رعب العزلة وتوهج الجنون: رواية The Shining لستيفن كينغ

في عالم الأدب المرعب، لا يُمكن أن تذكر الرعب النفسي دون أن يتبادر إلى الذهن اسم “ستيفن كينغ”، سيد الرعب الأدبي الحديث، الذي حفر اسمه في ذاكرة القراء من خلال أعماله التي تمزج بين الواقع والكوابيس. ومن بين كل رواياته، تظل The Shining — البريق — واحدة من أكثر أعماله شهرة وتأثيرًا، حيث تتداخل النفس البشرية المضطربة مع قوى خارقة في عزلة ثلجية قاتلة.
في قلب القصة: بين الجدران المسكونة والعقول المتصدعة
تبدأ الرواية في لحظة مصيرية من حياة جاك تورانس، رجل يحاول التشبث بخيط الأمل الأخير في حياته التي تقف على حافة الانهيار. كان جاك كاتبًا طموحًا، ومدرسًا، لكنه خسر عمله بسبب سلوكه العدواني وإدمانه للكحول. الآن، أمامه فرصة جديدة: وظيفة كـ”حارس شتوي” لفندق منعزل في جبال كولورادو، يُدعى أوفرلوك.
العزلة الأولى
في يوم بارد من أكتوبر، يصل جاك مع زوجته ويندي وابنهما الصغير داني إلى فندق أوفرلوك. الفندق الضخم والقديم يبدو في البداية كمنفى شاعري. هناك، في قلب الجبال الثلجية، لا وجود للبشر ولا للإزعاج، فقط الهدوء… والصمت… والبرد.
ولكن هذا الصمت لم يكن عاديًا. خلف جدران الفندق، ترقد أسرار مرعبة. كل غرفة تحكي قصة. كل ممر يُفضي إلى ظلالٍ من ماضٍ دمويّ.
جاك، في البداية، يحاول التركيز على روايته التي لم يُكملها منذ سنوات. ويندي، زوجته المخلصة، تحاول أن تُبقي على الدفء بين أفراد العائلة. لكن داني، الطفل ذو الخمس سنوات، يختلف عنهما: لديه “البريق”.
ما هو البريق؟
“البريق” هو القدرة الذهنية الخارقة التي يتمتع بها داني، والتي تجعله يرى أشياء لا يراها الآخرون، ويشعر بما يخفيه المستقبل، ويسمع صدى الأرواح العالقة. إنه يرى الفندق على حقيقته، يرى الدماء، الأشباح، الظلال التي تتحرك خلف الأبواب المغلقة.
حينما يلتقي داني بطباخ الفندق، هولوران، يتعرف على طبيعة هذا “البريق”، ويُحذّره هولوران من فندق أوفرلوك، قائلًا له:
هناك أماكن تتذكّر، يا داني… وهذا الفندق يتذكّر كثيرًا.
بزوغ الجنون
في بداية الشتاء، تنقطع العائلة تمامًا عن العالم الخارجي بفعل العواصف الثلجية، وتنقطع الاتصالات والطُرق، ويغدو الفندق جزيرة معزولة. وفي هذه العزلة، يبدأ جاك في التغير.
في كل يوم يمر، يبدأ الفندق بالتسلل إلى أعماقه. يشعر بالضيق، بالعجز، بالغضب. يسمع أصواتًا، يرى خيالات. تعود إليه رغبة الشراب. ثم، تظهر “الحانة”… في البداية وهم، ثم واقع، ثم عودة للشر.
في أحد الأيام، يجد داني نفسه يتسلل إلى الغرفة 217، الغرفة الملعونة، ليجد هناك امرأة ميّتة… لكنها تتحرك، وتزحف نحوه ببطء.
ويندي تلاحظ أن داني تغيّر، وجاك أصبح أكثر عنفًا. يحاول جاك أن يُثبت لها أن كل شيء على ما يرام، لكن في داخله، كان شخصٌ آخر يستيقظ.
الذروة: المطارق والدماء
الجنون يصل ذروته في إحدى الليالي حين يتحول جاك من زوج وأب إلى كائن تحرّكه أصوات الفندق. يُسيطر الفندق عليه تمامًا، ويمنحه إغراءات القوة والخلود.
يحمل فأسًا. يبحث عن عائلته. في عينيه وهج لا يُشبه البشر. يسمع صوتًا داخليًا يقول: “اقتلهم وستكون معنا إلى الأبد.”
ويندي تهرب، تختبئ مع داني. يحاول داني أن يُناشده: “أبي… توقف!”، لكن جاك لم يكن يسمع إلا أوفرلوك.
وفي لحظة مفصلية، يستخدم داني “بريقه” ليُذكّر والده بمن هو… بذكرياته… بابنه الذي يحبه. يعود جاك للحظة، يتردد، ثم يصرخ ويهرب بعيدًا عنهم. ولكن الفندق يطالبه بثمن.
جاك يُفجّر غلاية التدفئة، التي كانت على وشك الانفجار، ويموت وهو يحاول أن يُنقذ عائلته.
النهاية: الضوء في آخر النفق
ينجو داني وويندي بفضل عودة هولوران، الذي شعر أن داني في خطر، وجاء ينقذه. يهرب الثلاثة معًا من الفندق قبيل لحظة الانفجار، الذي يدمّر أوفرلوك.
ولكن، كما يقول ستيفن كينغ في روايته، “المكان الذي يتذكّر لا يموت تمامًا.”
تحليل شخصيات الرواية
- جاك تورانس: شخصية معقدة، متأرجحة بين الرغبة في الإصلاح والانسياق للظلام. يرسمه كينغ بشكل إنساني حتى في قسوته.
- ويندي تورانس: رمز الأمل والمقاومة رغم الخوف، أم قوية تحاول النجاة بعائلتها.
- داني تورانس: الطفل “المضيء”، يجمع البراءة بالقوة. هو المركز الروحي للرواية.
- هولوران: شخصية داعمة، يمثل البصيرة والخير، ويعيد التوازن.
الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية
1. فيلم The Shining (1980)
- الإخراج: ستانلي كوبريك
- بطولة: جاك نيكلسون (جاك)، شيلي دوفال (ويندي)، داني لويد (داني)
- التقييمات:
- IMDb: 8.4/10
- Rotten Tomatoes: 84% (النقاد) – 93% (الجمهور)
- الاقتباس: الفيلم تغيّر كثيرًا عن الرواية، خاصة في تصوير شخصية ويندي وطبيعة النهاية. ستيفن كينغ أعرب علنًا عن عدم رضاه عن الفيلم.
2. فيلم Doctor Sleep (2019)
- إخراج: مايك فلاناغان
- بطولة: إيوان مكريغور (داني البالغ)، ريبيكا فيرغسون
- اقتباس عن رواية لاحقة كتبها كينغ كتكملة لـ The Shining
- التقييمات:
- IMDb: 7.3/10
- Rotten Tomatoes: 78%
3. مسلسل تلفزيوني The Shining (1997)
- إخراج: ميك غاريس
- بطولة: ستيفن ويبر، ريبيكا دي مورني
- ملاحظات: هذه النسخة كُتبت تحت إشراف ستيفن كينغ، وجاءت أقرب للنص الأصلي.
استقبال الجمهور والنقّاد
رغم أن رواية The Shining حققت نجاحًا باهرًا، إلا أن الفيلم الأصلي لعام 1980 أثار جدلًا. كثير من النقاد اعتبروه تحفة سينمائية، بينما رأى البعض أنه ابتعد عن جوهر الرواية. أما الجمهور، فظل منقسمًا لعقود بين عشاق النص الأصلي ومُحبي كوبريك.
بمرور الزمن، ساهم الفيلم في رفع شهرة الرواية، وجعل منها رمزًا للرعب الثقافي. أصبحت بعض لقطاته مثل “Here’s Johnny!” محفورة في ذاكرة الثقافة الشعبية، حتى أن فندق “ستانلي” الذي استُلهم منه أوفرلوك، أصبح وجهة لمحبي الرعب.
الرواية ألهمت عشرات الأعمال الأخرى، من ألعاب الفيديو إلى الأغاني، وبقيت حتى اليوم نموذجًا للرعب الأدبي الخالص، حيث تتحوّل العزلة إلى مرآة مرعبة للجنون الكامن في النفس البشرية.
The Shining ليست مجرد قصة شبح، بل رحلة داخل أعماق النفس، حيث تتصارع الرغبة في الإصلاح مع وحش الماضي. رواية تثبت أن الرعب الحقيقي لا يكمن في الأشباح، بل في أنفسنا حين تُفتح أبوابها المغلقة.