كتب

زحمة عشرين: دليل لحياة عشرينية أفضل في خضم فوضى البدايات

 في عالم يُطالَب فيه الشاب العشريني بأن يكون ناجحًا، حاسمًا، محبًا، مسؤولًا، سعيدًا، ومستقرًا—all at once—يبدو وكأن الحياة اختارت أن تختبر هذا الجيل تحت المجهر، وبجرعة زائدة من التوقعات. يأتي كتاب “زحمة عشرين: لحياة عشرينية أفضل” للكاتبة شذى عبدالمنعم محمد كمرآة صادقة تعكس ملامح هذه المرحلة، بما فيها من قلق، وطموح، وعثرات متتالية.

صدر الكتاب عن دار نشر جرير في عام 2024، ويندرج ضمن تصنيف تطوير الذات، لكنه يتجاوز ذلك الإطار التقليدي ليصبح كتابًا يحمل ملامح الجيل، وينطق بلسان الحيرة، ويعترف بالفوضى دون خجل، ثم يُنير طريقًا واقعيًا لتجاوزها.

في أكثر من 200 صفحة، تكتب شذى بلغتها العفوية الصادقة، لتخاطب القارئ/القارئة كصديقة تعرف الألم جيدًا، وتحترم الترددات الصغيرة التي تصدر عن القلب حين تتزاحم الأسئلة: من أنا؟ ماذا أفعل؟ ولماذا كل هذا الضغط في العشرينات؟

 عن المؤلفة: شذى عبدالمنعم محمد

كاتبة ومؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، عُرفت بقدرتها على التعبير عن القضايا النفسية والاجتماعية بلغة قريبة من القلب. تُعنى شذى بقضايا الشباب، وتُكرّس صوتها لتقديم محتوى يُراعي مشاعر الجيل، ولا يتعالَ عليها. في كتابها هذا، تنجح في توجيه الرسالة دون وعظ، وفي تقديم الحلول دون أن تدّعي امتلاكها للحقائق المطلقة.

 بنية الكتاب: زحام منظم

ينقسم الكتاب إلى عدة فصول غير مرقّمة، كأنها محطات شعورية أو حالات ذهنية، تبدأ من سؤال الهوية والذات، ثم تمر على العلاقات، والقرارات، والصداقة، والمجتمع، والعمل، والنفس، وتنتهي بفصلٍ أقرب إلى التأمل في ما يُمكن أن تكون عليه الحياة بعد تجاوز العشرينات.

ليست هناك محاضرات أكاديمية أو قواعد صارمة، بل كلمات كُتبت في لحظة صدق، تُحاكي ما يفكر فيه القارئ حين يكون وحده في منتصف الليل، متسائلًا: “هل أنا بخير؟ أم أني وحدي في هذه الزحمة؟”

 المرحلة العشرينية: لماذا هي الأصعب؟

تبدأ شذى الكتاب من قلب المعاناة، لا من فوقها. تؤكد أن العشرينيات ليست مرحلة “الازدهار” التي يُروّج لها البعض بسطحية، بل هي “مرحلة التشكل”، حيث تنكسر الصورة القديمة للنفس وتتشكل أخرى جديدة.

تشير الكاتبة إلى أن الأصعب ليس اتخاذ القرار، بل العيش وسط احتمال أن كل قرار قد يكون خطأ. وأن المشكلة ليست في الفشل، بل في الفجوة بين ما يريدك المجتمع أن تكونه، وما تريده لنفسك.

في العشرين، نحن نواجه الحقيقة للمرة الأولى دون وسطاء.

 علاقات وحب وخيبات متكررة

تتناول الكاتبة موضوع العلاقات العاطفية من زاوية نادرة: لا تكتفي بنصائح عن “اختيار الشريك المناسب”، بل تغوص في التمسك بصورة مثالية عن الحب، وكيف يتحطم القلب حين يصطدم بتوقعات لم تكن واقعية.

تعترف شذى أن العلاقات في العشرينات غالبًا ما تكون أولى تجارب الحب، وهي تجارب تترك ندوبًا لا تُرى. ولكن بدلاً من تقديم وعود زائفة بالتعافي السريع، تكتب:

في بعض الأحيان، يكون الألم دليلًا على أننا أحببنا بصدق، وأننا تعلمنا الطريق لنحب أنفسنا أولاً.

 الوظيفة، الشغف، والقلق من المستقبل

تطرق الكتاب أيضًا باب المهنة والعمل والشغف. في زمن تُروّج فيه مواقع التواصل لعبارات مثل “اتبع شغفك وسيأتي المال”، تتساءل الكاتبة بصدق: وماذا لو لم نعرف ما هو الشغف أصلًا؟

ترى شذى أن العمل لا يجب أن يكون دائمًا انعكاسًا لهويتنا، بل قد يكون مجرد وسيلة مؤقتة. وأن عدم امتلاك “خطة خمسية” لا يعني الفشل. المهم أن نتحرك، ونتعلّم من كل تجربة.

وتنصح القارئ العشريني بألا يستسلم للضغط الذي يفرض عليه “الوصول” بسرعة، لأن الحياة ليست سباقًا، بل سلسلة من التجارب.

 الأصدقاء والعائلة: شبكات النجاة

من أجمل فصول الكتاب، تلك التي تتحدث عن الصداقات. تقول الكاتبة:

قد لا ينجو الإنسان من عشريناته إلا بأصدقاء يفهمونه، لا يطلبون تفسيرًا لكل حالة مزاجية، بل يكفون عن السؤال حين يرون التعب.

تُبرز هنا أهمية الدعم النفسي والعاطفي، ليس فقط من الأصدقاء، بل من العائلة أيضًا. تؤمن شذى أن العائلة، وإن بدت تقليدية أحيانًا، إلا أنها غالبًا ما تكون الملاذ الأول والأخير في خضم الزحمة.

 الصمت والتأمل: لحظات النجاة الصغيرة

في منتصف الكتاب، تهدأ النبرة قليلًا. يتحول السرد من حواري إلى تأملي. تتحدث المؤلفة عن الصمت كعلاج، وعن التأمل كنافذة لفهم الذات. تُشجع القارئ على الكتابة، لا للنشر، بل للبوح. على المشي، لا لحرق السعرات، بل للتفريغ.

تشير إلى أن العشرينيات ليست فقط للبناء، بل للتوقف أيضًا. للدموع، وللتراجع، وللإقرار أننا لا نملك كل الأجوبة الآن… وهذا ليس فشلًا.

عن الخوف والقلق والضغط النفسي

من أعمق مواضيع الكتاب هو حديثه عن القلق النفسي و”فوبيا الفشل”. تتحدث الكاتبة بشفافية عن نوبات القلق التي قد تعصف بالعشريني بلا مقدمات. وتؤكد أن التوتر ليس علامة ضعف، بل جزء طبيعي من التحول.

لا يُقاس الإنسان بعدد إنجازاته، بل بعدد المرات التي لم يستسلم فيها.

وهذا الاقتباس يتكرر في الكتاب بعدة صور، ليصبح بمثابة شعار غير معلن.

 

التحول الشخصي: من زحمة عشرين إلى رصيف الثلاثين

في الفصول الأخيرة، تبدأ الكاتبة برسم صورة لما بعد الزحمة. لا تعد القارئ بأن الأمور ستصبح مثالية، لكنها تؤكد أن الوضوح الداخلي سيزداد. وأن أخطاء العشرينات ستُثمر وعيًا جديدًا.

تتحدث عن النضج العاطفي، والصلابة النفسية، وتُشجع القارئ على التفاهم مع ذاته بدلًا من محاكمتها. وتطرح سؤالًا جوهريًا:

متى كانت آخر مرة سامحت فيها نفسك؟

الخاتمة: لا حلّ واحدًا… بل وعيٌ متجدد

يُختَتم الكتاب برسالة غير مباشرة تقول: لا توجد خريطة جاهزة للعشرينات، لكن يمكن لكل شخص رسم خارطته الخاصة إذا استمع لنفسه حقًا. وأن الحل ليس في التقليد، بل في الصدق مع الذات.

تشجع شذى قرّاءها على الوثوق بالرحلة، وعلى التعامل مع العشرينيات كمرحلة تدريب حقيقية للحياة، لا كمسرح للحكم عليهم.

تقييم نقدي: لماذا نجح الكتاب؟

نقاط القوة:

  • لغة قريبة، مرنة، وعاطفية.
  • هيكل غير تقليدي يعكس طبيعة المرحلة.
  • لا يُملي نصائح، بل يطرح أسئلة.
  • مناسب جدًا لقراء الجيل الجديد الذين يريدون صوتًا يشبههم.

نقاط يمكن تطويرها:

  • كان من الممكن إضافة إشارات لأبحاث نفسية أو إحصائيات داعمة.
  • بعض الفصول كانت أقرب للتدوينات، وكان يمكن تعميق الطرح في أجزاء معينة.

لمن يُوجَّه هذا الكتاب؟

  • لكل شاب أو فتاة في العشرينات يشعرون أن الزمن يركض أسرع منهم.
  • لكل من يظن أن الآخرين يتقدمون بينما هو عالق.
  • لكل من جُرِح، وتألم، وأخطأ، لكنه لم يفقد رغبته في التعافي.

 

لمعرفة المزيد: زحمة عشرين: دليل لحياة عشرينية أفضل في خضم فوضى البدايات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى