فن تصميم المواقع الإلكترونية ومعايير تقويمها: قراءة تحليلية في كتاب د. عادل فهمي ود. مصطفى علوان

مقدمة
يشهد العالم اليوم ثورة رقمية متسارعة غيّرت طريقة تفاعل الإنسان مع المعرفة والاتصال والعمل. ومن بين أبرز مظاهر هذا التحول، أصبحت المواقع الإلكترونية نقطة الارتكاز الأساسية التي تعتمد عليها المؤسسات، والجامعات، والشركات، وحتى الأفراد لتقديم خدماتهم ومحتواهم، وتعزيز حضورهم في الفضاء الرقمي. وفي ظل هذا التوسع الهائل، لم يعد تصميم موقع إلكتروني مجرد عملية جمالية بصرية، وإنما أصبح علماً متكاملاً يتداخل فيه التفاعل الإنساني، التجربة الرقمية، المعايير التكنولوجية، وأسس التقييم الاحترافي.
ضمن هذا السياق يأتي كتاب “تصميم المواقع الإلكترونية ومعايير تقويمها على شبكة الإنترنت” للمؤلفَين د. عادل فهمي ود. مصطفى علوان، والصادر سنة 2023 عن وكالة الصحافة العربية. يحمل الكتاب أهمية واضحة كمرجع عربي حديث يسعى إلى تقديم إطار شامل يجمع بين الجوانب النظرية والعملية لتصميم المواقع الإلكترونية، ويوضح المعايير العلمية لتقويم جودة هذه المواقع في بيئة متطورة باستمرار.
يمتاز الكتاب بأنه لا يخاطب المتخصصين فقط، بل يلائم القرّاء من مختلف المستويات، من الطلبة والباحثين إلى العاملين في التصميم الرقمي، والمسؤولين عن مواقع المؤسسات، وحتى المهتمين ببناء حضور احترافي على الإنترنت.
أولاً: خلفية الكتاب وأهدافه
يركز المؤلفان في مقدمة الكتاب على ضرورة امتلاك رؤية واضحة عند تصميم المواقع، وعدم الاكتفاء بمهارات برمجية أو أدوات تصميم فقط. فالموقع الإلكتروني – بحسب ما يقدمانه – هو كيان وظيفي متعدد الأبعاد، يجب أن يخضع لمجموعة من المعايير لضمان كفاءته، مثل:
- وضوح الرسالة.
- سهولة الاستخدام.
- جودة المحتوى.
- التفاعل مع الجمهور.
- التصميم الجمالي المتوازن.
- المعايير التقنية الخاصة بالأمان والسرعة.
ويمثل الكتاب محاولة جادة لسد فجوة معرفية في المحتوى العربي، خصوصًا فيما يتعلق بمعايير تقويم المواقع، وهي نقطة كثيرًا ما يتم تجاهلها رغم أهميتها في ضمان استدامة الموقع ونجاحه.
يضع المؤلفان هدفين رئيسيين للعمل:
- تقديم إطار نظري متماسك حول تصميم المواقع الإلكترونية، يشمل الأسس المفاهيمية والتاريخ التطوري والاتجاهات الحديثة.
- وضع معايير تقييم موضوعية تساعد المنظمات والأفراد على الحكم الصحيح على جودة مواقعهم الإلكترونية.
ثانيًا: التصميم الإلكتروني بين النظرية والتطبيق
يتناول الكتاب في فصوله الأولى مفهوم التصميم الإلكتروني باعتباره مزيجًا بين الفن والعلم؛ فهو يعتمد على:
- الفن من حيث اختيار الألوان، وتوازن العناصر، وإنتاج واجهات جاذبة بصريًا.
- العلم من حيث هندسة المعلومات، قابلية الاستخدام، قواعد البرمجة، وسلوك المستخدم.
1. تطور تصميم المواقع
يعرض المؤلفان لمحة تاريخية حول تطور المواقع الإلكترونية منذ بدايات شبكة الويب في أوائل التسعينيات، حين كانت المواقع عبارة عن صفحات نصية بسيطة بلا صور تقريباً، وصولاً إلى العصر الحديث الذي يشهد:
- التصميم المرن (Responsive Design).
- الواجهات التفاعلية (UI/UX).
- المحتوى الديناميكي.
- التكامل مع الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث.
بفضل هذه التطورات، لم تعد المواقع مجرد منصات عرض، وإنما بيئات تفاعلية يمكن أن تحتوي على نظم تعليمية، منصات شراء، غرف اجتماعات افتراضية، ومراكز بيانات معرفية.
2. عناصر التصميم الأساسية
يُبرز الكتاب مجموعة من العناصر التي يجب مراعاتها لبناء موقع ناجح:
أولاً: المحتوى
المحتوى هو الركيزة الأساسية، ويجب أن يتصف بـ:
- الوضوح.
- الدقة.
- التدرج المنطقي.
- التوافق مع احتياجات الجمهور.
ثانيًا: التصميم البصري (Visual Design)
يشمل الاستخدام المتوازن لـ:
- الألوان
- الخطوط
- الصور
- المساحات البيضاء
- العناوين
- الرموز
ويوضح المؤلفان أن جمال التصميم ليس غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحسين الفهم وتسهيل التفاعل.
ثالثًا: البنية المعلوماتية (Information Architecture)
وهي الطريقة التي يتم بها تنظيم الصفحات وربطها، لتسهيل الوصول إلى المعلومات.
رابعًا: سهولة الاستخدام (Usability)
تشمل:
- وضوح القائمة
- بساطة الواجهة
- قابلية التعلّم
- سرعة الوصول إلى الهدف
وهي معايير تُعدّ اليوم أحد أهم ركائز نجاح المواقع.
ثالثًا: تقنيات بناء المواقع
يستعرض الكتاب التقنيات المستخدمة في التصميم، ويقدم نظرة مبسطة – لكن دقيقة – حول:
- HTML
- CSS
- JavaScript
- استخدام أنظمة إدارة المحتوى (CMS) مثل WordPress
- التطبيقات الخلفية (Back-end)
- تقنيات الويب الحديثة مثل Web APIs
ويتوقف المؤلفان عند الفرق بين المواقع الثابتة والديناميكية، ويضربان أمثلة عملية على كيفية اختيار التقنية المناسبة وفق الهدف من الموقع.
كما يتناولان قضية أصبحت أساسية اليوم: تحسين محركات البحث (SEO) كعامل مهم في فعالية الموقع وانتشاره.
رابعًا: معايير تقويم المواقع الإلكترونية
يعد هذا القسم قلب الكتاب ومحوره الأساسي، حيث يضع المؤلفان منظومة معايير دقيقة وموضوعية لتقييم جودة المواقع.
تقسم هذه المعايير إلى ثلاثة محاور رئيسية:
1. المعايير الشكلية (Form Criteria)
وتشمل عناصر التصميم البصري، مثل:
- دقة اختيار الألوان
- التناسق في الخطوط
- جماليات العرض
- استخدام الصور والرسوم
- سهولة القراءة
- تجنب التشويش البصري
يشدد الكتاب على ضرورة الاتساق بين الهوية البصرية للموقع ورسالة المؤسسة التي تقف وراءه.
2. المعايير الوظيفية (Functional Criteria)
تركز على:
- سهولة التنقل
- سرعة تحميل الصفحات
- استجابة الموقع على الهواتف
- تفاعل المستخدم مع الأزرار والقوائم
- جودة الروابط
- الاستقرار التقني
- أمان المستخدم والبيانات
هذه المعايير تعتبر الأكثر حساسية، لأنها تؤثر بشكل مباشر على تجربة المستخدم ورضاه، وبالتالي على معدل الزيارة والاستمرار في استخدام الموقع.
3. المعايير المعرفية (Cognitive Criteria)
وهي المعايير التي تتعلق بالمحتوى نفسه، ومن أهمها:
- أصالة المعلومات
- مصداقيتها
- خلوها من الأخطاء
- التوثيق
- القدرة على الإقناع
- التناسب بين مستوى المحتوى والفئات المستهدفة
يُظهِر الكتاب أن الموقع الناجح ليس هو الأكثر جمالاً فقط، بل هو الموقع الذي يحتوي على محتوى قيّم محكم التنظيم.
خامسًا: التطبيقات العملية للتقويم
بعد عرض المعايير، يقدم المؤلفان نماذج تطبيقية تساعد القارئ على استخدامها بشكل عملي. ومن أبرز الأمثلة:
- تقييم مواقع جامعية.
- تقييم مواقع إعلامية.
- تقييم مواقع تعليم إلكتروني.
- تقييم مواقع تجارية وشركات ناشئة.
تم تقسيم الأمثلة بحيث يرى القارئ كيفية تطبيق المعايير على أنواع مختلفة من المواقع، مما يعزز فهمه ويمنحه قدرة أكبر على إجراء تقييم مستقل.
كما يقدم الكتاب نماذج استقصاء (Questionnaires) يمكن استخدامها كأساس لجمع بيانات من المستخدمين أو المتخصصين حول فعالية الموقع.
سادسًا: أهمية الكتاب في السياق العربي
يمثل الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية لعدة أسباب:
1. شمولية الموضوع
نادرًا ما نجد كتابًا يجمع بين:
- الأسس النظرية
- أدوات التصميم
- المعايير القياسية
- التطبيقات العملية
ضمن إطار لغوي عربي علمي ودقيق.
2. سد الفجوة المعرفية
مع توسع المؤسسات العربية في بناء مواقع رقمية، أصبح من الضروري وجود دليل يساعد:
- المصممين
- المشرفين على المواقع
- الباحثين
- المؤسسات الحكومية
- الشركات الخاصة
على فهم أفضل لمعايير الجودة.
3. أسلوب مبسط وواضح
رغم شمولية المعلومات، يقدم الكتاب الأفكار بأسلوب سهل يستفيد منه المتخصص وغير المتخصص.
4. ارتباطه بالتطورات الحديثة
لم يكتفِ المؤلفان بمناقشة مفاهيم تقليدية، بل تطرقا إلى أحدث معايير التصميم، مثل:
- التصميم المتجاوب
- تجربة المستخدم UX
- معايير الوصول Accessibility
- تحسين الظهور في محركات البحث SEO
سابعًا: رؤية المؤلفَين حول مستقبل المواقع الإلكترونية
يختتم الكتاب بنظرة مستقبلية تبدو مهمة للغاية، حيث يتوقع المؤلفان أن يشهد تصميم المواقع تطورًا هائلًا بفعل:
- الذكاء الاصطناعي
- تقنيات الواقع المعزز
- الويب الدلالي (Semantic Web)
- الروبوتات الذكية المدمجة في المواقع
- التكامل بين التطبيقات السحابية والمواقع
ويشير المؤلفان إلى أن هذه التحولات لن تُضعف أهمية المواقع الإلكترونية كما يُشاع، بل ستجعلها أكثر تعقيدًا وتخصصًا، وستدفع المؤسسات إلى تطوير مواقع أكثر احترافية وديناميكية.
خاتمة
يمثل كتاب “تصميم المواقع الإلكترونية ومعايير تقويمها على شبكة الإنترنت” عملاً علميًا مهمًا ومتكاملاً، يثري المحتوى العربي في موضوع بالغ الحساسية والأهمية. لقد استطاع المؤلفان د. عادل فهمي ود. مصطفى علوان تقديم رؤية شاملة تجمع بين العمق العلمي والجانب العملي، وتفتح الباب أمام المصممين والباحثين لفهم أوسع للمواقع الإلكترونية وكيفية تطويرها وتقويمها باحترافية.
إن القيمة الحقيقية للكتاب لا تكمن فقط في المعلومات التي يقدمها، بل في قدرته على تغيير طريقة تفكير القارئ تجاه تصميم المواقع، وتحويله من مجرد نشاط تقني إلى عملية متكاملة تتداخل فيها الجوانب الجمالية والمعرفية والوظيفية. وهو كتاب يمكن أن يستفيد منه:
- العاملون في تكنولوجيا المعلومات
- مصممو الويب
- المشرفون على المواقع التعليمية
- الباحثون الأكاديميون
- الطلاب
- وكل من يسعى إلى بناء موقع إلكتروني ذي جودة عالية
ولا شك أن هذا الكتاب يشكل خطوة مهمة نحو بناء محتوى عربي رقمي محترف يواكب تطور العالم، ويمنح القارئ العربي الأدوات اللازمة للمنافسة في فضاء الإنترنت المتسارع.
لمعرفة المزيد: فن تصميم المواقع الإلكترونية ومعايير تقويمها: قراءة تحليلية في كتاب د. عادل فهمي ود. مصطفى علوان



