كتب

«حوار غير هادئ»: صوت الشعر الذي يوقظ الصمت ويواجه الركود

 

مقدّمة: الالتقاء مع النصّ

صدر كتاب «حوار غير هادئ» عن دار الآن ناشرون وموزّعون في عام 2023، وهو من بين أحدث أعمال الشاعر والباحث مهدي نصير، ويضمّ مجموعة من النصوص الشعرية التي تتفاعل مع الواقع، وتُحفّزه نحو تأمّل وتجديد.
العنوان «حوار غير هادئ» بحدّ ذاته يوحي بأن النصوص ليست سكوناً أو انزواءً، بل هي مشاركة فاعلة، اعتراض، تأمّل، ربما صرخة، أو تنبيه — حوار يرفض أن يكون هادئاً في مقابل سكون العيش أو صمت المجتمعات.

في هذا المقال سأُعرض أبعاداً متعددة: أولاً الخلفية العامة للنص، ثانياً بنية النصّ أو الأسلوب الشعري، ثالثاً الثيمات الكبرى والمضامين، رابعاً القيمة الأدبية والمكانة، وخامساً بعض التساؤلات النقدية والقراءات المقترحة.

الخلفية العامة والنصّ في سياقه

يتميّز مهدي نصير بأنه شاعر وباحث، تجمع كتاباته بين تأمّل شعري وحضور فكري. وقد ظهر في لقاءات إعلامية للحديث عن هذا الإصدار تحديداً.
الكتاب يقع في حدود 336 صفحة تقريباً، وهو من طبعة أولى.
فيما يتعلق بالتصنيف، يُوضع ضمن شعر أو أدب نثر-شعري، ضمن فئة الأدب العام.
من خلال الاطّلاع على مقتطفات أو تدخلات من الناشر، يظهر أن النصّ يحاول أن ينشط الحوارات المفتوحة في المجتمعات العربية، ويطرح وضعية “بعل نائم” — كما يقول النصّ ذاته:

«ما زالَ بعْـلُ نائماً منذُ قرونٍ… ما يزالُ غائباً مُـتَّـكِئاً على وَسادةٍ مِنَ الحَشيشِ…»
هذا التصوّر يضعنا أمام شاعر يرى حالة ركود أو غياباً أو خمولاً في أحد أوجه المجتمع أو الذات، وهو يسعى إلى إيقاظه أو تحديه.

بنية النصّ والأسلوب الشعري

لغة وكثافة الصور

اللغة في «حوار غير هادئ» تنحو نحو الكثافة التصويرية. المقاطع التي نراها تحمل رمزية عالية («بعل نائم»، «ناي صغير هارب»، «شقوق الطين»)، تشي بوجود بنية استعاريّة قوية، حيث يحمل الشاعر صورة أو حالة ثم يوسّعها لتشمل دلالات مجتمعية أو نفسية.
الأسلوب أيضاً يميل إلى النثر الشعري أو «شعر النثر» في بعض الأجزاء، بمعنى أنّ الحدّ بين النثر والشعر ينقص، ويتحرّك النصّ بحرّية أكبر من شكل القصيدة التقليدي. هذا ما يجعل الحوار «غير هادئ» ـ أي ليس الحوار الصامت أو المتسامح فقط بل الحواري الذي يُخرِج الصوت ويضعه في مواجهة.

التركيب البنائي

من خلال المعلومات المتاحة، لا يبدو أن الكتاب يتبع بنية واحدة مترابطة كسرد أو قصيدة طويلة تنتهي بنهاية خطّية؛ بل هو مجموعة نصوص مفصلّة، كلّ منها تسهم في البُعد الكلي. ولذلك، فإن القارئ يُعامل مع النصوص كما لو أنّها مقاطع في حوار داخلي أو خارجي، تجتمع لتشكّل بنية فضاء شعري-تأمّلي.
هذا النمط يمنح الشاعر حرّية في التبدّل بين الصوت الشخصي والتعبير الكلي، بين الذات والمجتمع، بين الصمت والصرخة.

الإيقاع والتكرار

في البوليفونية الخاصة بهذا النوع الشعري، التكرار (مثال: «ما زال بعل نائماً… ما زال نايه…») يعمل كإيقاع داخلي، يرسّخ فكرة الترداد والتكرار في حالة الركود أو الغياب. هذا التكرار ليس جُملة فحسب، بل رمزية تؤكّد وجود شيء متبقٍ، لم يتغيّر، أو لم يُستفزّ بعد.
كذلك، التضادّ («نائم… هارب… يقذف وجهه…» الخ) يعمل كدينامية داخل النصّ، تدفع القرّاء إلى التفاعل مع التوتر الشعري.

الثيمات والمضامين الكبرى

الركود والغياب والحضور

كما ذكرت، إحدى الصور المركزية هي «بعل نائم». «بعل» هنا قد يُفهم كمفهوم تعبيري عن السيادة أو السلطة أو حتى الذات الجامحة، لكنها في حالة انكسار أو غياب. الغياب هذا يُراد به حالة الركود، أو الانتظار، أو التغييب الاجتماعي.
الناي الصغير الهارب، وشقوق الطين في الأرض الياباب، كلها صور تشير إلى هشاشة، تهرّم، ضعف الحضور، ربما تكوين المجتمع أو الحضور الثقافي. هنالك دعوة ضمنية إلى الاستيقاظ والتحرّك.

الحوار والتحدِّي

العنوان يقول «حوار غير هادئ» — إذن ليس الحوار الودي أو التقليدي، بل الحوار الذي يتضمّن نقداً أو استفزازاً أو بحثاً عن الحقيقة. الشاعر يحاور الذات والمجتمع، ويتحداها في الوقت نفسه.
هذه الدعوة للحوار تضع الكتاب في موقع فاعل: ليس مجرد نصوص تُقرأ، بل نصوص تُقام وتُناقش، ربما تُحرّك.

الزمن والذاكرة

الزمن يتضمّن في النصّ تأمّلات في الماضي والحاضر. «منذ قرونٍ…» يقول النصّ. الزمن هنا ليس مجرد مرور لحظي، بل تراكم، أثر، وحتى جرح أو غياب.
الذاكرة الحاضرة في النصّ هي ذاكرة الضعف، ذاكرة الصمت، وربّما ذاكرة الاحتجاج. فالشاعر يستدعي الماضي ليُبرز الحاضر.

الأرض والمكان

الحضور المكاني واضح: «شقوق الطّين»، «الأرض الياباب». الأرض في هذا السياق ليست أرضاً مزدهرة، بل الأرض التي تتحرّك تحت ثقل الركود، الأرض المهملة أو التي «طمرها الصمت». هكذا ترتبط الأرض بالهوية، بالثقافة، بالوجود.
أيضاً، من خلال اللغة، يشعر القارئ بأن النصّ لا ينفصل عن محيطه، بل يتفاعل معه — بالمكان، بالبيئة، بالشعور.

الصوت والآلة (النَّاي)

الناي في النصّ يرمز إلى الصوت، إلى الفنّ، إلى التعبير. لكن «نايه الصغير هارب» => هذا معناه أن الصوت الفني أو الإبداعي ليس في موقعه، أو تمّ تهجيره، أو خضع للركود. هذا يجعل النصّ ليس فقط نقداً اجتماعياً، بل نقداً ثقافياً، فنياً.
الحوار هنا يمتدّ إلى ما يقوله الشاعر عن الذات والآخر، عن الفنّ والثقافة.

القيمة الأدبية والمكانة

«حوار غير هادئ» يُعدّ إسهاماً شعرياً معاصراً، يواكب التوجّهات التي يميل إليها الشعر العربي اليوم: التجريب في الشكل، التفاعل مع الواقع الاجتماعي، المزج بين التجربة الذاتية والمجتمعية، وتحرّر اللغة من بعض القوالب التقليدية.
كما أن التداخل بين الحالة الفردية (الشاعر) والحالة الجماعية (المجتمع، الأرض، الثقافة) يجعل النصّ ذا بُعد تأمّلي وفلسفي.
عند قرّاء الشعر والنّقد، يمكن اعتباره نصاً يستحق الوقوف عنده، ليس لأنّه فقط يحتوي صوراً قوية، بل لأنه يطرح أسئلة كبيرة: لماذا الركود؟ لماذا غياب الصوت؟ كيف نعيد حوارنا مع الذات والآخر؟
من جهة أخرى، نظراً لحداثة صدوره (2023)، فإنه يوفّر مادة خصبة للبحث والنقاش الأكاديمي — في دراسات الشعر المعاصر، النقد الثقافي، أو حتى تحليل النصوص التجريبية.

بعض القراءات النقدية والتساؤلات

  • هل الركود الذي يُشير إليه النصّ حصراً محليّ (مجتمع عربي معيّن)، أم أنه رمزية لحالة الإنسان المعاصر عالمياً؟ النصّ يفتح المجال للقراءات المتعددة.
  • إلى أيّ حدّ يمكن اعتبار «حوار غير هادئ» نصّاً مؤسساً لنمط معين من الشعر التجريبي في البيئات العربية؟ هل يتجاوز الإشكاليات الشكلية إلى التأثير المجتمعي؟
  • اللغة كثيفة وغنية بالصور، لكن هل قد يواجه القارئ صعوبة في الربط بين النصّ والمجتمع؟ بمعنى آخر، هل النصّ محليّ للغاية أم عامّ؟
  • ما هو موقع الذات في هذا الحوار؟ هل الذات هي الشاعر فقط، أو هي الإنسان/المجتمع؟ وكيف تتداخل؟
  • وأخيراً، هل الحوار المقصود في العنوان يتوجّه إلى الآخر الخارجي فقط، أو إلى الذات أيضاً؟ هل هو حوار نقدي أو تجديدي؟

ختاماً

«حوار غير هادئ» لمهدي نصير هو نصّ شعري-تأمّلي يستدعي الحراك، يستحثّ الحوار، يفضح الركود، ويُعلن صرخة في فضاء ربما اعتاد الصمت. إنه ليس كتاباً للقراءة العابر، بل كتابٌ يحتاج تأمّلاً، وتفاعلاً، وربّما نقاشاً.
إذا كنت تبحث عن نصّ يجمع بين اللغة الجميلة، الصور المكثّفة، والبُعد المجتمعيّ الثقافي، فهذا الكتاب يُعدّ خياراً جدّيراً بالانتباه.
يمكنك أن تدخل إلى هذا الحوار غير الهادئ، وتصبح شريكاً فيه، لا مجرد قارئ.

 

لمعرفة المزيد: «حوار غير هادئ»: صوت الشعر الذي يوقظ الصمت ويواجه الركود

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى