غير مصنف

قصة القاضي

كان كبير قوم يقضي بين الناس بالحق وكان مشهود له بالعدل ونشر الخير والإصلاح بين الناس، وكان له من أبنائه شاب لا يؤمن بقدرة أبيه على حل المعضلات الصعبة بين الناس، أراد هذا الشاب أن يختبر والده ليتأكد من مهارته وبراعته في القضاء بين الناس، فترك الشاب والده وخرج بين القبائل، يبحث عن رزقه في بلاد الله الواسعة، فاهتدى إلى بيت رجل متزوج من اثنتين ومكث عنده يعمل في الزراعة والحصاد، من غير أن يعلم أحد أنه ابن ذلك القاضي الشهير.

كان للزوجة الثانية طفل صغير، رزقها الله به بعد زمن طويل من الحرمان ولم تُرزق زوجته الأولى بالأبناء لأنها كانت عاقرًا، وكان بين الزوجتين تناحر وغيرة وشقاق، وفي يوم من الأيام أصرَّت الزوجة الأولى في نفسها مكيدة للزوجة الثانية، فهي تشعر بأن زوجها لا يحبها كما يحب الزوجة الثانية، وأن زوجها يميل إلى الثانية بسبب طفلها، أما هي فلا تملك أطفالًا وهكذا اشتعلت نيران الحقد في قلبها.

وفي حين غفلة وبينما كان الطفل الصغير يلهو فرحًا، اختطفته أيدي الزوجة الماكرة وألقت به في بئر للمياه فمات، كان ابن القاضي الذي يعمل في الزراعة عند زوجها، يرقب عن بُعد ما يحدث ولكنه لا يتمكن من الكلام، كما لم تشعر به الزوجة القاتلة، عندما فعلت فعلتها واجتمعت العشيرة وتباحثوا فيما بينهم عن سبب قتل الطفل ومن الذي يقف من وراء هذا الحدث الأليم المفزع واتجهت الأنظار صوب تلك المرأة ولكنهم لا يملكون دليلًا واحدًا ضدها، وأخيرًا اتهمها زوجها بأنها وراء قتل الطفل، أنكرت المرأة القاتلة بشدة وتدخلت عشيرتها وأصبحت كل عشيرة تتهم الأخرى أنها هي التي تقف وراء قتل الطفل، وكادت الحرب أن تقع بين العشيرتين وأخيرًا اتفق الجميع على القضاء العشائري ليحكم بينهم.

أجمع الحاضرون على التقاضي عند شيخ العشيرة الشهير والمشهود له بنزاهته ونقائه وبراعته في القضاء بين الناس، إنه القاضي أب العامل الذي يعمل عندهم في المزرعة وهم لا يعلمون أن هذا العامل هو ابن ذلك القاضي، كان العامل يجلس قريبًا منهم، يراقب ويستمع لما يدور من هنا وهناك وقال في نفسه: إنني تركت والدي لأنني لا أثق بقدرته على حل المعضلات الصعبة والآن تشهد له الناس بالخير والنزاهة والذكاء، فهذه واحدة بحق أبي ولأنتظر الثانية، ذهب الجميع إلى القاضي وبينهم ابنه الذي كان متخفيًا بلثام واعتبر أن هذه فرصة قوية لاختبار والده في حل المعضلات الصعبة بين الناس، بدأ الحاضرون يقصّون للقاضي ما حدث بشأن الطفل المغدور، وابنه يستمع باهتمام كبير وينتظر حكم والده.

بعد أن أنهى الجميع كلامهم، قال القاضي للزوجة الثانية أمّ الطفل: اعرف أنك لم تقتلي الطفل وأنك أمه الرؤوفة الطيبة ولكنني أريد منك طلبًا واحدًا فقط، سوف يَثبُت من خلاله براءتك أمام العشائر، قالت له وما هو؟ قال لها: أريد منك أن ترفعي ثوبك عن ساقيك أمام جميع الحاضرين، ثم تمشي من أمامنا خمسين مترًا، صرخت المرأة في وجهه غاضبة مقسمة، أن لو مات العرب جميعهم وعن بكرة أبيهم ما فعلْت ما يطلبه منها.

توجه القاضي إلى الزوجة الأولى التي قتلت الطفل وطلب منها ما طلبه من الثانية، فقالت له: أرفع ثوبي وأثبت براءتي بإظهار الساقين الاثنتين وليست الساق الواحدة، عندئذ أصدر القاضي حكمه أمام جميع الحاضرين قائلًا: أنت التي قتلت الطفل وفجأة وأمام الجميع، كشف ابن القاضي اللثام عن نفسه ووقف قائلًا بأعلى صوته: أشهد يا أبي بأنك القاضي الحق النزيه، شهد العرب لك ببراعتك وبعدلك وبحسن تصرفك، فقد رأيتها بعيني تلقي بالطفل في بئر للمياه.

 

 

[المصدر: موقع رائج]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى