حكايات ألف ليلة وليلة: بين الخيال والعبرة..الليلة ٢١

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجني لما حكى للجنية حكايةَ بنتِ وزير مصر، وأن الملك كتب كتابها على السايس الأحدب وهي في غاية الحزن، وأنه لا أحدَ يشبهها في الجمال إلا هذا الشاب، قالت له الجنية: تكذب، فإن هذا الشاب أحسن أهل زمانه. فردّ عليها العفريت وقال: والله يا أختي إن الصبية أحسن من هذا، ولكن لا يصلح لها إلا هو، فإنهما مثل بعضهما، ولعلهما أخوان أو ولدا عم، فيا خسارتها مع هذا الأحدب!
فقالت له: يا أخي، دعنا ندخل تحته ونحمله، ونروح به إلى الصبية التي تقول عليها، وننظر أيهما أحسن.
فقال العفريت: سمعًا وطاعةً، هذا كلام صواب، وليس هناك أحسن من هذا الرأي الذي اخترتِه، فأنا أحمله.
ثم إنه حمله وطار به إلى الجو، وصارت العفريتة في كل ركابه تحاذيه إلى أن نزل به في مدينة مصر، وحطّه على مصطبة، ونبّهه فاستيقظ من النوم، فلم يجد نفسه على قبر أبيه في أرض البصرة، والتفت يمينًا وشمالًا فلم يجد نفسه إلا في مدينة غير مدينة البصرة، فأراد أن يصيح فغمزه العفريت، وقاد له شمعة، وقال له: اعلم أني جئتُ بك وأنا أريد أن أعمل معك شيئًا لله، فخذ هذه الشمعة وامشِ بها إلى ذلك الحمّام، واختلط بالناس، ولا تزل ماشيًا معهم حتى تصل إلى قاعة العروس، فاسبق وادخل القاعة، ولا تخشَ أحدًا، وإذا دخلتَ فقف على يمين العريس الأحدب، وكلما جاءك المواشط والمغنيات والمنقشات فحطّ يدك في جيبك تجده ممتلئًا ذهبًا، فاكبس وارمِ لهم ولا تتوهّم أنك تُدخل يدك ولا تجده ممتلئًا بالذهب، فأعطِ كل مَن جاءك بالحفنة، ولا تخشَ من شيء وتوكّل على الذي خلقك، فما هذا بحولك وقوتك، بل بحول الله وقوته.
فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام قال: يا ترى أي شيء هذه القضية، وما وجه الإحسان؟ ثم مضى وأوقد الشمعة وتوجّه إلى الحمّام، فوجد الأحدب راكب الفرس، فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك الحالة مع الصورة الحسنة، وكان عليه الطربوش والعمامة والفرجية المنسوجة بالذهب، وما زال ماشيًا في الزينة، وكلما وقفت المغنيات للناس ينقطعن، يضع يده في جيبه فيلقاه ممتلئًا بالذهب، فيكبش ويرمي في الطار للمغنيات والمواشط، فيملأ الطار دنانير؛ فاندَهشت عقول المغنيات، وتعجّب الناس من حُسنه وجماله، ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير، فردّت الحُجّابُ الناسَ ومنعوهم، فقالت المغنيات والمواشط: والله لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا؛ لأنه غمرنا بإحسانه، ولا تُجلى العروس إلا وهو حاضر.
فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح، وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب، واصطفّت جميع نساء الأمراء والوزراء والحجاب صفّين، وكل امرأة معها شمعة كبيرة موقدة مضيئة، وكلّهن ملثّمات، وصفّوا صفوفًا يمينًا وشمالًا من تحت المنصّة إلى صدر الليوان الذي عند المجلس الذي تخرج منه العروس.
فلما نظر النساء حسن بدر الدين، وما هو فيه من الحُسن والجمال، ووجهه يضيء كأنه هلال، مالت جميع النساء إليه، فقالت المغنيات للنساء الحاضرات: اعلموا أن هذا المليح ما نَقَطْنا إلا بالذهب الأحمر، فلا تقصّرن في خدمته، وأطعنَه فيما يقول. فازدحم النساء عليه بالشمع، ونظرن إلى جماله؛ فانبهرت عقولهن من حُسنه، وصارت كل واحدة منهن تود أن تكون في حضنه سنةً أو شهرًا أو ساعةً، ورفعن ما كان على وجوههن من النقاب، وتحيرت منهن الألباب، وقلن: هنيئًا لمَن كان هذا الشاب له أو عليه. ثم دعون على ذلك السايس الأحدب، ومَن كان سببًا في زواجه هذه المليحة، وكلما دعون لحسن بدر الدين دعون على ذلك الأحدب، ثم إن المغنيات ضربن بالدفوف، وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن وقد طيّبنها وعطرنها وألبسنها، وحسّن شعرها ونحرها بالحناء والحُلَل من لباس الملوك الأكاسرة، ومن جملة ما عليها ثوبٌ منقوش بالذهب الأحمر، وفيه صور الوحوش والطيور، وهو مسبول عليها من فوق حوائجها.
وفي عنقها عقدٌ يساوي الألوف، قد حوى كل فصٍّ من الجواهر ما لم يحز مثله تبعٌ ولا قيصر، وصارت العروسة كأنها البدر إذا أقمَر في ليلة أربع عشرة، ولما أقبلت كانت كأنها حورية، فسبحان من خلقها بهيّة، وأحدق بها النساء فصارت كالنجوم وهي بينهن كالقمر إذا انجلى عنه الغيم.
وكان حسن بدر الدين البصري جالسًا والناس ينظرون إليه، فحضرت العروسة وأقبلت وتمايلت، فقام إليها السائس الأحدب ليقبّلها فأعرضت عنه، وانقلبت حتى صارت قدام حسن ابن عمها، فضحك الناس لما رأوها مالت نحو حسن بدر الدين.
وحطّ يده في جيبه وكبش الذهب ورمى في طار المغنيات، ففرحوا وقالوا: “كنا نشتهي أن تكون هذه العروسة لك.” فتبسّم؛ هذا كله والسائس الأحدب وحده كأنه قرد، وكلما قدّموا له الشمعة طُفئت، فبُهِت وصار قاعدًا في الظلام يمقت في نفسه، وهؤلاء الناس محدقون به، وتلك الشموع الموقَدة بهجتها من عجب العجاب يتحيّر من شعاعها أولو الألباب.
وأما العروسة فإنها رفعت كفّيها إلى السماء وقالت: “اللهم اجعل هذا بعلي، وأرحني من هذا السائس الأحدب.” وصارت المواشط تجلي العروسة إلى آخر السبع، وخلعوا على حسن بدر الدين البصري، وأما السائس الأحدب فبقي وحده.
فلما فرغوا من ذلك أذنوا للناس بالانصراف، فخرج جميع مَن كان في الفرح من النساء والأولاد، ولم يبقَ إلا حسن بدر الدين والسائس الأحدب. ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحُلي والحُلَل، ويهيئنها للعريس؛ فعند ذلك تقدّم السائس الأحدب إلى حسن بدر الدين وقال: “يا سيدي، آنستنا في هذه الليلة، وغمرتنا بإحسانك، فلمَ لا تقوم تروح بيتك بلا مطرود؟!”
فقال: “باسم الله.” ثم قام وخرج من الباب، فلقِيه العفريت وقال له: “قِفْ يا بدر الدين، فإذا خرج الأحدب إلى بيت الراحة فادخل أنت، واجلس في المخدع، فإذا أقبلت العروسة فقل لها: أنا زوجك، والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين، وهذا الذي رأيتِه سائس من سُيّاسنا. ثم أقبل عليها واكشف وجهها، ولا تخشَ بأسًا من أحد.”
فبينما بدر الدين يتحدّث مع العفريت، وإذا بالسائس دخل بيت الراحة، وقعد على الكرسي، فطلع له العفريت من الحوض الذي فيه الماء في صورة فأر، وقال: “زِيق.” فقال الأحدب: “ما جاء بك هنا؟” فكبُر الفأر وصار كالقط، ثم كبُر حتى صار كلبًا وقال: “عوْه عوْه.”
فلما نظر السائس ذلك فزع وقال: “اخسأ يا مشؤوم.” فكبُر الكلب وانتفخ حتى صار جحشًا، ونهق وزمجر في وجهه: “هاق هاق.” فانزعج السائس وقال: “الحقوني يا أهل البيت.” وإذا بالجحش قد كبُر وصار قدر الجاموسة وسدّ عليه المكان، وتكلّم بكلام ابن آدم وقال: “ويلك يا أحدب، يا أنتن السُّيّاس.”
فلحق السائس البطن وقعد على الملاقي بأثوابه، واشتَبكت أسنانه ببعضها، فقال له العفريت: “هل ضاقت عليك الأرض فلا تتزوّج إلا بمعشوقتي؟” فسكت السائس، فقال له: “رُدَّ الجواب، وإلا أسكنتك التراب.” فقال له: “والله ما لي ذنب إلا أنهم غصبوني، وما عرفتُ أن لها عشّاقًا من الجواميس، ولكن أنا تائب إلى الله ثم إليك.”
فقال له العفريت: “أقسم بالله إن خرجتَ في هذا الوقت من هذا الموضع أو تكلّمتَ قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك، فإذا طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك، ولا تعد إلى هذا البيت أبدًا.” ثم إن العفريت قبض على السائس الأحدب، وقلب الملاقي على رأسه وجعلها إلى أسفل، وجعل رجليه إلى فوق، وقال له: “استمر هنا وأنا أحرُسك إلى طلوع الشمس.”
هذا ما كان من قصة الأحدب، وأما ما كان من قصة حسن بدر الدين البصري:
الأحدب والعفريت يتخاصمان، ودخل البيت وجلس في داخل المخدع، وإذا به قد خَلا بالعروس، فأقبلت ومعها عجوز، فوقفت العجوز في باب المخدع وقالت:
يا أبا شهاب، قُم وخذ عروسك، وقد استودعتك الله.
ثم ولّت العجوز ودخلت العروسة في صدر المخدع، وكان اسمها ست الحُسْن، وقلبها مكسور، وقالت في قلبها: والله ما أمكِّنه من نفسي ولو طلعت روحي.
فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر الدين، فقالت: حبيبي، وإلى هذا الوقت أنت قاعد؟ لقد قلتُ في نفسي: لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان فيَّ.
فقال حسن بدر الدين: وأي شيء أوصل السائس إليك، ومن أين له أن يكون شريكي فيك؟
فقالت: ومَن زوجي؟ أأنت أم هو؟
قال بدر الدين: يا سيدتي، نحن ما عملنا هذا إلا سخريةً به فنضحك عليه؛ فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلكِ حسنَكِ البديع خافوا علينا من العين، فاكترى أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنّا العين، وقد راح.
فلما سمعت ست الحُسن من بدر الدين ذلك الكلام، فرحت وتبسمت وضحكت ضحكًا لطيفًا، وقالت: والله لقد أطفأت ناري، فبالله خذني عندك، وضُمّني إلى حضنك.
وكانت بلا لباس، فكشفت ثوبها إلى نحرها، فبان قدامها ووراؤها، فلما نظر بدر الدين صفاء جسمها تحركت فيه الشهوة، فقام وحل لباسه، ثم حل الكيس الذهب الذي كان أخذه من اليهودي، ووضع فيه ألف دينار، ولفّه في سرواله، وحطّه تحت ذيله على الطراحة، وقلع عمامته ووضعها على الكرسي، وبقي بالقميص الرقيق، وكان القميص مطرّزًا بالذهب.
فعند ذلك قامت إليه ست الحسن وجذبته إليها، وجذبها بدر الدين وعانقها، وأخذ رجليها في وسطه، ثم ركب المدفع وحرّره على القلعة وأطلقه، فهدم البرج، فوجدها دُرّةً ما ثُقِبت، ومطيّةً لغيره ما رُكِبت، فأزال بكارتها، وتمتع بشبابها، ولم يزل يركب المدفع ويردده إلى غاية خمس عشرة مرة، فعلِقت منه.
فلما فرغ حسن بدر الدين وضع يده تحت رأسها، وكذلك الأخرى وضعت يدها تحت رأسه، ثم إنهما تعانقا وناما متعانقَين، وشرحا بأعناقهما مضمون هذه الأبيات:
زُرْ مَن تُحِبّ ودَعْ كلامَ الحاسدِ *** لَيْسَ الحسودُ على الهوى بمساعدِ
لم يَخلُقِ الرحمنُ أحسنَ منظرا *** من عاشقَينِ على فِراشٍ واحدِ
متَعانِقَينِ عليهما حُلَلُ الرِّضى *** متوسّدَيْنِ بمِعصمٍ وسَواعِدِ
وإذا تألّفتِ القلوبُ مع الهوى *** فالناسُ تضربُ في حديدٍ باردِ
وإذا صفا لكَ من زمانِك واحدٌ *** فهو المرادُ وعِشْ بذاكَ الواحدِ
هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين وست الحسن بنت عمه، وأما ما كان من أمر العفريت، فإنه قال للعفريتة: قومي وادخلي تحت الشاب، ودعينا نودِّيه مكانه لئلا يدركنا الصبح، فإن الوقت قريب.
فعند ذلك تقدّمت العفريتة، ودخلت تحت ذيله وهو نائم، وأخذته وطارت به وهو على حاله بالقميص بلا لباس، وما زالت العفريتة طائرة به، والعفريت يحاذيها، فأذن الله للملائكة أن ترمي العفريت بشهاب من نار فاحترق، وسلِمت العفريتة، فنزلت ببدر الدين في موضع ما أحرق الشهابُ العفريتَ، ولم تتجاوزه به خوفًا عليه، وكان بالأمر المقدّر ذلك الموضع في دمشق الشام، فوضعته العفريتة على باب من أبوابها وطارت.
فلما طلع النهار وفُتحت أبواب المدينة خرج الناس، فنظروا شابًّا مليحًا بالقميص والطّاقية بلا عمامة ولا لباس، وهو مما قال الشعراء عنه: غرقان في النوم من السهر.
فلما رأوه قالوا: يا بَخْت مَن كان هذا عنده في هذه الليلة، ويا ليتَه صبر حتى لبس حوائجه. وقال آخر: مساكين أولاد الناس، لعل هذا يكون في هذه الساعة خرج من المسكرة لبعض شغله، فقوي عليه السكر فتاه عن المكان الذي كان قصده حتى وصل إلى باب المدينة فوجده مغلقًا فنام هنا.
وقد خاض الناس فيه بالكلام، وإذا بالهواء قد هبّ على بدر الدين فرفع ذيله من فوق بطنه، فبان من تحته بطن وصِرّة محققة، وساقان وأفخاذ مثل البلور، فصار الناس يتعجبون.
فانتبه بدر الدين، فوجد روحه على باب مدينة وعليها ناس، فتعجب وقال: أين أنا يا جماعة الخير؟ وما سبب اجتماعكم عليّ؟ وما حكايتي معكم؟
فقالوا: نحن رأيناك عند أذان الصبح ملقًى على هذا الباب نائمًا، ولا نعلم من أمرك غير هذا، فأين كنت نائمًا هذه الليلة؟
فقال حسن بدر الدين: والله يا جماعة، إني كنتُ نائمًا هذه الليلة في مصر.
فقال واحد: هل لوتصبح نائمًا في مدينة دمشق؟ فقال لهم: والله يا جماعة الخير لم أكذب عليكم أبدًا، وأنا كنتُ البارحة بالليل في ديار مصر، وقبل البارحة كنت بالبصرة. فقال واحد: هذا شيء عجيب! وقال الآخر: هذا الشاب مجنون. وصفقوا عليه بالكفوف، وتحدّث الناس مع بعضهم وقالوا: يا خسارة شبابه، والله ما في جنونه خلاف. ثم إنهم قالوا له: ارجع لعقلك.
فقال حسن بدر الدين: كنت البارحة عريسًا في ديار مصر. فقالوا: لعلك حلمت، ورأيت هذا الذي تقول في المنام. فتحيّر حسن في نفسه، وقال لهم: والله ما هذا منام، وأين السائس الأحدب الذي كان قاعدًا عندنا؟ وأين الكيس الذهب الذي كان معي؟ وأين ثيابي ولباسي؟ ثم قام ودخل المدينة ومشى في شوارعها وأسواقها، فازدحم عليه الناس وزفّوه.
فدخل دكّان طباخ، وكان ذلك الطباخ رجلًا مصرِفًا فتاب الله عليه من الحرام وفتح له دكّان طبخ، وكان أهل دمشق كلهم يخافون منه بسبب شدّة بأسه. فلما نظر الناس إلى الشاب وقد دخل دكّان الطباخ افترقوا وخافوا منه. فلما نظر الطباخ إلى حسن بدر الدين، وشاهد حُسنه وجماله، وقعت في قلبه محبّته، فقال: من أين أنت يا فتى؟ احكِ لي حكايتك؛ فإنك صرت عندي أعزّ من روحي.
فحكى له ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى، فقال له الطباخ: يا سيدي بدر الدين، اعلم أن هذا أمر عجيب، وحديث غريب، ولكن يا ولدي اكتم ما معك حتى يفرّج الله ما بك، واقعد عندي في هذا المكان، وأنا ما لي ولد فاتخذك ولدي. فقال له بدر الدين: الأمر كما تريد يا عم.
فعند ذلك نزل الطباخ إلى السوق، واشترى لبدر الدين أقمشة مفتخرة، وألبسه إياها وتوجّه به إلى القاضي، وأشهد على نفسه أنه ولده. وقد اشتهر حسن بدر الدين في مدينة دمشق أنه ولد الطباخ، وقعد عنده في الدكّان يقبض الدراهم، وقد استقر أمره عند الطباخ على هذه الحال.
هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين. وأما ما كان من أمر ستّ الحُسن بنت عمّه، فإنها لما طلع الفجر وانتبهت من النوم لم تجد حسن بدر الدين قاعدًا عندها، فاعتقدت أنه دخل المرحاض، فجلست تنتظره ساعة، وإذا بأبيها قد دخل عليها وهو مهموم مما جرى له مع السلطان، وكيف غصبه وزوّج ابنته غصبًا لأحد غلمانه الذي هو السائس الأحدب. وقال في نفسه: أقتل هذه البنت إن كانت مكّنت هذا الخبيث من نفسها.
فمشى إلى أن وصل إلى المخدع، ووقف على بابه وقال: يا ستّ الحُسن. فقالت له: نعم يا سيدي. ثم إنها خرجت وهي تتمايل من الفرح، وقبّلت الأرض بين يديه، وازداد وجهها نورًا وجمالًا لعناقها لذلك الغزال. فلما نظرها أبوها وهي بتلك الحالة قال لها: يا خبيثة، هل أنتِ فرحانة بهذا السائس؟
فلما سمعت ستّ الحُسن كلام والدها تبسّمت، وقالت: بالله يكفي ما جرى منك، والناس يضحكون عليّ ويعايرونني بهذا السائس الذي ما يجيء في إصبعي قُلامة ظفر. إن زوجي والله ما بِتُّ طول عمري ليلةً أحسن من ليلة البارحة التي بِتها معه، فلا تهزأ بي وتذكر لي ذلك الأحدب.
فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرَقت عيناه وقال لها: ويلك! أيّ شيء هذا الكلام الذي تقولينه؟ إن السائس الأحدب قد بات عندك؟ فقالت: بالله عليك لا تذكره لي، قبّحه الله وقبّح أباه، فلا تُكثر المزاح بذكره. فما كان السائس إلا مكتريًا بعشرة دنانير، وأخذ أجرته وراح، وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرتُ زوجي قاعدًا بعدما جلتني عليه.
المغنيات، ونقّطَ بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين، وقد بِتُّ في حضن زوجي الخفيف الروح، صاحب العيون السود، والحواجب المقرونة.
فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلامًا، وقال لها: يا فاجرة، ما هذا الذي تقولينه؟ أين عقلك؟
فقالت له: يا أبتِ، لقد فتّت كبدي لأي شيء، فهذا زوجي الذي أخذ وجهي قد دخل بيت الراحة، وإني قد علقت منه.
فقام والدها وهو متعجّب ودخل بيت الخلاء، فوجد السائس الأحدب ورأسه مغروزًا في الملاقي، ورجلاه مرتفعتان إلى فوق؛ فبُهِت فيه الوزير، وقال: أما هذا هو الأحدب؟ فخاطبه فلم يرد عليه، وظن الأحدب أنه العفريت.
وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.