كتب

سلطة الظل: النفوذ الرقمي والرأي العام — قراءة تحليلية في كتاب خالد محمد غازي

 مقدمة: حين يصبح الضوء ظلًا رقميًا

في زمنٍ تتغير فيه مفاهيم القوة والنفوذ بسرعة مذهلة، أصبح للفضاء الرقمي سطوة تفوق أحيانًا سطوة السلاح والكلمات. لم تعد السلطة حكرًا على مؤسسات الدولة أو وسائل الإعلام التقليدية، بل باتت اليوم تتسلل عبر الشاشات الصغيرة في جيوبنا. في هذا السياق، يأتي كتاب “سلطة الظل: النفوذ الرقمي والرأي العام” للمفكر والإعلامي خالد محمد غازي، كمرآة فكرية تكشف لنا خيوط تلك السلطة الجديدة التي تتحرك في الخفاء، تؤثر دون أن تُرى، وتصوغ مواقفنا دون أن نشعر.

صدر الكتاب عن وكالة الصحافة العربية – ناشرون بتاريخ 5 يناير 2025، ويقع في 219 صفحة من القطع الكبير. في هذا العمل، لا يكتفي المؤلف بوصف التحولات الجذرية التي يشهدها عالمنا بسبب التكنولوجيا، بل يسعى لكشف الآليات الخفية التي تُستخدم للتأثير على الرأي العام، وتوجيهه عبر أدوات “السلطة الناعمة” في عصر الرقمنة.

 المؤلف في سطور: خالد محمد غازي – عين ناقدة في زمن التحول

خالد محمد غازي هو كاتب وباحث مصري بارز في قضايا الإعلام، والسلطة، والتأثير. عُرف بمؤلفاته التي تجمع بين التحليل السياسي العميق والفهم الإعلامي المعاصر. من أشهر أعماله:

  • “عقول خفية: استراتيجيات الإعلام والحرب النفسية”.
  • “الإعلام الناعم: كيف يمكن تشكيل العقول؟”
  • “حروب الجيل الخامس: الإعلام كسلاح”.

في كتابه “سلطة الظل”، يتجاوز غازي حدود التنظير ليصل إلى عمق الواقع، متسلحًا برؤية تحليلية دقيقة ومنهجية نقدية تكشف مكامن الخطر في تغلغل الإعلام الرقمي في كل مفاصل حياتنا. 

 

الفكرة المحورية للكتاب: حين تكتسب الظلال سلطتها

يرتكز الكتاب على فكرة مركزية مفادها أن السلطة في العصر الرقمي لم تعد علنية أو واضحة، بل أصبحت تتشكل في الظل. إنها سلطة خفية، تعتمد على الخوارزميات، المعلومات الضخمة (Big Data)، والتلاعب بالمحتوى، لبناء واقع افتراضي يفرض نفسه تدريجيًا على إدراك الناس. وهي ليست سلطة واحدة، بل شبكة من التأثيرات المتداخلة، تمارس نفوذها من خلال منصات التواصل، محركات البحث، والمحتوى الموجه.

 الفصل الأول: الفضاء الرقمي — ساحة جديدة للنفوذ

يتناول المؤلف في بداية الكتاب التحول من السلطة التقليدية إلى السلطة الرقمية، موضحًا كيف غيّرت الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مفهوم التأثير الجماهيري. لم تعد الصحف أو القنوات التلفزيونية هي المصدر الوحيد للمعلومات، بل أصبح لكل فرد القدرة على أن يكون مصدرًا وخبيرًا ومؤثرًا.

في هذا الفصل، يوضح غازي أن الرأي العام لم يعد نتاجًا للحوار الديمقراطي بقدر ما أصبح ثمرة للتلاعب البرمجي والخوارزمي. تتحكم شركات التكنولوجيا، وفق المؤلف، في ما نراه، وما لا نراه، من خلال الخوارزميات التي تحدد أولويات العرض على صفحات التواصل.

نحن لا نعيش في فضاء حر مفتوح كما نعتقد، بل في فقاعة ذكية توجّهنا وتنتقي لنا ما ينبغي أن نراه.
— خالد محمد غازي، سلطة الظل

الفصل الثاني: من السلطة الناعمة إلى الظلال الرقمية

يتوسع المؤلف في تحليل مفهوم السلطة الناعمة الذي صكه جوزيف ناي، ويعيد توظيفه في ضوء الإعلام الرقمي. يرى غازي أن أدوات الإقناع التقليدية كالثقافة والفن والتعليم تحولت إلى أدوات رقمية أكثر تطورًا وتعقيدًا.

فما يُعرف اليوم بـ “الدبلوماسية الرقمية” و”النفوذ السيبراني” ليس إلا تطورًا لهذه السلطة الناعمة، التي لم تعد تعتمد على الإقناع المباشر، بل على التسلل إلى عقول الناس من خلال الإعلانات الموجهة، المحتوى الفيروسي، والتقنيات النفسية الرقمية.

 الفصل الثالث: اللجان الإلكترونية — جيوش غير مرئية

في هذا الجزء، يفكّك غازي ظاهرة اللجان الإلكترونية التي تعمل بشكل منظم ومموّل على التلاعب بالمحتوى والتعليقات على مواقع التواصل. يشير إلى أن هذه “الجيوش الرقمية” لا تعمل بطريقة عشوائية، بل وفق استراتيجيات محكمة هدفها التأثير في المزاج الجماهيري، وتوجيه النقاشات، وخلق نوع من “الواقع المصطنع”.

الكتاب يسوق أمثلة من العالم العربي والعالمي، مثل التلاعب الذي حدث أثناء الانتخابات الأميركية، وتأثير منصات مثل “Cambridge Analytica” على تشكيل قرارات الناخبين.

الفصل الرابع: الأمن الرقمي والخصوصية — بين الحقوق والتجسس

ينبه المؤلف إلى المخاطر المرتبطة بتنازل الأفراد طواعية عن معلوماتهم الشخصية. يتناول كيف أن جمع البيانات (Data Harvesting) من قبل شركات التكنولوجيا قد حول المستخدم إلى “منتَج” لا مجرد مستخدم.

كما يطرح قضايا مثل:

  • التجسس السيبراني على المعارضين.
  • توظيف البيانات لأغراض تجارية وسياسية.
  • مخاطر الاختراقات السيبرانية للدول.

البيانات اليوم هي السلطة، ومن يملكها يملك مصير المجتمعات.
— خالد محمد غازي

 الفصل الخامس: الديمقراطية في زمن الخوارزميات

يرى خالد محمد غازي أن الديمقراطية في العصر الرقمي تواجه خطر الانهيار التدريجي بسبب سيطرة المنصات على تدفق المعلومات، وتحكمها في “ماذا يُقال ولمن يُقال”. أصبح الناس يتعرضون لما يسمى “فقاعات الترشيح” (Filter Bubbles)، أي لا يُعرض لهم إلا ما يؤكد قناعاتهم، ما يقلص الحوار النقدي ويزيد الاستقطاب.

ويتساءل المؤلف: هل يمكن لحرية التعبير أن تصمد أمام تغول الشركات الرقمية الكبرى؟

 عرض لبعض الأدوات الرقمية في تشكيل الرأي العام

يقدم الكتاب قائمة بأدوات “سلطة الظل” الرقمية، مثل:

الأداة الرقمية آلية التأثير
الخوارزميات تحديد ترتيب المحتوى وتأثيره العاطفي والمعرفي
الإعلانات المستهدفة توجيه رسائل خاصة بناءً على البيانات الشخصية
الذكاء الاصطناعي خلق محتوى أو ردود آلية لإقناع المستخدمين
البوتات (Bots) تضخيم موضوعات معينة عبر التعليقات الوهمية
غرف الصدى (Echo chambers) تعميق الانعزال الفكري من خلال المحتوى المتشابه

 تحليل نقدي: ما الذي يجعل هذا الكتاب مختلفًا؟

يمتاز الكتاب بما يلي:

  • لغة رشيقة وسلسة تجذب القارئ دون أن تبتعد عن العمق الفكري.
  • أمثلة واقعية معاصرة تدعم التحليلات النظرية.
  • دعوة إلى التفكير النقدي وليس فقط التحذير.
  • طرح توازني: المؤلف لا يدعو إلى رفض التكنولوجيا بل يحذر من إساءة استخدامها.

 مقارنة مع أعمال أخرى

بالمقارنة مع كتاب “عقول خفية”، نجد أن “سلطة الظل” أكثر حداثة وتركيزًا على الجانب الرقمي. بينما في “الإعلام الناعم”، كان التركيز على أدوات التأثير الثقافي، فإن هذا الكتاب يُركز على النفوذ الخفي للخوارزميات، ويعتبره أكثر تهديدًا من الدعاية التقليدية.

 التوصيات التي يقدمها الكتاب

  1. تعزيز الوعي الرقمي لدى الأفراد.
  2. مراقبة الأداء الخوارزمي من قبل جهات محايدة.
  3. سن قوانين للخصوصية الرقمية.
  4. دعم الإعلام المهني المستقل.
  5. تعليم التفكير النقدي في المدارس

 

لمعرفة المزيد: سلطة الظل: النفوذ الرقمي والرأي العام — قراءة تحليلية في كتاب خالد محمد غازي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى