سيرة حياة مالك بن نبي
مفكر جزائري، أحدث نقلة نوعية في الفكر الإسلامي الحديث، وأسس مفاهيم ومصطلحات فكرية وفلسفية غير مسبوقة. لقب بألقاب عديدة، منها “فيلسوف العصر” و”فقيه الحضارة” و”منظر النهضة الإسلامية”.
المولد والنشأة
ولد مالك بن نبي يوم 1 يناير/كانون الثاني 1905 في مدينة قسنطينة بالجزائر، وسط أسرة متواضعة متدينة، وكان أبوه عمر موظفاً بإدارة مدينة تبسة، وكانت أمه زهيرة تعمل في الحياكة.
تعرف خلال إقامته في باريس على فتاة فرنسية أسلمت على يديه، وسمّت نفسها خديجة، فتزوجها لكنها لم تنجب، فتزوج مرة ثانية في مصر عام 1956.
الدراسة والتكوين
التحق في تبسة بكتاب تحفيظ القرآن الكريم لمدة أربع سنوات، بالتوازي مع دراسته في المدرسة الفرنسية إلى أن أتم تعليمه الابتدائي والإعدادي.
مكنه تفوقه الدراسي من الحصول على منحة لمواصلة الدراسة في مدينة قسنطينة التي كانت مَعلماً للثقافة العربية والإسلامية قبل الاحتلال، وهناك بدأ يتعرف على الثقافة الفرنسية.
ولما أنهى تعليمه الثانوي عام 1925 سافر إلى فرنسا، لكنه عاد إلى الجزائر لعدم حصوله على فرصة عمل، وفي سنة 1930سافر إلى فرنسا مرة أخرى لمواصلة دراسته، غير أنه لم يستطع الانتساب إلى معهد الدراسات الشرقية، فتوجه إلى مدرسة اللاسلكي، حيث حصل على شهادة مهندس كهرباء عام 1935.
الوظائف والمسؤوليات
عمل في مدينة تبسة مساعدَ مكتب في محكمة المدينة، وفي سنة 1927 التحق بمدينة آفلو بولاية الأغواط للعمل في محكمتها.
وبعد عودته إلى الجزائر عام 1963 تقلّد عدة مناصب أكاديمية، أهمها منصب مستشار للتعليم العالي، ومدير لجامعة الجزائر، ثم مدير للتعليم العالي، إلى أن استقال عام 1967، وتفرغ لنشاطه الفكري والدعوي.
التجربة الفكرية
تعرف في عام 1928 على رائد الحركة الإصلاحية بالجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفي باريس تعرّف على مشكلات أمته ووطنه، وفيها عاش تجربة غنية تعرّف من خلالها على روح الحضارة الغربية وأفكارها.
انخرط في نشاط فكري وسياسي بين المغتربين، وكان عنوان أول محاضرة يلقيها هناك “لماذا نحن مسلمون؟” وذلك في أواخر ديسمبر/كانون الأول 1931، وقد استجوبته الشرطة الفرنسية على إثرها.
شارك في تأسيس “جمعية الوحدة المغاربية” تحت إشراف الأمير شكيب أرسلان، وأصبح ممثلا للجزائر فيها، وفي مارسيليا أشرف على نادي “المؤتمر الجزائري الإسلامي”، وبعد ذلك سافر إلى مصر عام 1956، وأقام بالقاهرة، حيث سخّر نفسه وقلمه لخدمة ثورة التحرير الجزائرية، وهناك عمق معرفته باللغة العربية بعد أن كان ضليعا في اللغة الفرنسية.
ركز جهده في مجالي فكر النهضة والدراسات القرآنية، وقدم في الأول إسهامات بارزة لتجديد الفكر الإسلامي المعاصر، حيث أكد أن أزمة المجتمع المسلم هي أزمة منهجية عملية بالأساس، وبناء على ذلك صاغ نظريته في التغيير الاجتماعي على أساس مبدأ الفاعلية والتصدي لما سماه القابلية للاستعمار والحذر من داء الاستكانة والهوان.
أغنى الفكر الاسلامي بمصطلحات عديدة بحديثه عن “الأفكار الميتة” و”الأفكار المميتة” والعلاقة بينهما، وعن مراحل تطور الحضارة الإسلامية، وغير ذلك.
المؤلفات والآثار
له سجلٌ حافلُ بالعطاء الفكري، إذ ألف أكثر من ثلاثين كتاباً، منها “مشكلة الثقافة” عام 1956 و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة” عام 1960 و”الفكرة الأفروآسيوية” عام 1956 و”الكومنولث الإسلامي” عام 1960.
من أشهر كتبه “الظاهرة القرآنية” و”وجهة العالم الإسلامي” و”شروط النهضة” و”مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”.
نُشر له بعد وفاته كتابان: الأول “دور المسلم ورسالته في القرن العشرين” عام 1977، والثاني “بين الرشاد والتيه” عام 1978، وقد ترجم الدكتور عبد الصبور شاهين عدداً من كتبه الصادرة بالفرنسية إلى اللغة العربية.
الوفاة
توفي مالكُ بن نبي يوم الرابع من شوال 1393 الموافق 31 أكتوبر/تشرين الأول 1973.
المصدر: موقع الجزيرة