كتب

صُنعَ بحُب: رحلةٌ ملهمة في تطوير الذات تُضيء دروب القلب والعقل

مقدمة: عندما يكتسي التغيير بثوب الحب

في زمن يتسارع فيه كل شيء، نبحث بشغف عن مَواطن للسكينة واليقين، عن صوت داخلي يعيد ترتيب فوضى الحياة ويوجّهنا بلطف نحو أنفسنا الحقيقية. يأتي كتاب “صُنعَ بحُب” للمؤلّفة غادة عبدالله العبيدي بوصفه مرآةً صافيةً تعكس هذه الحاجة العميقة. نُشر الكتاب عام 2024، وصنّف ضمن كتب تطوير الذات، لكنه لا يقدّم مجرد نصائح سطحية أو وصفات سريعة، بل ينقل القارئ في رحلةٍ وجدانية شديدة الخصوصية، ممزوجة بالخبرة والنية الطيبة. هو كتاب كُتبَ بحُب، ويُقرأ بحُب، ويغيّر ببطءٍ رقيق ولكن عميق، من الداخل.

أولًا: نبذة عن المؤلّفة والكتاب

غادة عبدالله العبيدي كاتبة سعودية شغوفة بعلم النفس وتطوير الذات، حملت على عاتقها رسالةً ناعمةً لكنها راسخة: أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، من تلك اللحظة التي يُقرّر فيها الإنسان أن يصغي لقلبه قبل أن ينفّذ أو يُرضي العالم من حوله.
في كتابها “صُنعَ بحُب”, تقدّم العبيدي مجموعةً من التأملات، الدروس، والحكايات الواقعية التي تعكس خبراتها وتجاربها في الحياة، والتي تُرشد القارئ إلى إعادة اكتشاف ذاته من خلال منظور الحب، لا جلد الذات أو المبالغة في الطموحات.

الكتاب ليس أكاديميًا صرفًا، بل روحاني بامتياز، يمزج بين العاطفة والعقل، الحكاية والنصيحة، العلم والبصيرة. إنه يهمس أكثر مما يُحاضر، ويزرع أكثر مما يُلقّن.

 

ثانيًا: بنية الكتاب وأسلوبه

جاء الكتاب في فصول قصيرة مركّزة، كل فصل أشبه بمقالة مستقلة ولكنها جميعًا تصبّ في نهر واحد: النمو الشخصي بالحب لا بالقسوة.

كل فصل يبدأ غالبًا بعبارة محفّزة أو سؤال وجودي بسيط لكنه عميق:

  • “متى كانت آخر مرة أحسست أنك تستحق أن تُحب نفسك كما هي؟”
  • “هل تساءلت يومًا لماذا نحكم على أنفسنا أكثر من الآخرين؟”

ثم تمضي العبيدي في سرد فكرة معينة، أحيانًا من خلال قصة واقعية أو موقف مرّت به، وأحيانًا من خلال تأمل فلسفي أو توجيه عملي.
يتميّز الأسلوب بلغة شفّافة، دافئة، خالية من التعقيد اللغوي أو المصطلحات النفسية الصعبة، مما يجعل الكتاب مناسبًا لكل من المبتدئين في رحلة تطوير الذات أو القرّاء المتمرسين الباحثين عن جرعة إنسانية صادقة.

ثالثًا: الحب كمحور رئيسي للفهم والتغيير

1. حب الذات: البداية والنهاية

أحد أهم محاور الكتاب هو حب الذات، لكن غادة العبيدي تتعامل مع هذا المفهوم بحذر وعمق.
فهي لا تدعو لحب الذات من منطلق أناني أو تعظيم للـ”أنا”، بل تراه ضرورًة صحية وسليمة كي يزدهر الإنسان.
في أحد الفصول، تسرد الكاتبة موقفًا مرّت به حين كانت تُبالغ في إرضاء الآخرين على حساب راحتها، ثم تصف كيف تعلّمت أن تقول “لا” بحب، وكيف أن احترام النفس لا يعني الإساءة للآخر، بل هو خطوة أولى لخلق علاقات صحية ومتوازنة.

2. الحب في مواجهة الألم

في فصول أخرى، تتناول المؤلفة كيف يمكننا مواجهة الألم بالحب. سواء أكان ذلك ألم الخسارة، الفشل، الفقد، أو حتى مشاعر الذنب والتقصير.
العبيدي تؤمن أن مواجهة الألم لا تكون بإنكاره أو دفنه، بل بالجلوس معه، قبوله، ثم احتضانه بحب. وهذا المفهوم العلاجي يتقاطع مع كثير من نظريات الشفاء النفسي الحديثة، التي تدعو الإنسان لمرافقة مشاعره لا مقاومتها.

3. العلاقات: بين العطاء والحدود

لا يغفل الكتاب عن واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في تطوير الذات وهي: العلاقات الإنسانية.
الكاتبة تتحدّث بصدق عن حدود العطاء، عن الفرق بين الحب الحقيقي والتعلّق، عن كيف يمكن للحب أن يصبح عبئًا حين يكون مشروطًا، وعن أهمية التوازن بين القلب والعقل.
تقول في أحد الاقتباسات اللافتة:

ليس كل من أحببته يستحق أن يسكنك إلى الأبد، بعضهم كان مجرد درس كُتبَ بحب، لكن كان لا بد من تجاوزه.

رابعًا: مقتطفات ملهمة من الكتاب

فيما يلي بعض المقتطفات التي تعكس روح الكتاب:

دع قلبك يتكلم، حتى إن ارتبك صوتك.

 

الحياة لا تختبرنا لتُعاقبنا، بل لتكشف لنا كيف نحب أنفسنا حتى في أكثر لحظاتنا هشاشة.

 

الخسارات لا تأتي لتأخذ، بل لتُعطيك فرصة أن ترى ما كنت لا تراه وأنت ممتلئ.

 

احفظ طاقتك للحب، لا للجدال.

 

عندما تُصلي، صلِّ أيضًا لنفسك، تلك التي نسيتها خلفك في زحام الأيام.

خامسًا: أهمية الكتاب في مشهد كتب تطوير الذات

في ظل طوفان الكتب التي تُروّج لشعارات برّاقة عن النجاح والثراء والتحفيز المفرط، يتميّز “صُنعَ بحُب” بكونه هادئًا، واقعيًا، ووجدانيًا.
هو لا يقدّم وعودًا خيالية، بل يدعوك لخطوات صغيرة ولكنها صادقة.
كما يُعد إضافة نوعية للمكتبة العربية، لا سيما أن الكاتبة استطاعت أن تخلق خطابًا ذاتيًا يتّسق مع الثقافة العربية المحافظة، دون أن يُغلق الباب أمام المفاهيم الحديثة في الوعي والتطور النفسي.

سادسًا: لمن يُناسب هذا الكتاب؟

  • للذين يشعرون أنهم مرهقون من الحياة ويريدون استراحة عاطفية.
  • للنساء والرجال الذين يعانون من جلد الذات أو علاقات سامة.
  • للمراهقين في بدايات رحلتهم مع اكتشاف الذات.
  • لكل من يحبّ الكتب التي تكتب من القلب للعقل، لا من الرأس إلى الرأس.

سابعًا: أثر الكتاب على القرّاء

وردت عن الكتاب ردود فعل إيجابية عبر وسائل التواصل ومنصات القراءة الرقمية، حيث وصفه البعض بأنه “رفيق في لحظات الوحدة”، وآخرون قالوا إنه “يشبه جلسة دافئة مع صديق حقيقي”.
من بين أبرز ردود الفعل:

  • “كل صفحة شعرت أنها تخاطبني بشكل شخصي.”
  • “بكيت في منتصف الكتاب، ثم شعرت براحة لم أعرفها منذ شهور.”
  • “أعدت قراءته مرتين، وكل مرة اكتشفت شيئًا جديدًا.”

ثامنًا: الحب كفلسفة تغيير

يعود الكتاب في نهاياته ليذكّر القارئ بأن الحب ليس مجرد شعور، بل فعل، واختيار، وفلسفة حياة.
أن تحب نفسك يعني أن تُنصت لها، تغفر لها، تمنحها الوقت.
أن تحب الآخرين لا يعني أن تمحي ذاتك من أجلهم، بل أن تُشركهم في نورك وأنت ممتلئ لا ناقص.
وأن تحب الحياة، يعني أن تعترف أنها مؤقتة، ومع ذلك تستحق أن تعاش بحب، لا برعب ولا بخوف.

خاتمة: كتاب صُنعَ بحُب… يستحق أن يُقرأ بحُب

في عالم يسوده الازدحام، يُشبه كتاب “صُنعَ بحُب” نافذة مفتوحة على قلب دافئ.
هو كتاب يذكّرك بأنك لست مشروعًا يجب تحسينه باستمرار، بل كيانًا يستحق أن يُفهم ويُحتضن.
وأن التغيير الأصيل لا يحتاج إلى جلد أو صراخ أو تحفيز مبالغ، بل إلى لحظة صدق… تُصنع بحب.

فمن يريد أن يُعيد اكتشاف نفسه، أو يحتاج إلى لمسة حنان فكرية في قلب عاصفة الحياة، سيجد في هذا الكتاب مرآةً ورفيقًا ودليلًا صادقًا.

 

لمعرفة المزيد: صُنعَ بحُب: رحلةٌ ملهمة في تطوير الذات تُضيء دروب القلب والعقل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى