حكاية ضوء المكان ونزهة الزمان: أسرار الليل وبوح القلوب.. الليلة ٧٤

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم قال لضوء المكان: يا سيدي، إني أتيتُ إليك في هذه الليلة ثلاث مرات؛ لأن سيدتي تطلبك عندها. فقال: ومن أين هذه الكلبة حتى تطلبني؟ مَقَتَها الله ومقتَ زوجها معها. ونزل في الخادم شتمًا، فما قدر الخادم أن يردّ عليه جوابًا؛ لأن سيدته أوصته أنه لا يأتي به إلا بمراده هو، فإن لم يأتِ معه يُعطيه المائة دينار. فجعل الخادم يلين له الكلام، ويقول له: يا ولدي، أنا ما أخطأت معك، ولا جرّنا عليك، فالقصد أن تصل بخطواتك الكريمة إلى سيدتنا، وترجع في خير وسلامة، ولك عندنا بشارة.
فلما سمع ضوء المكان ذلك الكلام قام ومشى بين الناس، والوقّاد ماشٍ خلفه وناظرٌ إليه، يقول في نفسه: يا خسارة شبابه! في غدٍ يشنقونه. وما زال الوقّاد ماشيًا حتى قرب من مكانهم، وقال: ما أخصّه (أي ما أتعسه) إن كان يقول عنّي: هو الذي قال لي أنشد الأشعار.
هذا ما كان من أمر الوقّاد. وأما ما كان من أمر ضوء المكان، فإنه ما زال ماشيًا مع الخادم حتى وصل إلى المكان، ودخل الخادم على نزهة الزمان، وقال لها: قد جئت بما تطلبينه، وهو شاب حسن الصورة، عليه أثر النعمة. فلما سمعت ذلك خفق قلبها، وقالت له: مُرْه أن ينشد شيئًا من الشعر حتى أسمعه من قرب، وبعد ذلك فاسأله عن اسمه، ومن أي البلاد هو.
فخرج الخادم إليه وقال له: أنشد شيئًا من الشعر حتى تسمعه سيدتي؛ فإنها حاضرة بالقرب منك، وأخبرني عن اسمك وبلدك وحالك. فقال: حبًّا وكرامة، ولكن حيث سألتني عن اسمي فإنه مُحيَ، ورَسمي فنيَ، وجسمي بَليَ، ولي حكاية تُكتب بالإبر على آماق البشر، وها أنا في منزلة السكران الذي أكثر من الشراب، وحلّت به الأوصاب، فتاها عن نفسه، واحتار في أمره، وغرق في بحر الأفكار.
فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام بكت، وزادت في البكاء والأنين، وقالت للخادم: قُل له هل فارقتَ أحدًا ممن تحب مثل أمك وأبيك؟ فسأله الخادم كما أمرته نزهة الزمان، فقال ضوء المكان: نعم، فارقتُ الجميع، وأعزّهم عندي أختي التي فرّق الدهر بيني وبينها.
فلما سمعت نزهة الزمان منه هذا الكلام، قالت: الله يجمع شمله بمن يحب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.



