قصة مثل جنت على نفسها براقش
جاء في معاجم اللغة، أن بِراقش بكسر القاف، كلبة ضُرب بها المثل في الشؤم على قومها، فقيل: “على أهلها جنت براقش”، و”براقش” مشتقة من البرقشة وهو التزين بألوان شتى مختلفة، ولهذه المقولة الشهيرة ثلاث صيغ، يقول المؤرخ والأديب الإماراتي جمال بن حويرب: نقلت كتب الأمثال القديمة عدة روايات لهذا المثل، فمنهم من روى: “على نفسها تجني براقش” وهذه الرواية الأكثر شهرة بين الناس، وهناك رواية أخرى وهو قولهم: “على أهلها جنت براقش”، وهي مشهورة أيضًا، ولكن أقل شهرة من الرواية الأولى، والثالثة هي: “على أهلها دلت براقش” وهي بمعنى الثانية؛ ولكنها الأقرب للصحة وقد رواه الجاحظ وغيره.
الحكاية الأولى
والقصة حسب الرواية الأولى تعود لكلبة كانت تسمى “براقش”، وكانت تعيش في قرية صغيرة تحرسها وتحرس المساكن من اللصوص والأعداء، فكانت الكلبة تقوم بالنباح كلما اقترب العدو لتحذير أهل القرية. وفي إحدى المرات، هاجم أعداء أشداء القرية؛ فقامت براقش كعادتها بالنباح لتحذير أهل القرية للخروج من مساكنهم والاختباء.
وبالفعل هذا ما حدث؛ فقد كان العدو أكثر قوةً من أهل القرية؛ مما دفعهم للخروج من المنازل والاختباء في مغارة قريبة حتى يخرج العدو من قريتهم.
بحث الأعداء عن أهل القرية دون جدوى. وعندما هموا بالخروج من القرية، نبحت الكلبة براقش فرحًا بخروجهم من قريتهم وسلامة أهل القرية، وعلى الرغم من محاولة صاحب الكلبة إسكاتها، إلا أن العدو انتبه إلى نباح الكلبة، وهاجم المغارة، واستباح أهل القرية فقتل منهم الكثير، كما قاموا بقتل الكلبة براقش، وقال حمزة بن بيض:
لم تكن عن جناية لحقتني لا يساري ولا يميني رمتني
بل جناها أخ عليّ كريم وعلى أهلها براقش تجني
الحكاية الثانية
وفي كتاب “مجمع الأمثال” لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني، روى يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء قال: براقش هي امرأة كانت لبعض الملوك (زوجة ملك)، فسافر الملك واستخلفها، وكان لهم موضع إذا فزعوا دخنوا فيه.
فإذا أبصره الجند اجتمعوا (أي إذا رأى الجنود الدخان أسرعوا لنجدة مَن بالحصن)، وإن جواريها عبثن ليلةً فدخنَّ فجاء الجند، فلما اجتمعوا قال لها نصحاؤها: “إنك إن رددتهم (الجند) ولم تستعمليهم في شيء (أي لم تطلبي منهم عمل شيء) ودخنتهم مرةً أخرى لم يأتك منهم أحد (لن يستجيبوا مرة أخرى)”، فأمرتهم (المرأة) فبنوا بناءً دون دارها، فلما جاء الملك سأل عن البناء فأخبروه بالقصة، فقال: على أهلها تجني براقش، (أي أنها من تسببت بهذا البناء)، فصارت مثلًا.
وروي أيضًا، أن “براقش” اسم امرأة وهي ابنة ملك قديم خرج إلى بعض حروبه واستخلفها على مملكته، فأشار عليها بعض وزرائها أن تبني بناء تُذكر به؛ فبنت موضعين يقال لهما “براقش ومعين”، فلما قدم أبوها قال لها: أردت أن يكون الذكر لك دوني (أي أردت إنشاء مبنى يذكرك به الناس دون أن يذكروني)؛ فأمر الصناع الذين بنوْهما بأن يهدموها (غيرة منه)، فقالت العرب: “على أهلها تجني براقش”.
الحكاية الثالثة
وروى غيره: أن “براقش” امرأة لقمان بن عاد (وهو ليس لقمان الحكيم الذي جاء ذكره في القرآن الكريم)، وكان بنو أبيه لا يأكلون لحوم الإبل، فنزل لقمان على بني أبيها (والد زوجته)، فأولموا ونحروا جزورًا إكرامًا له، فراحت براقش بشيء من لحم الجزور، فأكل لقمان منه، فقال: ما هذا؟ ما أكلت مثله قط، فقالت: هذا من لحم جزور، قال: أَوَلحوم الإبل كلها هكذا في الطيب؟ قالت: نعم، ثم قالت له: جملنا واجتمل (أي أطعمنا وأطعم نفسك من لحوم الإبل)، وكانت براقش أكثر أهلها إبلًا، فأقبل لقمان على نحر وتناول لحوم إبلها وإبل قومها؛ فأشرع فيها، وفعل ذلك بنو أبيه، فقيل: “على أهلها تجني براقش” فصارت مثلًا.
المصدر: موقع صحيفة سبق الإلكترونية