قصص

خبر موت الملك عمر النعمان ومبايعة ولده.. الليلة ٧٦

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوقّاد لَمّا أراد أن يَشُدَّ حماره ويهرب، صار يكلّم نفسه ويقول: يا تُرى كيف حاله؟

فما تمّ كلامه إلا والخادم واقف على رأسه، والغلمان حوله. فالتفت الوقّاد فرأى الخادم واقفًا على رأسه، فارتعدت فرائصه وخاف، وقال وقد رفع صوته بالكلام:
إنه ما عرف مقدار ما عملته معه من المعروف، فأظنّ أنه غمز الخادم وهؤلاء الغلمان عليّ، وأنه أشركني معه في الذنب.

وإذا بالخادم صاح عليه وقال له:
من الذي كان ينشد الأشعار يا كذّاب؟ كيف تقول لي: أنا ما أنشدت الأشعار ولا أعرف من أنشدها وهو رفيقك؟ فأنا لا أفارقك من هنا إلى بغداد، والذي يجري على رفيقك يجري عليك.

فلما سمع الوقّاد كلامه قال في نفسه:
ما خفتُ منه وقعتُ فيه
ثم أنشد هذا البيت:

كانَ الذي خِفْتُ أن يكونَ إنّا
إلى اللهِ راجعون

ثم إن الخادم صاح على الغلمان وقال لهم:
أنزلوه عن الحمار.
فأنزلوا الوقاد عن حماره، وأتوا له بحصان فركبه، ومشى صحبة الركب والغلمان حوله محدّقون به.
وقال لهم الخادم:
إن عدم منه شعرة كانت بواحد منكم، ولكن أكرموه ولا تهينوه.

فلما رأى الوقّاد الغلمان حوله يئس من الحياة، والتفت إلى الخادم وقال له:
يا مقدم، أنا ما لي إخوة ولا قرائب، وهذا الشاب لا يقرب لي ولا أنا أقرب له، وإنما أنا رجل وقّاد في حمّام، ووجدته ملقى على المزبلة مريضًا.

وصار الوقّاد يبكي، ويحسب في نفسه ألف حساب، والخادم ماشٍ بجانبه ولم يعرّفه بشيء، بل يقول له:
قد أقلقت سيدتنا بإنشادك الشعر أنت وهذا الصبي، ولا تخف على نفسك.
وصار الخادم يضحك عليه سرًّا.
وإذا نزلوا أتاهم الطعام فيأكل هو والوقّاد في آنية واحدة. فإذا أكلا أمر الخادم الغلمان أن يأتوا بقُلّة سُكَّر، فيشرب منها ويعطيها للوقّاد فيشرب.

ولكنه لم تنشف له دمعة من الخوف على نفسه، والحزن على فراق ضوء المكان، وعلى ما وقع لهما في غربتهما وهما سائران.
وكان الحاجب تارةً يكون على باب المحفّة لأجل خدمة ضوء المكان ابن الملك عمر النعمان ونزهة الزمان، وتارةً يلاحظ الوقّاد.

وصارت نزهة الزمان وأخوها ضوء المكان في حديث وشكوى، ولم يزالوا على تلك الحالة وهم سائرون حتى قربوا من البلاد، ولم يبقَ بينهم وبين البلاد إلا ثلاثة أيام.
فنزلوا وقت المساء واستراحوا، ولم يزالوا نازلين إلى أن لاح الفجر، فاستيقظوا وأرادوا أن يحملوا. وإذا بغبار عظيم قد لاح لهم، وأظلم الجو منه حتى صار كالليل الداجي.

فصاح الحاجب قائلًا:
أمهلوا ولا تحملوا.
وركب هو ومماليكه، وساروا نحو ذلك الغبار. فلما قربوا منه بان أن تحته عسكر جرّار كالبحر الزخّار، وفيه رايات وأعلام وطبول وفرسان وأبطال.
فتعجب الحاجب من أمرهم.

فلما رآهم العسكر افترقت منه فرقة قدر خمسمائة فارس، وأتوا إلى الحاجب ومن معه، وأحاطوا بهم. وأحاطت كل خمسة من العسكر بمملوك من مماليك الحاجب.

فقال لهم الحاجب:
أي شيء الخبر؟ ومن أين هذه العساكر حتى تفعل معنا هذه الأفعال؟
فقالوا له:
من أنت؟ ومن أين أتيت؟ وإلى أين تتوجه؟
فقال لهم:
أنا حاجب أمير دمشق الملك شركان ابن الملك عمر النعمان، صاحب بغداد وأرض خراسان، أتيت من عنده بالخ…

 

فلما سمع الحاجب ذلك الكلام بكى بكاءً شديدًا، وقال: يا خيبتنا في هذه السفرة!
وصار يبكي هو ومن معه إلى أن اختلطوا بالعسكر، فاستأذنوا له الوزير دندان، فأذن له، وأمر الوزير بنصب خيامه، وجلس على سريرٍ في وسط الخيمة، وأمر الحاجب بالجلوس.
فلما جلس سأله عن خبرِه، فأعلمه أنه حاجب أمير دمشق، وقد جاء بالهدايا وخراج دمشق.

فلما سمع الوزير دندان ذلك بكى عند ذكر الملك عمر النعمان، ثم قال له الوزير دندان:
إن الملك عمر النعمان قد مات مسمومًا، وبسبب موته اختلف الناس فيمَن يوليهم بعده، حتى أوْقَعوا القتل في بعضهم، ولكن منعهم عن بعضهم الآخر الأكابر والأشراف والقضاة الأربعة.
واتفق جميع الناس على أن ما أشار به القضاة الأربعة لا يخالفهم فيه أحد، فوقَع الاتفاق على أننا نسير إلى دمشق، ونقصد ولده الملك شركان، ونأتي به ونُسَلطنه على مملكة أبيه.

وفيهم جماعة يريدون ولده الثاني، وقالوا: إنه يُسمّى ضوء المكان، وله أخت تُسمّى نزهة الزمان، وكانا قد توجها إلى أرض الحجاز، ومضى لهما خمس سنين، فلما كانت الليلة السادسة والسبعون ولم يقع لهم أحد على خبر.

فلما سمع الحاجب ذلك علم أن القضية التي وقعت لزوجته صحيحة، فاغتمَّ لموت السلطان غمًّا عظيمًا، ولكنه فرح فرحًا شديدًا، وخصوصًا بمجيء ضوء المكان؛ لأنه يصير سلطانًا ببغداد في مكان أبيه.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى