، لا يستطيع إخماد صوته الداخلي. خلال زيارة إلى المدينة، يكتشف أن هناك امرأة تُدعى “هانا روني”، لا تزال تبحث عن ابنتها المفقودة بعد أن ضاعت في البحر مع والدها المهاجر.

يتفجر الصراع الأخلاقي في قلب توم. هل يخبر الحقيقة ويُحطم قلب زوجته وابنته بالتبني؟ أم يكمل الكذبة، ويعيش في سلام ظاهري يُخفي جرحًا عميقًا؟

🔹 الذروة: لحظة المواجهة والانهيار

يقرر توم إرسال رسالة مجهولة لهانا يُخبرها فيها أن ابنتها على قيد الحياة. وبعد سلسلة من الأحداث، تنكشف الحقيقة. يتم اعتقال توم، وتتفكك حياة الأسرة. إيزابيل تنكسر، وتلوم توم على “خيانته”، بينما يُؤخذ الطفل – أو بالأحرى، “لوسي” – من حضنها، وتُعاد إلى والدتها البيولوجية.

لكن الطفلة لا تعرف والدتها الحقيقية، وتكره البُعد عن منارتها. تمضي أيام الوداع بمرارة، وتبدأ رحلة الجميع في التعامل مع الخسارات.

🔹 النهاية: الرحمة تختار طريقًا آخر

تمر السنوات، ويعيش كل من الشخصيات في ألم وصمت. توم يخرج من السجن، لكن العلاقة مع إيزابيل لا تعود كما كانت. يتبين لاحقًا أن إيزابيل مرضت، وتوفيت وهي لا تزال تُحب توم رغم كل شيء.

في الفصل الأخير، نرى “لوسي” وقد كبرت، وتأتي في زيارة لتوم، حاملة في قلبها شيئًا من الذكريات التي كانت حائرة بشأنها. تنظر إليه بعينين ممتلئتين بالأسئلة والحنين، وتدعوه ببساطة:

“هل يمكنني أن أزورك مجددًا؟”

وهكذا، تُختتم الرواية بنغمة رقيقة من الأمل بعد كل تلك الأمواج العاتية.

عناصر الجمال الأدبي والتشويق

  • اللغة الشاعرية: تستخدم ستيدمان لغة غنية بالتشبيهات والرموز، خاصة الطبيعة (المحيط، الضوء، العزلة) للتعبير عن داخل الشخصيات.
  • التناغم بين الحبكة والمكان: المنارة ليست مجرد مكان، بل تمثل الحدود بين الصواب والخطأ، بين البحر والبر، وبين النور والظلمة.
  • التوتر النفسي والدرامي: الرواية تبني صراعًا داخليًا رهيبًا دون حاجة للعنف أو المؤامرات، بل فقط عبر اختيارات أخلاقية صعبة.
  • عمق الشخصيات: كل شخصية تمر بتطور داخلي معقد، يقودها إلى تساؤلات حول الهوية، الحب، الغفران، والأمومة.

الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية

في عام 2016، تم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم:
The Light Between Oceans

  • المخرج: ديريك سيانفرانس (Derek Cianfrance)
  • البطولة:
    • مايكل فاسبندر (Michael Fassbender) بدور توم
    • أليسيا فيكاندر (Alicia Vikander) بدور إيزابيل
    • رايتشل وايز (Rachel Weisz) بدور هانا
  • تقييمات:
    • IMDb: 7.2/10
    • Rotten Tomatoes: 62%
    • تم عرضه لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي، وأثار جدلاً نقديًا بين الإعجاب والتردد.

الصدى الجماهيري والنقدي

الفيلم تلقى إشادات بصرية وتمثيلية كبيرة، خاصة من حيث التصوير السينمائي والموسيقى التصويرية التي ألّفها ألكسندر ديسبلات. بعض النقّاد وصفوه بأنه “قصيدة بصرية للحب والتضحية”.

بالنسبة لمدى وفاء الفيلم للرواية:

  • اعتُبر الفيلم أمينًا نسبيًا للروح العامة للقصة، حافظ على الحبكة الرئيسية والنبرة الأخلاقية، رغم بعض التبسيطات في التفاصيل الثانوية.
  • الموسيقى، التصوير، وبناء الشخصيات أضافوا بعدًا بصريًا وعاطفيًا جديدًا، وقد أوقد الفيلم مزيدًا من الاهتمام بالرواية الأصل.

أما على صعيد الشهرة:

  • بعد الفيلم، ارتفعت مبيعات الرواية مجددًا، وظهرت طبعات خاصة مرتبطة بالفيلم.
  • الجمهور الجديد الذي يشاهد الفيلم يُشجع على قراءة الرواية، ومعظمهم صُدم بتأثير القصة وحملها الدرامي.

خاتمة تحليلية: بين الرواية والفيلم

رواية The Light Between Oceans لستيدمان، بقوتها الرمزية والصراع الأخلاقي العنيف، مثلت تأثيرًا فوريًا في الأدب العالمي، رغم أنها رواية أولى من مؤلفة مبتدئة. تكمن قوتها في قدرتها على تحريك مشاعر قوية داخل سياق تاريخي بسيط وواجهة طبيعية متناغمة مع صوت ضمير الشخصيات.

الفيلم المُقتبس كان تحولًا بصريًا يبصر القصة في أبعاد جديدة؛ التصميم الفني، الأداء التمثيلي، والموسيقى، جعلته تجربة سينمائية مؤلمة وشاعرية. رغم أن بعض القراء قد شعروا بأن الفلم لم ينقل العمق الداخلي الكامل الذي تنقله الرواية، فإن الجمهور العام استقبله بحب كبير، والكثيرون عبروا عن أنهم بكوا أثناء المشاهدة.

ببساطة: الرواية أصالة، والفيلم ترجمة فنية أثبتت قدرة القصة على الانتقال من صفحات الكتاب إلى شاشة العرض، مع الحفاظ على جوهر الصراع بين الحب والضمير. وهكذا، أصبح للعمل صدى ثقافي مستمر، فقد عزّز شهرة الرواية، وفتح نافذة جديدة لفهمها عبر تجربة فنية مدروسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى