سيرة الربيع بن خثيم.. التابع الزاهد والعابد الورع

مقدمة
يعد الربيع بن خثيم أحد أعلام التابعين، الذين اشتهروا بالزهد والورع والتقوى. كان من تلاميذ عبد الله بن مسعود، وتأثر به كثيرًا في عبادته وسلوكه، حتى صار مضرب المثل في الزهد والتواضع. سُطرت سيرته في كتب التاريخ والسير كواحد من أكثر الرجال تقوى وخشية لله، وكان معروفًا بخشوعه في الصلاة، وابتعاده عن الدنيا، واجتهاده في العبادة.
نشأته ونسبه
الربيع بن خثيم بن عائذ، وُلد في الكوفة خلال خلافة عمر بن الخطاب، ونشأ في بيئة محبة للعلم والعبادة. التقى بكبار الصحابة وتأثر بعلمهم، وكان أبرز معلميه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، الذي رأى فيه صلاحًا وتقوى، فقرّبه منه وعلمه علوم القرآن والسنة.
زهده وعبادته
كان الربيع بن خثيم زاهدًا في الدنيا، لا يلتفت إلى زخارفها، بل جعل همه الآخرة. كان يقوم الليل حتى تورمت قدماه، وإذا قرأ القرآن بكى حتى يبلّل موضع سجوده بالدموع. قيل إنه كان إذا مرّ بالسوق، غض بصره عن كل شيء حتى لا يفتن بالدنيا.
كان يقول: “لو لم ينه الله عن المعاصي، لكان يجب على العاقل أن يجتنبها؛ لأنها دنية”، في إشارة إلى أن الذنوب تفسد القلب قبل أن تفسد العمل.
ومن شدة ورعه، أنه كان يُكثر من محاسبة نفسه، ويخشى أن يكون قد وقع في الرياء. كان يقول: “اللهم إني أستغفرك مما يعلم الناس، وأستغفرك مما لا يعلم الناس”.
علاقته بعبد الله بن مسعود
كان الربيع تلميذًا ملازمًا لابن مسعود، حتى أن الأخير قال عنه: “لو رأى رسول الله ﷺ الربيع بن خثيم، لأحبه”. وكان يرى فيه نموذجًا للعبادة الحقة، حتى أنه قال لأصحابه يومًا: “لو أن النبي ﷺ أمركم أن تنظروا إلى رجل يشبه في عبادته وخشوعه ابن مسعود، فانظروا إلى الربيع بن خثيم”.
ورعه وحرصه على عدم الغيبة
كان شديد الحرص على تجنب الغيبة والكلام في أعراض الناس. روي أنه كان إذا جلس في مجلس وذكر فيه أحد بسوء، وضع يده على فمه وقال: “اذكروا القبر!”، في إشارة إلى أن الموت قريب، ولا ينبغي للإنسان أن ينشغل بعيوب غيره.
كرمه وإحسانه للفقراء
على الرغم من زهده، كان كريمًا مع المحتاجين. كان يحمل الطعام للفقراء بنفسه، ويحرص على أن يعطي بيمينه دون أن تعلم شماله. كان يقول: “خير الصدقة ما أُعطي في الخفاء”، وكان يحب أن يكون إحسانه لله وحده، بعيدًا عن الرياء.
تواضعه وبساطته
كان الربيع متواضعًا رغم علمه وورعه، ولم يكن يرفع نفسه فوق الناس. كان يلبس الثياب البسيطة، ويرفض المديح، ويرى أن الفضل كله لله. سُئل يومًا عن سبب بكائه في الصلاة، فقال: “أخشى أن لا يقبل الله صلاتي”.
وفاته
عاش الربيع بن خثيم حياته كلها في طاعة الله، حتى وافته المنية في الكوفة. بقيت سيرته نموذجًا في الزهد والخشوع، وظل الناس يذكرونه كأحد أعظم التابعين الذين عبدوا الله بإخلاص.
خاتمة
كان الربيع بن خثيم مثالًا للزهد والتواضع، وعاش حياته متفرغًا للعبادة، مبتعدًا عن الفتن والذنوب. لا تزال سيرته تلهم الباحثين عن الطريق إلى الله، وتذكرهم بأن التقوى الحقيقية تكمن في العمل الصادق والابتعاد عن مظاهر الرياء والتكلف.