قصص

رواية The Giver – لويس لوري: عندما تصبح الذاكرة تمردًا

نبذة تعريفية عن الرواية

رواية The Giver (المُعطي) هي واحدة من أبرز وأعمق الروايات الأدبية التي قدمتها الكاتبة الأمريكية لويس لوري (Lois Lowry). نُشرت لأول مرة في عام 1993 باللغة الإنجليزية، وتُصنف ضمن أدب الخيال العلمي، الأدب اليوتوبي (المدينة الفاضلة/الديستوبيا)، والأدب الموجه للفئة العمرية اليافعة.

الرواية حازت على ميدالية نيوبري (Newbery Medal) عام 1994، وهي واحدة من أرفع الجوائز الأدبية الأمريكية لأدب الأطفال والناشئة. وقد تُرجمت إلى أكثر من 30 لغة، وبيعت منها ملايين النسخ حول العالم. تُعد الرواية الأولى في سلسلة رباعية تضم “Gathering Blue”، “Messenger”، و”Son”، وقد أثارت الكثير من الجدل في بعض المدارس الأمريكية بسبب موضوعاتها العميقة حول الحرية، الألم، والاختيار.

الحكاية كما روتها الذاكرة: من العادي إلى الثورة الصامتة

في عالم رمادي، مثالي على السطح، يبدأ كل شيء بجملة بسيطة:

“كان ديسمبر، وكان على يونس أن يشعر بالخوف.”

هكذا تُطل علينا قصة يوناس، فتى في الثانية عشرة من عمره، يعيش في مجتمع لا يعرف الألم ولا الكذب ولا الحرب… لكنه أيضًا لا يعرف الحب، ولا الاختيار، ولا حتى الألوان.

كان كل شيء محسوبًا: الأسرة تُعطى، لا تُختار. الوظائف تُحدد، لا تُقرر. وحتى الكلمات، تُراقب وتُصحح. عالم بلا فوضى… وبلا حرية.

 يونس: الفتى الذي رأى

يوناس كان فتىً مختلفًا. لم يكن يعرف ذلك، لكنه كان يشعر بأن هناك شيئًا ناقصًا. كانت لديه أحاسيس خفية عندما يرى تفاحة تتغير للحظة، أو يشعر بشيء لا يستطيع تسميته حين يتأمل أصدقاءه.

وعندما جاء “احتفال الاثني عشر”، وهو الحدث السنوي الذي يُعطى فيه كل طفل مهنته المستقبلية، حدث ما لم يكن في الحسبان.

بدلًا من أن يُمنح وظيفة عادية، تم “تخطيه”. توتر يسود القاعة، نظرات تتجه نحوه. ثم جاء الإعلان الصادم:

“لقد تم اختياره ليكون: مستلم الذاكرة.”

وظيفة نادرة، غامضة، يُمنحها المجتمع فقط لشخص يمتلك شيئًا خاصًا… شيئًا يُعرف باسم “القدرة على الرؤية خلف الأشياء”.

 المُعطي: حامل الأسرار

عندما التقى يونس بالمُعطي – رجل مسن ذو لحية بيضاء وعيون تخبئ حزناً لا يُفصح عنه – بدأت رحلة التغيير. كان عليه أن يتلقى الذكريات، لا الذكريات العادية، بل الذكريات التي تخلّى عنها المجتمع منذ زمن: الألم، الحرب، الحب، الموسيقى، الثلج، ألوان قوس قزح.

كل جلسة نقل ذاكرة كانت بمثابة ثورة صغيرة داخل روح يونس.

في إحدى الجلسات، تلقّى شعور الحب، وعندما عاد إلى بيته في المساء، سأل والديه:

– “هل تحبونني؟”
– “كن دقيقًا في لغتك، يونس. كلمة ‘حب’ لا معنى دقيق لها.”

هكذا فهم يونس أنه يعيش في عالم خالٍ من الحب، لكنه مليء بالتحكم. عالم استبدل الأحاسيس بالحسابات، والمشاعر بالمعايير.

 الطفل غابرييل: نقطة التحول

في خضم تلك التحولات، أصبح يونس متعلقًا بطفل صغير يُدعى غابرييل، يعيش في بيته كحالة مؤقتة تخضع للمراقبة. كان غابرييل يعاني من صعوبات في النوم والنمو، وقد قررت السلطات “إطلاقه” – وهو تعبير ناعم عن “القتل الرحيم”.

هنا عرف يونس الحقيقة الصادمة: “الإطلاق” لا يعني الرحيل، بل القتل.

بمشهد مؤلم، رأى تسجيلًا للمُعطي السابق وهو يحقن طفلاً رضيعًا بمادة قاتلة ثم يتخلص من جسده وكأنه قطعة قمامة. تزلزل عالم يونس. لم يعد يستطيع أن يصمت.

“كيف يمكن أن أعيش في عالم لا يعرف أنه يقتل ويبتسم؟”

 الصراع: بين الألم والسلام

كان يونس في صراع داخلي بين الامتثال لما تعلّمه طوال حياته، وبين ما اختبره حديثًا من مشاعر حقيقية. كلما تلقّى مزيدًا من الذكريات، كلما تضخمت الفجوة بينه وبين أسرته ومجتمعه.

المُعطي نفسه كان يحمل عبئًا ضخمًا. كان قد نقل ذات مرة ذكرياته لابنته روزماري، لكنها لم تتحمل الألم، فطلبت إطلاقها بنفسها. كانت روزماري هي ابنته… كانت “المستلمة” التي فشلت، وماتت.

قرر يونس أن يكسر الدائرة. 

الذروة: الهروب نحو الحرية

أخذ الطفل غابرييل، وقرر أن يهرب. كان يعلم أن الهروب يعني أن تعود كل الذكريات التي تلقّاها إلى الناس – إلى كل فرد في المجتمع. تلك كانت الطريقة الوحيدة لكسر النظام: نشر الذاكرة.

في رحلة قاسية، عبر الغابات، والثلوج، والبرد، والألم، سار يونس وغابرييل بعيدًا عن المدينة. كان يشعر بضعف جسده لكنه ظل يتشبث بالأمل، بالحب، بالموسيقى التي لم يسمعها من قبل لكنها تدفقت في أعماقه.

“هو لم يعرف إن كان المكان حقيقيًا، لكنّه شعر بالموسيقى، وأحسّ بالحب، وأدرك أنه وصل.”

هكذا تنتهي الرواية… أو ربما تبدأ من جديد.

الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية

في عام 2014، تم إنتاج فيلم سينمائي يحمل نفس اسم الرواية The Giver، من إخراج فيليب نويْس (Phillip Noyce)، وهو مخرج أسترالي معروف بأعماله ذات الطابع السياسي والإنساني.

قام ببطولة الفيلم:

  • برينتون ثويتس (في دور يونس)
  • جيف بريدجز (في دور المُعطي)
  • ميريل ستريب (في دور كبيرة الشيوخ)
  • كايتي هولمز (في دور والدة يونس)
  • تايلور سويفت (في دور روزماري، المستلمة السابقة)

الفيلم حاز على تقييم متوسط على موقع IMDb بـ 6.4/10، وعلى موقع Rotten Tomatoes بنسبة تقييم 35% من النقاد، لكنه نال نسبة قبول أعلى من الجمهور تجاوزت 60%.

تحليل أصداء العمل الفني

لاقى الفيلم استقبالاً مختلطًا من النقّاد، إذ اعتبره البعض “مبسطًا ومخففًا” مقارنة بالعمق الفلسفي للرواية. بينما رأى آخرون أنه قدّم بصريًا عالمًا خاليًا من الألوان بشكل جذّاب، وعكس التحول نحو الإحساس بشكل جيد من خلال الانتقال البصري من الأبيض والأسود إلى الألوان.

أثارت مشاركة ميريل ستريب وجيف بريدجز حماسًا كبيرًا، لكن البعض شعر أن الفيلم تسرّع في بعض الأحداث ولم يمنح المشاهد وقتًا كافيًا لتذوق المعاني الفلسفية الكبرى مثل الحرية، الألم، الاختيار.

ومع ذلك، ساعد الفيلم في إعادة تسليط الضوء على الرواية، خصوصًا بين جمهور اليافعين، وارتفعت مبيعات الكتاب بعد عرضه بنسبة كبيرة في الولايات المتحدة.

ساهم العمل السينمائي في جعل الرواية مادة أكثر نقاشًا في المدارس والجامعات، كما حفّز نقاشات عن الرقابة، الأخلاق، والذاكرة في المجتمع.

كلمة أخيرة: ماذا لو كانت المشاعر جريمة؟

رواية The Giver ليست مجرد حكاية خيالية عن فتى مختلف، بل هي مرآة لما قد يحدث عندما نضحي بالألم من أجل “السلام”، وعندما نُخضع الحرية من أجل “النظام”.

لقد قدّمت لويس لوري عالماً يبدو مثاليًا لكنه من الداخل أجوف، منزوع الإنسانية. ووسط هذا الفراغ، يظهر صوتٌ صغير – صوت يونس – يقول: أنا أتذكّر، إذًا أنا إنسان.

رواية لا تُنسى، ومهما اختلفت وسائل التعبير عنها، تبقى الذاكرة فيها هي البطل الحقيقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى