قصص

حكاية الأخوين والخيانة والوفاء: من قصص ألف ليلة وليلة” الليلة (٢)

 

فلما كانت الليلة الثانية، أخذنا معنا دينارًا، وجهزنا بضاعة، واكترينا مركبًا، ونقلنا فيه حوائجنا، وسافرنا مدة شهر كامل إلى أن دخلنا مدينة، فبعنا بضاعتنا، فربحنا في الدينار عشرة دنانير. ثم أردنا السفر، فوجدنا على شاطئ البحر جارية عليها خلق مقطع، فقبلت يدي وقالت:
يا سيدي، هل عندك إحسان ومعروف أجازيك عليهما؟
فقلت: نعم، إن عندي الإحسان والمعروف ولو لم تجازيني.

فقالت: يا سيدي، تزوجني وخذني إلى بلادك، فإني قد وهبتك نفسي، فافعل معي معروفًا؛ لأني ممن يُصنع معه المعروف والإحسان ويجازي عليهما، ولا يغرّنك حالي.

فلما سمعت كلامها حن قلبي إليها لأمر يريده الله — عز وجل — فأخذتها وكسوتها، وفرشت لها في المركب فرشًا حسنًا، وأقبلت عليها وأكرمتها. ثم سافرنا، وقد أحبها قلبي محبة عظيمة، وعاهدت نفسي ألا أفارقها ليلًا ولا نهارًا، وانشغلت بها عن أخويّ، فغارا مني وحسداني على مالي وكثرة بضاعتي، وطَمِحَت أعينهما في المال جميعه، وتحدثا بقتلي وأخذ مالي، وقالا: نقتل أخانا ويصير المال جميعه لنا.

وزيَّن لهما الشيطان أعمالهما، فجاءاني وأنا نائم بجانب زوجتي، فحمّلاني أنا وزوجتي وألقَيانا في البحر. فلما استيقظت زوجتي انتفضت، فإذا بها عفريتة، حملتني وأطلعتني على جزيرة، وغابت عني قليلًا، ثم عادت عند الصباح وقالت لي:
أنا زوجتك التي حملتك ونجّيتك من القتل بإذن الله تعالى، واعلم أني جنّية، قد رأيتك فأحبك قلبي لله، وأنا مؤمنة بالله ورسوله ﷺ. فجئتك بالحال الذي رأيتني فيه فتزوجت بي، وها أنا قد نجيتك من الغرق، وقد غضبت على أخويك، ولا بد أن أقتلهما.

فلما سمعتُ حكايتها تعجبتُ، وشكرتها على فعلها، وقلت لها: أما هلاك أخويَّ فلا ينبغي. ثم حكيت لها ما جرى لي معهما من أول الزمان إلى آخره، فلما سمعت كلامي قالت:
أنا في هذه الليلة أطير إليهما، وأغرق مركبهما، وأهلكهما.

فقلت لها: بالله عليك لا تفعلي؛ فإن صاحب المثل يقول: “يا محسنًا لمن أساء، كفى المسيء فعله.” وهما أخواي على كل حال.
فقالت: لا بد من قتلهما.
فاستعطفتها، ثم إنها حملتني وطارت، فوَضعتني على سطح داري، ففتحت الأبواب، وأخرجت الذي خبأته تحت الأرض، وفتحت دكاني بعدما سلمت على الناس، واشتريت بضاعة.

فلما كان الليل دخلت داري، فوجدت هذين الكلبين مربوطين فيها، فلما رأياني قاما إليَّ وبكيا وتعلقا بي. فلم أشعر إلا وزوجتي قالت: هذان أخواك.
فقلت: من فعل بهما هذا الفعل؟
قالت: أنا أرسلت إلى أختي ففعلت بهما ذلك، ولا يتخلصان إلا بعد عشر سنوات. فجئت وأنا سائر إليها لأخلِّصهما بعد إقامتهما عشر سنوات في هذه الحال. فرأيت هذا الفتى فأخبرني بما جرى له، فأردت ألا أبرح حتى أنظر ما يجري بينك وبينه، وهذه قصتي.

فقال الجني: إنها حكاية عجيبة، وقد وهبتُ لك ثلث دمه في جنايته.

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى