سحر الألفة في حكايات ألف ليلة وليلة.. الليلة ٥٧

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر تقدَّم إلى نزهة الزمان وهو خجلان من حُسنها، وجلس إلى جانبها، وقال لها: يا سيدتي، ما اسمك؟
فقالت له: أتسألني عن اسمي في هذا الزمان، أم عن اسمي القديم؟
فقال لها: وهل لكِ اسم جديد واسم قديم؟
قالت: نعم، اسمي القديم نزهة الزمان، واسمي الجديد غُصَّة الزمان.
فلما سمع التاجر منها هذا الكلام، تغرغرت عيناه بالدموع وقال لها: هل لكِ أخ ضعيف؟
فقالت: إي والله يا سيدي، ولكن فرق الزمان بيني وبينه، وهو مريض في بيت المقدس.
فتحير عقل التاجر من عذوبة منطقها، وقال في نفسه: لقد صدق البدوي في مقالته. ثم إن نزهة الزمان تذكرت أخاها ومرضه وغربته، وفراقها عنه وهو ضعيف، ولا تعلم ما وقع له، وتذكرت ما جرى لها من هذا الأمر مع البدوي، وبعدها عن أمها وأبيها ومملكتها، فجرت دموعها على خدها، وأرسلت العبرات، وأنشدت هذه الأبيات:
حُيثُما كنتَ قد وقاكَ إلهي
أيُّها الراحلُ المقيمُ بقلبيولكَ اللهُ حيثُ أمسيتَ جارًا
حافظًا من صروفِ دهرٍ وخطبِغبتَ فاستوحشت لقربِكَ عيني
واستهلَّت مدامعي أيَّ سكبِليتَ شعري بأيِّ ربعٍ وأرضٍ
أنتَ مستوطنٌ بدارٍ وشِعبِإن يكن شارِبًا لماءِ حياةٍ
خضرِ الوردِ فالمَدامعُ شربيأو شهدتَ الرقادَ يومًا فجمْرٌ
من سهادي بين الفِراشِ وجنبيكلُّ شيءٍ إلا فراقُك سهلٌ
عند قلبي وغيرُه غيرُ صعبِ
فلما سمع التاجر ما قالته من الشعر بكى، ومدَّ يده ليمسح دموعها عن خدها، فغطت وجهها وقالت له: حاشاك يا سيدي.
ثم إن البدوي قعد ينظر إليها وهي تغطي وجهها من التاجر حين أراد أن يمسح دموعها عن خدها، فاعتقد أنها تمنعه من التقليب، فقام إليها يجري، وكان معه مقود جمل، فرفعه في يده وضربها به على أكتافها، فجاءت الضربة قوية، فانكبت بوجهها على الأرض، فجاءت حصاة من الأرض في حاجبها فشقته، فسالت دماؤها على وجهها، فصرخت صرخة عظيمة، وغشي عليها، وبكت وبكى التاجر معها.
فقال التاجر: لا بد أن أشتري هذه الجارية، ولو بثقلها ذهبًا، وأريحها من هذا الظالم.
وصار التاجر يشتم البدوي وهي في غشيتها، فلما أفاقت مسحت الدموع والدم عن وجهها، وعصبت رأسها، ورفعت طرفها إلى السماء، وطلبت من مولاها بقلب حزين، وأنشدت هذين البيتين:
وَا رَحمَتَا لِعَزِيزَةٍ بالضِّيمِ قد صارت ذليلةْ
تبكي بدمعٍ هاطلٍ وتقولُ ما في الوعدِ حيلةْ
فلما فرغت من شعرها، التفتت إلى التاجر وقالت له بصوت خفي:
بالله لا تدعني عند هذا الظالم الذي لا يعرف الله تعالى، فإن بتُّ هذه الليلة عنده قتلتُ نفسي بيدي، فخلّصني منه يُخلِّصك الله مما تخاف في الدنيا والآخرة.
فقام التاجر وقال للبدوي: يا شيخ العرب، هذه ليست غرضك، بِعني إياها بما تريد.
فقال البدوي: خذها وادفع ثمنها، وإلا أروح بها إلى النجع وأتركها هناك تَلُمُّ البعر وترعى الجمال.
فقال التاجر: أعطيك خمسين ألف دينار.
فقال البدوي: يفتح الله.
فقال التاجر: سبعين ألف دينار.
فقال البدوي: يفتح الله، هذا ما هو رأس مالها؛ لأنها أكلت عندي أقراصًا من الشعير بتسعين ألف دينار.
فقال التاجر: أنت وأهلك وقبيلتك في طول عمركم ما أكلتم بألف دينار شعيرًا، ولكن أقول لك كلمة واحدة، فإن لم ترضَ بها غمزتُ عليك والي دمشق فيأخذها منك قهرًا.
فقال البدوي: تكلّم.
فقال التاجر: بمائة ألف دينار.
فقال البدوي: بعتك إياها بهذا الثمن، وأقدر أنني اشتريت بها ملحًا.
فلما سمعه التاجر ضحك، ومضى إلى منزله، وأتى بالمال وأقبضه إياه، فأخذه البدوي وقال في نفسه: لا بد أن أذهب إلى القدس لعلّي أجد أخاها، فأجيء به وأبيعه.
ثم ركب وسافر حتى وصل إلى بيت المقدس، فذهب إلى الخان وسأل عن أخيها، فلم يجده.
هذا ما كان من أمره،
وأما ما كان من أمر التاجر ونزهة الزمان، فإنه لما أخذها ألقى عليها شيئًا من ثيابه، ومضى بها إلى منزله.
وأدركت شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.



