فكر وتصرف كأنك هاري بوتر: كيف نتعلم من الماضي لنواجه المستقبل بشجاعة وحكمة؟

في عالم يمتلئ بالفوضى والاضطرابات، نبحث دوماً عن أدوات تعيننا على فهم الحياة، على مجابهة التحديات، وعلى استدعاء الشجاعة الكامنة في أعماقنا. كتاب “فكر وتصرف كأنك هاري بوتر” للكاتبة كارلا شيابا بورديه لا يقدم وصفة سحرية بالمعنى التقليدي، بل يفتح أبواب عالم خيالي ليضعنا وجهاً لوجه مع مفاتيح واقعية للتغلب على الخوف، الحزن، وضغوط الحياة.
إنه ليس مجرد كتاب عن شخصية خيالية أو تحليل لسلسلة أدبية عالمية، بل هو دليل عملي وفكري يتخذ من قصة هاري بوتر وسيلة لتطوير الذات، وتعلُّم الحكمة، وبناء الشجاعة النفسية والاجتماعية لمواجهة المستقبل.
مدخل إلى عوالم متوازية: الخيال كأداة نفسية
تبدأ المؤلفة بمقدمة فكرية رائعة تسلط الضوء على أهمية الخيال بوصفه أداة علاجية وتربوية. فمن خلال استحضار أحداث وقيم سلسلة “هاري بوتر”، تساعدنا بورديه على إدراك أن الخيال لا يُقصى عن الواقع، بل يعينه، ويضيء زواياه المظلمة.
تقول بورديه: “عندما نقرأ عن هاري وهو يواجه مخاوفه في الغابة المحرّمة، أو يصمد في وجه فولدمورت، فنحن لا نهرب من واقعنا بل نواجهه، بعيون أكثر شجاعة وقلوب أكثر وعياً.” هذا المنهج التأملي يضع الكتاب في مصاف كتب التنمية الذاتية التي تستخدم الأدب كأداة للإصلاح الذاتي والنمو العاطفي.
الدرس الأول: الشجاعة لا تعني غياب الخوف
أحد أبرز الأفكار التي تحفرها بورديه بعمق في ذهن القارئ هو أن الشجاعة لا تعني غياب الخوف، بل القدرة على مواجهته. هاري بوتر لم يكن شجاعاً لأنه لا يخاف، بل لأنه استمر بالمضي قدماً رغم الخوف.
تُقارن المؤلفة هذا المبدأ بمواقف حياتية معاصرة: الخوف من التغيير، من فقدان الوظيفة، من العلاقات الفاشلة أو من الفشل الأكاديمي. وتطرح سؤالاً جوهرياً: “ما الذي كان سيفعله هاري بوتر لو كان في مكانك؟”، ما يجعل القارئ يعيد النظر في تصرفاته اليومية من منظور بطولي، دون أن يتنصل من إنسانيته.
الدرس الثاني: أهمية الصداقة والدعم الاجتماعي
يظهر في فصول متعددة تحليل عميق لقيمة الصداقة كما تجسدت في ثلاثي هوجورتس: هاري، رون، وهرميون. تعيد بورديه تعريف مفهوم الصداقة، بعيداً عن المجاملات والتفاعلات السطحية، إلى علاقات تُبنى على الثقة المتبادلة، الدعم في الأوقات العصيبة، وتحدي الذات من أجل الآخر.
وفي السياق المجتمعي، تحث المؤلفة على تكوين دوائر دعم حقيقية، حيث تقارن معركة هاري في “الوزارة” بدعم الأصدقاء لبعضهم في مواجهة القضايا المجتمعية مثل الظلم أو التحرش أو التمييز.
الدرس الثالث: التعلم من الماضي لا يعني العيش فيه
يشير عنوان الكتاب إلى أن الماضي يجب أن يكون مدرسة، لا سجناً. فكما واجه هاري الحقيقة المؤلمة حول والديه، وماضي فولدمورت، وتمكن من التحرر عبر الفهم والغفران، يجب على القارئ مواجهة ماضيه الخاص لا بمرارة، بل بحكمة.
تُبرز بورديه أن التصالح مع الألم، وعدم دفنه أو إنكاره، هو الخطوة الأولى للشفاء، وتستدعي في ذلك مشهد “مرآة إريسيد” التي تعكس أعمق رغبات النفس، مشيرة إلى أن من ينغمس فيها يُفقد ذاته.
الدرس الرابع: المقاومة كقيمة شخصية لا حزبية
في تحليلها لثيمة المقاومة في السلسلة، لا تنظر بورديه إلى المقاومة بوصفها صراعاً عسكرياً أو سياسياً فحسب، بل كقيمة داخلية: مقاومة الخنوع، مقاومة الظلم، مقاومة التراجع عن المبادئ.
تستدعي المؤلفة رمزية جماعة “جيش دمبلدور” كمجموعة من الأفراد الذين قرروا أن يكونوا جزءاً من الحل، لا المتفرجين على المشكلة. هذا الطرح يعيد تعريف دور الفرد في زمن التغيرات الكبرى، سواء في مجتمعه أو ذاته.
الدرس الخامس: الحب كمصدر قوة لا ضعف
واحدة من أقوى الركائز التي تبني عليها بورديه كتابها هي تلك الفكرة البسيطة التي قالتها أمه ليلي بوتر عندما ضحت بحياتها: “الحب يحمي.” تستعرض المؤلفة كيف تحول الحب من مفردة رومانسية إلى قيمة عليا تحمي المجتمعات، الأسر، وحتى الذات.
ترى بورديه أن الحب –سواء للعائلة، الأصدقاء، أو حتى المبدأ– هو الذي مكّن هاري من الانتصار في النهاية. لذا تدعو القارئ لإعادة التفكير في علاقاته، وفي مشاعره المكبوتة، وفي قدرته على التعبير عن الحب بشجاعة ووضوح.
توظيف هاري بوتر في العلاج النفسي والتعليم
أحد أكثر فصول الكتاب إبداعاً هو ما تسميه بورديه بـ “المقاربات العلاجية الهوجورتسية”، حيث تستعرض نماذج من استخدام عالم هاري بوتر في جلسات العلاج النفسي، مع الأطفال والكبار على حد سواء.
فمثلاً، يساعد الحديث عن “ديمنتورات” الأطفال على التعبير عن اكتئابهم أو مشاعر الخوف دون وصم، ويكون “تعويذة الباتروناس” أداة رمزية لإثارة القوى الداخلية. كما يُستخدم اختبار “القبعة المُصنّفة” لفهم ميول الشخص، أو كأداة لبناء الثقة.
كما تقترح المؤلفة أساليب لإدماج هاري بوتر في العملية التعليمية: كتوظيف قصصه لشرح مفاهيم العدالة، الهوية، الصداقة، والتنمر، مما يجعل التعليم أكثر تفاعلاً وإنسانية.
خاتمة: السحر ليس في العُصي بل في القلوب
لا يسعى هذا الكتاب لجعلنا نرتدي عباءات خفية أو نطير على المكانس، بل يريد أن يوقظ فينا القوة الكامنة التي لا تحتاج إلى تعاويذ. باستخدام قصة هاري بوتر، تبني المؤلفة جسراً بين الخيال والواقع، وتدعونا لأن نرى في أنفسنا أبطالاً قادرين على التغيير.
إنه كتاب يتحدث بلغة القلوب، ويعزز مفاهيم الشجاعة، والحكمة، والتعاطف، والمثابرة، والمرونة. وكل من قرأ السلسلة الشهيرة سيجد فيه مرآة جديدة، وكل من لم يقرأها من قبل سيجد دافعاً لأن يبدأ رحلته السحرية الخاصة.
اقتباسات بارزة من الكتاب:
- “البطل لا يولد من دون جراح، بل الجراح هي التي تصنع بطله.”
- “أصعب السجون تلك التي نصنعها داخل عقولنا.”
- “ليس المهم أن تتفوق على الآخرين، بل أن تتفوق على نفسك القديمة.”
لمعرفة المزيد: فكر وتصرف كأنك هاري بوتر: كيف نتعلم من الماضي لنواجه المستقبل بشجاعة وحكمة؟