كتب

تأملات في كتاب توني بوزان حول فن التحكم بالعقل والذاكرة

مقدمة

في عالم تتسارع فيه وتيرة المعلومات بشكل مذهل، وتتنافس فيه الأفكار والبيانات على انتباهنا المحدود، أصبح السؤال الأهم: كيف نقرأ بسرعة أكبر، نفهم بعمق أكثر، ونتذكر لفترة أطول؟ من هنا يبرز كتاب “القراءة السريعة: اقرأ المزيد وتعلّم المزيد وحقق المزيد” للمفكر البريطاني توني بوزان، أحد أبرز الخبراء العالميين في تقنيات العقل والذاكرة.
الكتاب، الصادر عام 2018، ليس مجرد دليل لتعلّم مهارة القراءة السريعة، بل هو رحلة فكرية تهدف إلى إعادة تعريف العلاقة بين العقل البشري والقراءة بوصفها أداة للتعلم والنجاح.

يأتي الكتاب في إطار تصنيفين أساسيين:

  • تطوير العقل والذاكرة.
  • تطوير الذات والعلاقات.

ما يميز توني بوزان هو أنه لا يطرح القراءة السريعة كغاية في حد ذاتها، بل كوسيلة لزيادة الإنتاجية، تعزيز القدرة على الفهم، وتنمية الإبداع. في هذا المقال سنغوص في أعماق الكتاب، نستعرض محاوره الأساسية، ونفكك رسائله، لنفهم كيف يمكن لهذه المهارة أن تغيّر مجرى حياتنا.

الفصل الأول: خلفية عن المؤلف توني بوزان

توني بوزان (1942 – 2019) شخصية لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن علم الذاكرة وتطوير مهارات التفكير. عُرف بأنه مبتكر الخرائط الذهنية، الأداة البصرية التي ساعدت ملايين الأشخاص على تنظيم أفكارهم وحفظ المعلومات.
ألّف بوزان أكثر من 80 كتاباً تُرجمت إلى عشرات اللغات، وغطّت موضوعات مثل التعلم، الذكاء، الإبداع، والذاكرة. لم يكن هدفه أن يجعل الناس يقرؤون أسرع وحسب، بل أن يغيّر علاقتهم بعقولهم، وأن يدربهم على الاستفادة القصوى من قدراتهم الذهنية.
في كتاب “القراءة السريعة”، يطبق بوزان فلسفته على واحدة من أهم المهارات المعرفية: القراءة، التي يعتبرها “المفتاح الذهبي” لكل علم.

الفصل الثاني: لماذا نحتاج القراءة السريعة؟

قبل أن يقدّم بوزان استراتيجياته، يبدأ بطرح سؤال جوهري: لماذا يجب أن نقرأ بسرعة؟

  • لأننا نعيش في عصر الانفجار المعرفي: ملايين المقالات، آلاف الكتب، تقارير، رسائل بريد إلكتروني، ودروس إلكترونية يومياً.
  • لأن الوقت محدود: مهما حاولنا، لن نتمكن من الإلمام بكل شيء إذا قرأنا بالطريقة التقليدية.
  • لأن القراءة البطيئة تعني فرصاً ضائعة: كتاب لم يُقرأ، فكرة لم تُفهم، أو معرفة لم تُكتسب.

يشبّه بوزان القراءة السريعة بالطيران بدلاً من المشي. كلاهما ينقلك من نقطة إلى أخرى، لكن أحدهما أسرع وأكثر فاعلية. وهنا يلفت النظر إلى أن القراءة البطيئة ليست ناتجة عن قصور في القدرات العقلية، بل عن عادات سيئة مكتسبة منذ الطفولة.

الفصل الثالث: العوائق الذهنية أمام القراءة السريعة

يفكك الكتاب مجموعة من الممارسات التي تُبطئ القراءة دون أن ندرك:

  1. القراءة اللفظية (Sub-vocalization): عادة ترديد الكلمات بصوت داخلي كما لو كنا ننطقها. هذه العادة تبطئ سرعة القراءة إلى سرعة الكلام (200 كلمة/دقيقة تقريباً).
  2. العودة المتكررة (Regression): إعادة العين إلى الوراء للتأكد من فهم النص. هذا يستهلك وقتاً كبيراً ويشتت الانتباه.
  3. نطاق الرؤية المحدود: معظم القراء لا يوسّعون مجال العين لالتقاط أكثر من كلمة واحدة في النظرة.
  4. غياب التركيز: القراءة في بيئة مشتتة أو بعقل مزدحم بالأفكار، ما يؤدي إلى فقدان الفهم وإعادة القراءة مراراً.

يعتبر بوزان أن تجاوز هذه العادات هو المفتاح الأول للانتقال إلى مستوى أعلى من القراءة.

الفصل الرابع: مبادئ القراءة السريعة

يضع بوزان مجموعة من المبادئ التي تُشكّل الأساس:

  • القراءة البصرية: تدريب العين على التقاط مجموعات كلمات، لا كلمة واحدة.
  • الانسياب الذهني: القراءة كرحلة سلسة دون توقف غير مبرر.
  • التدرّج في السرعة: البدء بسرعة أعلى قليلاً من المعتاد، ثم زيادتها تدريجياً.
  • الفهم أولاً: لا معنى للسرعة بلا استيعاب، لذا يجب أن تُصمم التدريبات لتوازن بينهما.

الفصل الخامس: تقنيات توني بوزان العملية

من أبرز التمارين والتقنيات التي يقترحها:

  1. استخدام الإصبع أو القلم كمرشد بصري لتحريك العين بسرعة عبر السطر.
  2. توسيع مجال الرؤية بتمارين خاصة تسمح بالتقاط 3–4 كلمات في كل نظرة.
  3. تحديد أهداف للقراءة (مثلاً: إنهاء 20 صفحة في 15 دقيقة).
  4. التوقيت الذاتي لمعرفة التطور التدريجي في السرعة.
  5. الخرائط الذهنية كوسيلة لتلخيص وتثبيت المعلومات بعد القراءة.

الفصل السادس: العلاقة بين القراءة السريعة والذاكرة

يخصص بوزان قسماً مهماً للربط بين القراءة السريعة وتقنيات الذاكرة. فالقراءة السريعة لا تعني المرور العابر على النصوص، بل تعني استخراج المعنى والبنية بسرعة، وهو ما يسهل تخزينها في الذاكرة طويلة المدى.
يقترح المؤلف دمج القراءة مع:

  • الصور الذهنية.
  • الربط بين المعلومات.
  • الخرائط الذهنية كأداة بصرية تعكس بنية النص.

الفصل السابع: الفوائد العملية للقراءة السريعة

وفق بوزان، إتقان القراءة السريعة يقود إلى:

  1. مضاعفة الإنتاجية في العمل والدراسة.
  2. تعزيز الثقة بالنفس: لأن القارئ يشعر أنه قادر على التعامل مع سيل المعلومات.
  3. فتح أبواب جديدة للمعرفة: قراءة كتب أكثر في وقت أقل.
  4. تحسين القدرات التحليلية والإبداعية: حيث يكتشف القارئ الروابط بين الأفكار بشكل أسرع.
  5. الاستمتاع بالقراءة: حين تختفي المعاناة من البطء، تصبح القراءة هواية محببة وليست عبئاً.

الفصل الثامن: أمثلة وقصص نجاح

يعرض الكتاب قصصاً لأشخاص دربهم بوزان على القراءة السريعة:

  • طالب جامعي ضاعف سرعة قراءته 3 مرات في شهر، مما حسّن درجاته.
  • مدير تنفيذي أصبح ينهي تقارير أسبوعية في نصف الوقت، ما أتاح له وقتاً للتخطيط والإبداع.
  • أطفال تعلموا مبكراً كيف يقرأون بسرعة، فأصبحوا أكثر ثقة وحباً للكتب.

الفصل التاسع: القراءة السريعة في عصر التكنولوجيا

يُخصص بوزان فصلاً لمناقشة أثر التكنولوجيا:

  • مع الهواتف الذكية والإنترنت، أصبح الناس يقرأون مقاطع قصيرة ومجزأة.
  • القراءة السريعة تساعد على التعامل مع النصوص الرقمية بكفاءة.
  • لكنها أيضاً تدعو إلى التوازن: فلا يجب أن نضحّي بالفهم العميق في سبيل السرعة.

الفصل العاشر: نقد وتحليل

رغم قوة الكتاب، هناك من يرى أن:

  • بعض الأشخاص يبالغون في تطبيق السرعة على حساب الاستيعاب.
  • ليس كل النصوص قابلة للقراءة السريعة (مثل الشعر أو الفلسفة).
  • التدريب يحتاج إلى صبر طويل، ولا يأتي بنتيجة فورية.

ومع ذلك، يظل الكتاب مرجعاً أساسياً، لأنه يقدّم إطاراً عملياً لتعلّم مهارة حيوية.

الخاتمة

كتاب “القراءة السريعة: اقرأ المزيد وتعلّم المزيد وحقق المزيد” هو أكثر من مجرد دليل تدريبي، إنه دعوة لإعادة التفكير في قدراتنا العقلية. توني بوزان يثبت أن القراءة ليست عملية ميكانيكية، بل هي فن يمكن تطويره، ومهارة يمكن أن تغيّر مصير الإنسان.
ففي زمن تُقاس فيه قيمة الفرد بمدى قدرته على التعلم المستمر، تصبح القراءة السريعة واحدة من أهم مفاتيح النجاح.

 

لمعرفة المزيد: تأملات في كتاب توني بوزان حول فن التحكم بالعقل والذاكرة

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى