قصص

حيلة كافور التي أشعلت المدينة.. الليلة ٣٨

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العبيد الثلاثة قالوا لبعضهم: “كل واحد يحكي جميع ما وقع له.”
فقال الأول، وهو الذي كان حامل النور: “أنا أحكي لكم حكايتي.”
فقالوا له: “تكلّم.”

حكاية العبد الأول (صواب):

قال لهم: اعلموا يا إخواني أنّه لما كنت صغيرًا، جاء بي الجلّاب من بلدي وعمري خمس سنين، فباعني لرجل جاويش. وكان له بنت عمرها ثلاث سنين، فنشأت معها وتربّيت بجانبها، وكانوا يضحكون عليّ حين أُلاعبها وأرقص لها وأغني، حتى صار عمري اثنتي عشرة سنة، وهي بلغت العاشرة، ولم يكونوا يمنعونني من دخول بيتها أو رؤيتها.

وذات يوم دخلتُ عليها، وكانت جالسة وحدها، كأنها قد خرجت لتوّها من الحمّام، تفوح منها رائحة الطيب، ووجهها منير كالقمر ليلة البدر. فداعبتني، فداعبتها، وشعرت بميل فطري نحوها، ولم أدرِ كيف تصرّفت، فقد كانت لحظة فُتن فيها القلب قبل العقل.

ثم فاجأتني بتصرّف لم أفهمه في حينه، إذ دفعتني وسقطتُ على ظهري، وجلست فوقي، وصارت تمازحني بشكلٍ غريبٍ لم أعهده من قبل، حتى انكشفت بعض أموري من دون قصد.
فلما رأت ذلك، تعاملت مع الأمر بفضول الطفولة، ثم قامت بحركات فطريّة عفويّة ناتجة عن جهل وسنّ صغيرة، ما أثارني، فضممتها إليّ، وكانت تُبادلني نفس البراءة، حتى حدث ما لم أكن أدركه أو أقصده، وكان ذلك سببًا في زوال بكارتها.

فلما أدركت ما حصل، خفتُ وهربتُ إلى بعض أصحابي.
ثم دخلت عليها أمّها، وحين رأت حالها، أصابها الهلع، لكنها تكتمت على الأمر، وأخفته عن أبيها، وصبرت على المصيبة شهرين كاملين.

وخلال هذه المدّة، كانوا لا يزالون يعاملونني بلطف، وينادونني ويمازحونني كالسابق، حتى جاءوا بي من حيث كنت، من دون أن يذكروا شيئًا لأبيها، لأنهم كانوا يحبونني كثيرًا.

ثم إن أمّها خطبت لها شابًا حسن المظهر، كان يزيّن والدها، وزوّجتها له من مهرها، وجهّزتها بالكامل، وكلّ هذا وأبوها لا يعلم شيئًا عن أمرها.

وبعد تجهيزها، صاروا يجتهدون في تحضير ما تحتاجه لزفافها، وفي غفلة مني، أمسكوا بي وخصوني (أي جعلوني خصيًّا)، فلما زُفّت إلى زوجها جعلوني طواشيًّا لها (أي خادمًا أمينًا يرافقها)، أذهب معها حيثما شاءت، سواء إلى الحمّام أو بيت أهلها.

وقد ستروا أمرها عن الجميع، ولما كانت ليلة الزفاف، ذبحوا حمامة على قميصها، لتبدو وكأنها عروس عذراء.
وظللت في خدمتها مدة طويلة، متعلّقًا بجمالها وحسنها، على قدر ما كان يُسمح لي من تقبيل وعناق بريء، حتى توفيت هي وزوجها وأمها وأبوها، ثم ورثتُ مالهم، واشتريت هذا المكان الذي ترونني فيه الآن، وها أنا قد ارتفقت بكم، وهذه كانت سبب قصتي، وسبب قطع رجولتي، والسلام

فقال العبد الثاني:

اعلموا يا إخوتي أني كنتُ في ابتداء أمري ابن ثماني سنين، ولكن كنتُ أكذب على الجلّابة في كل سنة كذبة، حتى يقعوا في بعضهم، فقلق مني الجلاب، فأنزلني عند الدلّال، وأمره أن ينادي:
“من يشتري هذا العبد على عيب؟”

فقيل له: وما عيبه؟
قال: “يكذب في كل سنة كذبة واحدة.”

فتقدّم رجل تاجر إلى الدلّال، وقال له: “كم أعطوا في هذا العبد من الثمن على عيبه؟”
قال: “أعطوا ستّمائة درهم.”
قال: “ولك عشرون.”

فجمع بينه وبين الجلاب، وقبض منه الدراهم، وأوصلني الدلّال إلى منزل ذلك التاجر، وأخذ دلالته. فكسانِيَ التاجرُ ما يناسبني، ومكثتُ عنده باقي سنتي، إلى أن حلّت السنة الجديدة بالخير، وكانت سنةً مباركةً مخصبة بالنبات.

فصار التجّار يعملون العزائم، وكل يومٍ على واحدٍ منهم، إلى أن جاء الدور على سيدي، فعمل عزيمةً في بستان خارج البلد.
فذهب هو والتجّار، وأخذوا معهم ما يحتاجونه من أكلٍ وغيره، وجلسوا يأكلون ويشربون ويتسامرون إلى وقت الظهر.

فاحتاج سيدي إلى مصلحة من البيت، فقال لي:
“يا عبد، اركب البغلة، واذهب إلى المنزل، وهات من سيدتك الحاجة الفلانية وارجع سريعًا.”

فامتثلتُ أمره وذهبتُ إلى المنزل.
فلما قربت منه، صرختُ وأرخيتُ الدموع، فاجتمع أهل الحارة كبارًا وصغارًا، وسمعت صوتي زوجة سيدي وبناته، ففتحوا لي الباب وسألوني عن الخبر.
فقلتُ لهم:
“إن سيدي كان جالسًا تحت حائط قديم هو وأصحابه، فوقع عليهم، فلما رأيتُ ما جرى لهم، ركبتُ البغلة وجئتُ مسرعًا لأخبركم.”

فلما سمع أولاده وزوجته ذلك الكلام، صرخوا وشقّوا ثيابهم، ولطموا على وجوههم.
فأتت إليهم الجيران، وأما زوجة سيدي، فإنها قلّبت متاع البيت بعضه على بعض، وخلعت رفوفه، وكسّرت طباقه وشبابيكه، وسخّمت حيطانه بالطين والنيلة، وقالت:
“ويلك يا كافور، تعال ساعدني! واخرب هذه الدواليب، وكسّر هذه الأواني والصيني!”

فجئتُ إليها وأخربتُ معها رفوف البيت، وأتلفتُ ما عليها، ودواليبه وما فيها، ودرْتُ على السقوف وكل محلّ، حتى أخرجتُ الجميع، وأنا أصيح:
“وا سيداه!”

ثم خرجت سيدتي مكشوفة الوجه، بغطاء رأسها لا غير، وخرج معها البنات والأولاد، وقالوا:
“يا كافور، امشِ قدّامنا، وأرِنا مكان سيدك الذي مات تحت الحائط، حتى نُخرجه من تحت الردم، ونحمله في تابوت ونجيء به إلى البيت، فنُقيم له جنازةً تليق به.”

فمضيتُ قدّامهم، وأنا أصيح: “وا سيداه!” وهم خلفي مكشوفو الوجوه والرؤوس، يصيحون:
“وا مصيبتاه! وا نكبتاه!”

فلم يبق أحدٌ من الرجال ولا من النساء، ولا من الصبيان ولا من الصبايا، ولا من العجائز، إلا جاء معنا، وصاروا كلهم يلطمون وهم في شدّة البكاء.

فمشيتُ بهم في المدينة، فسأل الناس عن الخبر، فأخبروهم بما سمعوا مني، فقال الناس:
“لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إننا نَمضي إلى الوالي ونُخبره.”

فلما وصلوا إلى الوالي، أخبروه وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

 

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى