رواية "The Lovely Bones" – أليس سيبولد: حكاية بين السماء والأرض

نبذة تعريفية عن الرواية
في عام 2002، أطلقت الكاتبة الأمريكية أليس سيبولد (Alice Sebold) روايتها المؤثرة “The Lovely Bones”، لتحدث بها ضجة أدبية وإنسانية في آنٍ واحد. نُشرت الرواية لأول مرة باللغة الإنجليزية، وصُنّفت ضمن أدب الرواية النفسية – الدراما – الفانتازيا الواقعية. وقد حققت نجاحًا عالميًا هائلًا؛ إذ بيعت منها أكثر من 10 ملايين نسخة حول العالم، وتُرجمت إلى أكثر من 35 لغة، كما بقيت ضمن قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعًا لأكثر من سنة كاملة.
حظيت الرواية بإشادة نقدية وشعبية واسعة، حيث اعتُبرت عملًا يدمج الحزن بالجمال، والفقد بالأمل، ويكشف عن مدى هشاشة الحياة البشرية في مواجهة العنف، لكنها لا تغفل عن تجسيد ما تتركه الروح خلفها من نورٍ يتوهّج في ذاكرة من تحبهم.
البداية: سرد من السماء
“اسمي سوزي سالمون، مثل سمكة السلمون، وقد قُتلت في 6 ديسمبر 1973، كنت في الرابعة عشرة من عمري.”
بهذه الجملة الصادمة، تبدأ سوزي حكايتها من مكانٍ بين السماء والأرض. رواية “The Lovely Bones” ليست مجرد قصة جريمة، بل هي رواية عن الحداد، عن الحب، عن الأسرار، وعن كيف تواصل الأرواح رعايتنا حتى بعد أن تغادرنا.
سوزي، فتاة مراهقة تعيش في بلدة صغيرة في ولاية بنسلفانيا، تخرج من المدرسة في أحد الأيام لتُختطف وتُغتصب وتُقتل على يد جارها، الرجل الذي لا يثير الشكوك: جورج هارفي، وهو رجل بالغ، يعيش وحيدًا، ويصنع النماذج المصغّرة للهياكل والمباني.
الرواية تُروى من وجهة نظر سوزي، بعد موتها، من عالمها الخاص في “السماء”، حيث تراقب عائلتها، أصدقاءها، وقاتلها… وتحكي لنا، بروح خفيفة مشوبة بالحنين، كيف تستمر الحياة من بعدها، وكيف يتعامل الناس مع فقدانها.
العائلة التي غابت عنها سوزي
بعد موت سوزي، تنقلب حياة عائلتها رأسًا على عقب. والداها، جاك وآبي سالمون، يعيشان ألمًا داخليًا متضاربًا؛ جاك يغرق في الشكّ، مقتنعًا بأن جارهم الغامض جورج هارفي هو القاتل، بينما آبي تختار النسيان والإنكار كوسيلة للبقاء.
أخوها الصغير باكلي، لم يكن كبيرًا كفاية لفهم معنى الموت، لكنه يشعر بالفراغ والغياب بطرق خاصة، أما أختها الكبرى لينزي، فتتحول من مراهقة خجولة إلى فتاة صلبة، تراقب، تلاحق الأدلة، وتحاول الإمساك بالحقيقة التي تهرب من الجميع.
وسط هذا الخراب، يُسلط الضوء على الشخصيات المحيطة: راي سينغ، الفتى الذي أحبته سوزي قبل موتها، وروث، الفتاة ذات الحسّ الروحي، التي شعرت بمرور روح سوزي لحظة موتها.
بين السماء والأرض: عالم سوزي الجديد
“سماء سوزي” ليست مكانًا تقليديًا كما في المعتقدات الدينية. إنها عالم مكوّن من أمانيها، من حدائق جميلة، من مدارس حيث لا امتحانات، ومن زوايا تتيح لها أن تراقب أحبّاءها، وتشعر بمشاعرهم، دون أن تستطيع التواصل معهم.
لكن سوزي ليست في راحة كاملة. إنها تريد الانتقام. تريد أن يُكشف قاتلها. ومع الوقت، تتعلم أن الرحيل لا يعني نهاية الحب أو فقدان الصلة. تتجلى معاناتها بين الرغبة في البقاء لمساعدة عائلتها، وبين الحنين للمضيّ قدمًا إلى “السماء الكبرى”، حيث تكمن الراحة النهائية.
الصراع والذروة: كشف القاتل
جاك، الأب، يجن جنونه عندما يشعر أن جورج هارفي يخفي شيئًا. يبدأ في مراقبته، حتى أنه ذات ليلة يلاحقه في الغابة، ويُصاب بجراح بعد مواجهته لشخص آخر عن طريق الخطأ. في تلك اللحظة، تدرك آبي زوجته أنه يضيع في أوهام الحزن، فتتركه وتسافر، محاولة الهروب من الذكريات.
في المقابل، تبدأ لينزي – الأخت – في الشك بجورج أيضًا. وذات مرة، تقتحم منزله في غيابه، وتجد دفترًا فيه رسومات غامضة، تؤكد أنه صنع مخبأ تحت الأرض هو ذاته المكان الذي قُتلت فيه سوزي. لكن لا أدلة دامغة. ولا أحد يصدقها تمامًا.
الشرطة تغلق القضية. والأمل يبدو بعيدًا.
لكن الحقيقة لا تموت…
لحظة ما بعد الذروة: عودة الحب
في قلب الرواية لحظات سحرية، إحداها حين تعود روح سوزي لتسكن جسد روث، في لحظة خارقة للطبيعة. تلتقي براي، الفتى الذي أحبّته في حياتها، وتمضي معه ليلة من المشاعر والعاطفة الصافية. إنها ليلة تحقق فيها سوزي أملًا لم تُتح لها فرصة عيشه في الحياة. ثم، ترحل مجددًا إلى السماء، ولكن بسلام أكبر.
النهاية: الختام بلا نهاية
أما جورج هارفي، فقد رحل. ترك البلدة، وانتقل من مدينة إلى أخرى، يطارد وحوشه الداخلية. ولكن في إحدى الليالي الثلجية، وبينما كان يتجوّل قرب منحدر جليدي، يسقط ويموت، في مشهد عدالة كونية رمزية، كأن السماء قررت أن تأخذ حق سوزي بنفسها.
في النهاية، تتعافى العائلة تدريجيًا. يعود الحب إلى القلوب. يُبنى بيت جديد من الذكرى والوفاء، وتجد سوزي سلامها في السماء، تاركة خلفها أثرًا من العشق، والمغفرة، والخلود في الذاكرة.
الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية
في عام 2009، تحوّلت رواية The Lovely Bones إلى فيلم سينمائي من إنتاج هوليوود، أخرجه المخرج الشهير بيتر جاكسون، مخرج سلسلة The Lord of the Rings.
- الاسم: The Lovely Bones
- المخرج: بيتر جاكسون
- سنة الإنتاج: 2009
- بطولة:
- ساويرس رونان (بدور سوزي سالمون)
- مارك والبيرغ (الأب جاك سالمون)
- رايتشل وايز (الأم آبي)
- ستانلي توتشي (القاتل جورج هارفي) – ترشّح لجائزة الأوسكار عن هذا الدور.
- تقييم IMDb: 6.6/10
- تقييم Rotten Tomatoes: 32% (نقدي) – 51% (جمهور)
أصداء العمل الفني وتحليل الاقتباس
لاقى الفيلم استقبالًا متباينًا. أشاد الجمهور بالأداء العاطفي لساويرس رونان، وبالرؤية البصرية الساحرة لسماء سوزي التي رسمها بيتر جاكسون بمؤثرات مذهلة. لكن بعض النقاد رأوا أن الفيلم فشل في تحقيق التوازن بين الدراما الإنسانية وبين طابع الجريمة والغموض.
كما انتُقد الفيلم لأنه غيّر بعض الجوانب في الرواية، خصوصًا في تقديم شخصية القاتل بشكل أقل واقعية وأكثر كرتونية. ورغم ذلك، ساهم الفيلم في زيادة شهرة الرواية، وجذب جمهورًا جديدًا، خاصة من فئة الشباب الذين لم يقرؤوا الرواية الأصلية.
أثر الرواية في الثقافة الشعبية
“The Lovely Bones” تركت بصمة في الأدب الحديث، كونها استطاعت أن تتناول موضوعًا ثقيلًا – العنف ضد الأطفال – من زاوية إنسانية شفافة ومفعمة بالأمل. أثّرت الرواية في أعمال لاحقة تناولت الموت من وجهة نظر الضحية، وأعادت تعريف “الفقد” كمساحة للشفاء لا للدمار فقط.
خلاصة
رواية The Lovely Bones ليست فقط قصة عن جريمة قتل، بل هي قصيدة عن الحب والحياة والموت، وعن الشفاء الذي يأتي بعد الألم. بقلم أليس سيبولد، تتجلى الرواية كدعوة لفهم الحزن، لا إنكاره، ولرؤية الأمل حتى في أكثر اللحظات ظلمة.
في عالم يمتلئ بالخسارات، تبقى “العظام الجميلة” التي تنمو حول الغياب، دلالة على أن الحب لا يموت، بل يتجدد فيمن بقوا بعدنا.