رشيد اليزمي: عبقري المغرب الذي غيّر مستقبل الطاقة ببطاريات الليثيوم

المقدمة: جذب الانتباه
في عالم يتسارع بخطى التكنولوجيا، يظل الابتكار العلمي حجر الأساس للتطور البشري. ومن بين الأسماء التي رسخت حضورها على الساحة العالمية في مجال الطاقة وتكنولوجيا البطاريات، يبرز اسم رشيد اليزمي، العالم المغربي الذي أحدث ثورة حقيقية في مجال شحن بطاريات الليثيوم، واضعًا بصمته في الهواتف الذكية، والسيارات الكهربائية، والأجهزة المحمولة التي نعتمد عليها يوميًا. قصته ليست مجرد سرد لمسيرة علمية، بل هي حكاية إصرار وعزيمة بدأت من أزقة فاس العتيقة ووصلت إلى أرقى المراكز البحثية في العالم.
النشأة والتكوين
وُلد رشيد اليزمي يوم 20 أبريل 1953 في مدينة فاس، المغرب، في بيئة تقليدية غنية بالثقافة والتاريخ. ترعرع وسط أجواء أسرية تقدّر التعليم وتدفع نحو الاجتهاد. كانت طفولته مليئة بالفضول العلمي وحب الاكتشاف، إذ اعتاد تفكيك الأجهزة البسيطة التي كانت في منزله لإعادة تركيبها، وهو ما أثار دهشة من حوله، وأظهر مبكرًا ملامح شغفه بالعلوم والهندسة.
في المدرسة الابتدائية، برزت موهبته في الرياضيات والفيزياء، حيث كان المعلمون يصفونه بـ”الطالب النابغ” الذي لا يكتفي بفهم الدروس بل يسعى للتعمق فيها. كان هذا الفضول هو الشرارة الأولى التي أطلقت رحلته نحو عالم البحث والابتكار.
التعليم وبداية التكوين المهني
بعد حصوله على شهادة البكالوريا، شدّ رشيد الرحال إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا في مجال الهندسة الكهربائية والكيمياء. التحق بـ مدرسة المهندسين للكهرباء التطبيقية في باريس (École Nationale Supérieure d’Électricité et de Mécanique)، ثم تابع دراساته البحثية في الكيمياء الكهربائية. هناك، اكتشف شغفه العميق بمجال البطاريات وتقنيات تخزين الطاقة.
خلال سنوات الدراسة، لم يكن مجرد طالب عادي؛ بل كان يقضي ساعات طويلة في المختبر، يجري تجارب معقدة ويقرأ أحدث الأبحاث العلمية. كما استفاد من البيئة الأكاديمية الغنية في باريس، حيث التقى بأساتذة وباحثين ألهموه ووجهوا طاقاته نحو مسار علمي طموح.
الانطلاقة المهنية والتحديات الأولى
بدأت المسيرة المهنية لليزمي في سبعينيات القرن الماضي، حين انضم إلى المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا (CNRS) كطالب باحث. وفي تلك الفترة، كان مجال بطاريات الليثيوم في بداياته، وكان التحدي الأكبر هو تطوير تقنية آمنة وفعالة لتخزين الطاقة.
لم تكن الطريق ممهدة؛ فالتجارب المبكرة كانت تواجه مشاكل تقنية خطيرة، مثل عدم الاستقرار الكيميائي للبطاريات وانفجارها في بعض الأحيان. لكن اليزمي، بعزيمته المعهودة، واصل العمل لسنوات طويلة، متنقلاً بين الفرضيات والتجارب حتى توصّل إلى ابتكاره التاريخي: إدماج الجرافيت في أقطاب بطاريات الليثيوم القابلة للشحن، ما جعلها أكثر أمانًا وكفاءة وأطول عمرًا.
جدول زمني مبسط لبداياته:
السنة | الحدث |
---|---|
1978 | بداية العمل في أبحاث بطاريات الليثيوم. |
1980 | انضمام رسمي كمحاضر وباحث في CNRS. |
1982 | تطوير تقنية الجرافيت في أقطاب البطاريات. |
الإنجازات الرئيسية والأثر العالمي
يُعد ابتكار رشيد اليزمي في مجال أقطاب بطاريات الليثيوم أحد أهم التطورات في تكنولوجيا الطاقة الحديثة. فقبل ابتكاره، كانت البطاريات القابلة للشحن محدودة القدرة وعمرها قصير، ما أعاق التطور السريع للأجهزة المحمولة. لكن بعد اختراعه، تغير المشهد تمامًا:
- أصبح بالإمكان إنتاج هواتف محمولة تدوم بطارياتها لساعات طويلة.
- تطورت السيارات الكهربائية بفضل القدرة على تخزين كميات أكبر من الطاقة.
- استفادت الأجهزة الطبية المحمولة من بطاريات صغيرة وخفيفة وفعالة.
يقول اليزمي في أحد لقاءاته:
“العلم ليس مجرد أرقام ومعادلات، بل هو وسيلة لتحسين حياة الناس في كل مكان.”
التكريمات والجوائز الكبرى
حصل رشيد اليزمي على العديد من الجوائز العالمية تقديرًا لإنجازاته، أبرزها:
- جائزة الملك فيصل للعلوم (2018): لجهوده في تطوير تكنولوجيا بطاريات الليثيوم.
- جائزة تشارلز ستارك دريبر للهندسة (2014): وهي إحدى أرفع الجوائز في مجال الهندسة، تُعرف بأنها تعادل جائزة نوبل للمهندسين.
- وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي: تقديرًا لمساهماته العلمية.
التحديات والمواقف الإنسانية
لم تكن مسيرته خالية من الصعاب؛ فقد واجه تحديات في التمويل والاعتراف بأعماله في بداياته. ورغم أنه عاش في فرنسا سنوات طويلة، لم ينس وطنه الأم، وظل يشارك في مبادرات تعليمية وعلمية في المغرب. كما دعا مرارًا إلى تشجيع الشباب العربي على دخول مجالات البحث العلمي، مؤكدًا أن “الابتكار لا يعرف حدودًا جغرافية”.
الإرث والتأثير المستمر
إسهامات رشيد اليزمي لا تزال حاضرة في كل جهاز نحمله وفي كل سيارة كهربائية تسير في شوارعنا. التقنية التي ابتكرها أصبحت أساسًا لصناعة بمليارات الدولارات، وتفتح آفاقًا أوسع لمستقبل يعتمد أكثر على الطاقة النظيفة.
كما أسس وشارك في شركات ناشئة تعمل على تطوير تقنيات الشحن فائق السرعة، مما قد يقلل زمن شحن السيارات الكهربائية إلى دقائق معدودة.
الجانب الإنساني والشخصي
إلى جانب إنجازاته العلمية، يُعرف اليزمي بتواضعه وحرصه على دعم الجيل الجديد من الباحثين. شارك في برامج تعليمية، وألقى محاضرات في الجامعات المغربية والعربية، محاولًا تحفيز الشباب على الإيمان بقدراتهم. فلسفته في الحياة يمكن تلخيصها في قوله:
“لا تدع ظروفك تحدد مستقبلك، بل اجعل طموحك هو البوصلة.”
الخاتمة: الدروس المستفادة والإلهام
إن سيرة رشيد اليزمي تلهمنا جميعًا بأن الإصرار والشغف بالعلم قادران على إحداث ثورات حقيقية في حياة البشر. من شوارع فاس إلى مختبرات باريس، ومن فكرة صغيرة إلى ابتكار غيّر وجه التكنولوجيا، يظل اليزمي مثالًا حيًا على أن العقول العربية قادرة على المنافسة عالميًا وصنع المستقبل.