سير

عروة بن الزبير.. الفقيه العابد وصاحب السيرة العطرة

المقدمة

عروة بن الزبير بن العوام هو أحد أعلام التابعين، اشتهر بعلمه الغزير وفقهه العميق وروايته للحديث، وكان من أبرز من اعتنوا بجمع السيرة النبوية. تميّز بالزهد والصبر، وعُرف بحكمته وسيرته العطرة. في هذا المقال، نستعرض حياته ونسبه ومكانته العلمية وأبرز مواقفه.

 

النسب والنشأة

وُلد عروة بن الزبير في المدينة المنورة عام 23 هـ (644 م)، في بيتٍ من بيوت الصحابة العظام. فأبوه الزبير بن العوام، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأمه أسماء بنت أبي بكر، الملقبة بـ “ذات النطاقين”، وهي ابنة الصديق أبي بكر رضي الله عنه. نشأ عروة في بيئة مليئة بالعلم والتقوى، حيث كان محاطًا بأهل الفضل والصحابة، ما أثّر في تكوين شخصيته العلمية والدينية.

 

طلب العلم ومكانته العلمية

منذ صغره، حرص عروة على طلب العلم، فكان يلازم الصحابة الكبار، ويأخذ عنهم الحديث والفقه. تتلمذ على يد أمه أسماء وخالته عائشة رضي الله عنهما، فكان من أوثق الناس رواية عن عائشة، ونقل عنها الكثير من الأحاديث التي تتعلق بالسيرة النبوية وأحكام الشريعة. كما أخذ العلم عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وغيرهم من الصحابة.

كان عروة من أوائل من اعتنوا بجمع السيرة النبوية وروايتها، ويعتبر من أهم المراجع في هذا المجال. وقد روى عنه الكثير من العلماء، منهم ابنه هشام بن عروة، والزهري، وسعيد بن المسيب.

 

العبادة والزهد

كان عروة بن الزبير مثالًا في العبادة والتقوى، فكان يصوم كثيرًا، ويقوم الليل، ويحرص على قراءة القرآن والتدبر فيه. كان زاهدًا في الدنيا، ولم ينشغل بجمع المال أو الجاه، بل كان يكرّس وقته للعلم والعبادة. وكان يُضرب به المثل في الصبر على الشدائد، حيث مرّ بمحنة شديدة عندما أصيب بمرض في قدمه اضطره إلى بترها، لكنه احتسب ذلك عند الله ولم يتأثر إيمانه.

 

موقفه من الفتن السياسية

عاش عروة في فترة شهدت الكثير من الفتن والصراعات السياسية، لكنه آثر الابتعاد عنها، مفضّلًا التفرغ للعلم والتعليم. لم يكن منخرطًا في النزاعات بين الفرقاء السياسيين، بل كان يُرشد الناس إلى العلم والعمل الصالح، ويحثهم على اتباع تعاليم الإسلام بعيدًا عن الخلافات.

 

وفاته

توفي عروة بن الزبير عام 94 هـ (713 م) في المدينة المنورة، بعد حياة مليئة بالعلم والعبادة والصبر. ترك وراءه إرثًا علميًا كبيرًا، وكان منارة للعلماء والفقهاء الذين جاءوا بعده.

 

الخاتمة

عروة بن الزبير نموذج للعالم الرباني، الذي جمع بين الفقه والحديث والسيرة، وكان مثالًا في الزهد والصبر. أثّر في أجيال من العلماء، وظل اسمه بارزًا في تاريخ الإسلام كأحد كبار التابعين الذين حفظوا العلم ونقلوه للأمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى