خطوات أولى نحو فهم الرياضيات: رحلة تربوية لتأسيس التفكير المنطقي عند المتعلمين

المقدّمة: من يحتاج إلى “خطوات أولى في تعليم الرياضيات”؟
في عالم التعليم، كثيرًا ما يُهمل البناء المنطقي في المراحل المبكّرة لصالح تعليم القواعد الصماء. لكن كتاب “خطوات أولى في تعليم الرياضيات” الصادر عام 2023 للمؤلّفتين هنا علي و ليلى الحريري يأتي ليعبّر عن رؤية تربوية مختلفة: رؤية تهدف إلى تأسيس التفكير الرياضي (وليس الحفظ فقط)، وتحفيز الفهم من الدرجة الأولى، خصوصًا لطلاب البكالوريا الفنية والرياضيات في المراحل الأولى.
الكتاب ليس موجَّهًا فقط إلى الطلاب، بل إلى المعلمين أيضًا؛ فهو يقدم أدوات وأفكارًا تساعد المعلم على بناء دروس الديناميّات الرياضية بأسلوب صحيح ومتدرّج.
في هذا المقال، سأُصحبك في رحلة داخل الكتاب: من أهدافه ومحتواه إلى نقاط قوّته، وانتقاداته المحتملة، وأهمية إدخاله في مناهج التعليم، وصولًا إلى توصيات عملية للاستفادة القصوى منه في الواقع التربوي العربي.
مقاصد الكتاب وأهدافه التربوية
لكل كتاب تربوي رسالة، وهذه بعض المقاصد التي يبدو أن المؤلفتين وضعتهن نصب أعينهما:
- بناء التفكير الرياضي
يريد الكتاب أن يُنشئ التفكير المنطقي الرياضي عند الطالب منذ البداية، لا أن يعتمد على الحفظ فقط. يُركِّز على فهم المفاهيم الأساسية كالعد، العمليات الأساسية، المفاهيم الأولى في الجبر والهندسة. - ربط الرياضيات بالحياة
المؤلّفتان تسعيان لربط الموضوعات الرياضية اليومية بالحياة الواقعية، لكي يرى الطالب أن الرياضيات ليست مجرد رموز بل أدوات لفهم العالم من حوله. - توفير أدوات المعلم
لا يقدّم الكتاب المفاهيم فحسب، بل يقترح أنشطة، تدريبات، بطاقات عمل، وأساليب تدريسية تساعد المعلم على توظيف المفاهيم في الفصل أو المنزل. - التدرج في الصعوبة
يبدأ الكتاب بالأساسيات، ثم يصعد تدريجيًا إلى المفاهيم الأكثر تعقيدًا، مع مواقف تدريبية تُنمّي مهارة الطالب في الانتقال بين المراحل. - التيسير والتبسيط
يهدف إلى أن يكون المحتوى مقبولًا لطلاب ذوي قدرات متباينة، بحيث لا يُشعر الطالب بالهدم أو الإحباط عند التعاطي مع المفاهيم الأولى.
هذه الأهداف تُشكّل إطارًا يُمكِّن المعلمين والطلاب من استخدام الكتاب بشكل منطقي ومدروس، وليس مجرد مرجع يُقرأ فقط.
محتوى الكتاب: العرض والتحليل حسب الفصول
بالاعتماد على ما يُتوفر من مقتطفات وصفحات الكتاب في مواقع المكتبات، يمكن تقسيم المحتوى إلى فصول محورية وتحليلها:
الفصل / الوحدة | الموضوعات الأساسية | السمات المميزة والتحليل |
---|---|---|
المقدّمة | تمهيد لأهمية تدريس الرياضيات بطريقة تراكمية | تقدّم المؤلفتان رؤية تمهيدية تربوية تربط بين مفاهيم الرياضيات والتعلم |
المفاهيم الأساسية | العدّ، العمليات الأربع (جمع، طرح، ضرب، قسمة) | تعرض بأسلوب مبسّط مع تدريبات تفاعليّة |
الجبر الأولي | اتخاذ المتغيرات، تعابير أولية، قوانين | تبدأ من البسط والعمليات الجبرية الأساسية |
الهندسة البسيطة | الأشكال الهندسية، المساحة، المحيط | تتيح للطالب الانتقال من المفاهيم الهندسية البديهية إلى الحسابات |
التطبيقات الحياتية | مسائل عملية، ربط المفاهيم بالحياة اليومية | فقرات تُعزِّز الموهبة التطبيقية لدى الطالب |
الأنشطة والبطاقات العملية | تمارين مرجعية، بطاقات عمل، نشاطات صفية | أدوات يُمكن للمعلم استخدامها فورًا في الفصل أو كتكليف في البيت |
من الملاحظات أن الكتاب موجه إلى طلاب البكالوريا الفنية في تخصص التربية الحضارية، كما ورد في وصف أحد المواقع.
كما أشارت مصادر توقيع الكتاب، في الفصول الأخيرة توجد بطاقات عملية خاصة بتحضير الأنشطة للفئات العمرية من 3 إلى 5 سنوات — مما يدل على توسّع في استخدام الكتاب في المراحل المبكّرة أيضًا.
أيضًا، الكتاب يبدو أنه يضمّ تدريبات وأسئلة متنوعة بين المفردات التي تعزز الفهم والتطبيق، بدلًا من الاقتصار على الأسئلة التقليدية. هذه الميزة تُعد من نقاط القوة إذا ما استُخدمت بشكل مناسب.
مميزات الكتاب وإيجابياته
من خلال ما يُطلّع عليه القارئ من وصف الكتاب ومحتواها، يمكن استنتاج عدة نقاط قوة:
- شمولية التوجه التربوي
الكتاب لا يقتصر على عرض المفاهيم، بل ينتقل إلى التطبيق العملي، ما يجعله بمثابة دليل متكامل للمعلم. - الملاءمة للفئة المستهدَفة
تركيزه على طلاب البكالوريا الفنية – بالإضافة إلى إمكانية استخدامه في المراحل الأولى – يجعله مناسبًا لمن يحتاج إلى تدريس الرياضيات في السياقات التطبيقية. - سلاسة اللغة والبُنية المنطقية
اللغة في وصف الكتاب تلقى بأنها غير معقّدة، ما يسهّل فهم الطلاب متوسطين المستوى، مع ترتيب منطقي بين الفصول. - إدخال البطاقات العملية والأنشطة
إحدى المزايا التي ذُكرت هي وجود بطاقات وأدوات عملية ترمي إلى تحويل التعلم من التلقي إلى التفاعل والمشاركة. - توقيع واهتمام تربوي عام
توقيع الكتاب بمناسبة تربوية في بيروت يدل على أن هناك اهتمامًا مجتمعيًا ومهنيًا به، وهو مؤشر على أن جهود المؤلفتين لم تكن مجرد مشروع فردي بل خطوة في المجال التربوي. - مرونة الاستخدام
يمكن استخدامه في الفصل، أو كمرجع خارجي للطلاب، أو كدليل للمعلمين الجدد. كما يمكن استقطاب الأجزاء الخاصة بالتطبيق العملي لتنفيذ ورش عمل داخل الفصول.
باختصار، هذه الإيجابيات تجعل من “خطوات أولى في تعليم الرياضيات” كتابًا ذا قيمة عند استخدامه بالشكل الصحيح.
النقاط التي يُمكن نقدها أو تحسينها
لا خلو عمل تربوي من نقاط يمكن تحسينها أو انتقادها بمساحة من الموضوعية. إليك بعض الملاحظات:
- محدودية المعلومات المتاحة
بما أن الكتاب غير متاح كاملًا للعرض على مواقع المكتبات، فإن التحليل يعتمد على مقتطفات ووصف خارجي، مما قد يُخفي أجزاء هامة مثل الدقة في الشرح أو وضوح الأمثلة. - عمق التمارين ومدى تنوّعها
لا يُعرف إلى أي مدى التمارين شاملة للطلاب ذوي القدرات المختلفة، أو ما إذا كانت هناك مستويات متعددة للتدرج داخل كل وحدة. إذا كانت التمارين كلها في نفس المستوى، فقد يواجه الطلاب الضعفاء صعوبة. - ربط محدود بالمنهج المدرسي الحكومي
قد لا تتطابق بعض المفاهيم أو ترتيبها في الكتاب مع المنهج المدرسي المعمول به في بعض الدول العربية، مما قد يضطر المعلم إلى التعديل أو التكييف. - قلّة الأمثلة التطبيقية في بعض الوحدات
على الرغم من وجود قسم للتطبيقات الحياتية، فقد لا يغطي كل فصل أمثلة كافية قريبة من حياة الطالب اليومية في بيئته، مما قد يضعف الربط العملي والاهتمام. - غياب التمارين التقويمية القياسية أو الاختبارات النموذجية
إذا لم يتضمن الكتاب نماذج اختبارات أو تقويمات منظمة، فإن المعلم قد يحتاج إلى استكمال ذلك من مصادر أخرى. - تحدّي التوزيع الجغرافي والتسويق
إذا لم يُوزَّع الكتاب بشكل واسع في جميع الدول العربية، قد لا يصل إلى المعلم أو الطالب المحتاج، ما يحدّ من أثره العملي.
تلك بعض النقاط التي يُمكن أخذها بعين الاعتبار عند الترويج للكتاب أو استخدامه في السياق التربوي الحقيقي.
أهمية الكتاب في السياق التربوي العربي المعاصر
لماذا قد يكون هذا الكتاب مهمًا في البيئة التعليمية العربية الآن؟ إليك بعض الأسباب:
1. الحاجة إلى بناء المفاهيم لا الحفظ
في كثير من نظم التعليم التقليدية، يُركّز على الحفظ والقواعد. هذا الكتاب يُعد ردًّا تربويًا على هذا النهج، ويدعو إلى بناء المفاهيم منذ البداية.
2. دعم المعلمين الجدد
مع وجود نقص في التأهيل التربوي لبعض المعلمين المبتدئين، يوفر الكتاب مرشدًا عمليًا يساعدهم في تنظيم الدرس واختيار الأنشطة الملائمة.
3. ملء الفجوة بين النظرية والتطبيق
الغياب عن الربط العملي بين الرياضيات والحياة اليومية يضعف فهم الطالب. الكتاب يحاول سد هذه الفجوة من خلال أنشطة وتطبيقات واقعية.
4. قابلية التكييف مع البيئات المتنوعة
بفضل بساطته وتدرّجه، يمكن تكييفه لبيئات تعليمية متفاوتة، سواء في المدن أو الريف، سواء لطلاب متمكّنين أو ضعاف.
5. تعزيز التفكير النقدي والتدريبي
من خلال التمارين العملية والبطاقات، يُحفّز الكتاب الطلاب على التفكير النقدي وليس مجرد التلقين.
باختصار، الكتاب يُمثل إسهامًا تربويًا مهمًا في مسيرة تطوير تعليم الرياضيات في العالم العربي، إذا ما تم توظيفه بوعي وبدعم مؤسسي.
توصيات للاستفادة المثلى من الكتاب
لكي يحقق الكتاب أقصى أثر ممكن في الواقع المدرسي، إليك بعض التوصيات العملية للمعلمين والمهتمين:
- بدء تدريجّي
لا تُدرج كل الفصول فورًا، بل تبدأ بمفتاح المفاهيم الأساسية، وتنتقل تدريجيًا إلى الفصول المتقدمة بعد التأكّد من أن الطلاب استوعبوا الأساس. - تنويع الأساليب داخل الفصل
استخدم الأنشطة والبطاقات الموجودة في الكتاب، وادمجها مع أنشطة إضافية تفاعلية، مثل المجموعات الصغيرة أو الألعاب التعليمية. - التكييف مع المنهج المحلي
قبل استخدام أي وحدة، قارنها مع المنهج المعتمد في بلدك، وجرّب ترتيبًا أو تعديلًا بسيطًا لضمان التكامل. - الإثراء بالمراجع الخارجية
أضف مسائل من مصادر أخرى (كتب رياضيات أو مواقع إلكترونية) تزيد التمرين والتحدي للطلاب المتمكّنين. - التقييم الدوري والمتدرّج
استخدم اختبارات قصيرة (كواجبات أو اختبارات سريعة) لمعرفة مدى استيعاب الطلاب، ولا تنتظر نهاية الوحدة فقط. - التشاور بين المعلمين
اجتمع مع زملائك المعلمين لتبادل تجارب استخدام فصول الكتاب والتحديات التي واجهتموها، وطرق معالجتها. - مشاركة أولياء الأمور
شجّع أولياء الأمور على دعم أبنائهم في فهم المفاهيم الرياضية اليومية في المنزل (الشراء، القياس، الحصص اليومية). - تقديم ورشات تدريبية
إدارة المدارس أو المراكز التربوية يمكن أن تنظّم ورشًا لمعلمي الرياضيات لتعريفهم بأسلوب الكتاب وكيفية استخدامه بفعالية. - تقييم ومراجعة مستمرة
شجّع المعلمين على كتابة ملاحظاتهم عن الفصول التي يواجهون صعوبات فيها، وإرسالها إلى المؤلفتين أو الناشر لتعديل الطبعات القادمة أو إصدار ملاحق.
باتباع هذه التوصيات يمكن أن يصل الكتاب من كونه مرجعًا نظريًا إلى أداة فعّالة للتعليم الحقيقي في الفصول الدراسية.
الخاتمة: بين الفكرة والتطبيق
كتاب “خطوات أولى في تعليم الرياضيات” للمؤلفتين هنا علي و ليلى الحريري، هو مشروع تربوي طموح يسعى إلى تأسيس عقلية رياضية من الدرجة الأولى، من خلال البساطة في العرض، وربط المفاهيم بالحياة، وتقديم أدوات عملية للمعلمين.
على الرغم من بعض النقاط التي قد تُنتقد أو تحتاج إلى استكمال في الطبعات المقبلة، إلا أن هذا الكتاب يمتلك أساسًا قويًا ليكون مرجعًا فعّالًا في مسارات تعليم الرياضيات في المدارس العربية، إذا ما استُخدم بذكاء وتكامل مع الممارسات التربوية السليمة.
لمعرفة المزيد: خطوات أولى نحو فهم الرياضيات: رحلة تربوية لتأسيس التفكير المنطقي عند المتعلمين