قصص

عمر بن عبد العزيز: نهر العدالة الذي أعاد للأمة صفاءها.. الليلة ٦٥

 

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان قالت: فقال عمر بن عبد العزيز: إن الله قد بعث محمدًا رحمة للعالمين، وعذابًا لقوم آخرين، ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه، وترك للناس نهرًا يروي عطاشهم. ثم قام أبو بكر خليفةً بعده، فأجرى النهر مجراه، وعمل ما يرضي الله. ثم قام عمر بعد أبي بكر، فعمل خير أعمال الأبرار، واجتهد اجتهادًا لا يقدر أحد على مثله. فلما قام عثمان اشتقّ من النهر نهرًا، ثم وُلِّي معاوية فاشتقّ منه الأنهار، ثم لم يزل كذلك يشتق منه يزيد وبنو مروان كعبد الملك، والوليد، وسليمان، حتى آل الأمر إليّ، فأحببت أن أردَّ النهر إلى ما كان عليه.

فقالت: قد أردتُ كلامك ومذاكرتك فقط، فإن كانت هذه مقالتك فلستُ بمذاكرةٍ لك شيئًا. ورجعت إلى بني أمية فقالت لهم: ذوقوا عاقبة أمركم بتزويجكم إلى عمر بن الخطاب.

وقيل: لما حضرت عمرَ بنَ عبد العزيز الوفاةُ جمع أولاده حوله، فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين، كيف تترك أولادك فقراء وأنت راعيهم؟ فما يمنعك أحد في حياتك من أن تعطيهم من بيت المال ما يغنيهم، وهذا أولى من أن ترجعه إلى الوالي بعدك. فنظر إليه مسلمةُ نظرَ مغضبٍ متعجّب، ثم قال: يا مسلمة، منعتُهم أيام حياتي، فكيف أشقى بهم بعد مماتي؟ إن أولادي ما بين رجلين: إما مطيع لله تعالى، فالله يصلح شأنه، وإما عاصٍ، فما كنت لأعينه على معصية.

يا مسلمة، إني حضرتُ وإياك حين دُفن بعضُ بني مروان، فحملتني عيني فرأيتُه في المنام أُفْظِعُ إلى أمرٍ من أمور الله عز وجل، فهالني وراعني، فعاهدتُ الله ألا أعمل عمله إن وُلِّيت، وقد اجتهدتُ في ذلك مدة حياتي، وأرجو أن أُوفَّق إلى عفو ربي.

قال مسلمة: بقي رجل حضرتُ دفنه، فلما فرغت من دفنه حملتني عيني، فرأيتُه فيما يرى النائم في روضة فيها أنهار جارية، وعليه ثياب بيض، فأقبل عليَّ وقال: يا مسلمة، لمثل هذا فليعمل العاملون. ونحو هذا كثير.

وقال بعض الثقات: كنت أرعى الغنم في خلافة عمر بن عبد العزيز، فمررتُ براعٍ، فرأيتُ مع غنمه ذئبًا أو ذئابًا، فظننتُ أنها كلابه، ولم أكن رأيت الذئاب قبل ذلك. فقلت: ما تصنع بهذه الكلاب؟ فقال: إنها ليست كلابًا، بل هي ذئاب. فقلت: ذئاب في غنمٍ لم تَضْرِبْها؟ فقال: إذا صلح الرأس صلح الجسد.

وخطب عمر بن عبد العزيز على منبر من طين، فحمد الله وأثنى عليه، ثم تكلّم بثلاث كلمات، فقال: أيها الناس، أصلحوا أسراركم لتصلح علانيتكم لإخوانكم، وتُكْفَوْا أمر دنياكم، واعلموا أن الرجل ليس بينه وبين آدم رجل حي في الموتى؛ مات عبد الملك ومن قبله، ويموت عمر ومن بعده.

فقال له مسلمة: يا أمير المؤمنين، لو عملنا لك متكأً تعتمد عليه قليلًا؟ فقال: أخاف أن يكون في عنقي منه إثم يوم القيامة. ثم شهق شهقة فخرّ مغشيًّا عليه. فقالت فاطمة: يا مريم، يا مزاحم، يا فلان، انظروا هذا الرجل. فجاءت فاطمة تصب الماء عليه وتبكي حتى أفاق من غشيته، فرآها تبكي فقال: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أمير المؤمنين، رأيتُ مصرعك بين أيدينا، فتذكّرتُ مصرعك بين يدي الله عز وجل، للموت وتخليك عن الدنيا وفراقك لنا، فذاك الذي أبكانا. فقال: حسبُكِ يا فاطمة، فلقد أبلغت. ثم أراد القيام، فنهض فسقط، فضمّته فاطمة إليها وقالت: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين، ما نستطيع أن نكلّمك كلَّنا.

ثم إن نزهة الزمان قالت لأخيها سركان وللقضاة الأربعة: تتمة الفصل الثاني من الباب الأول… وأدرك شهريار الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى