كتب

كارثة فلسطين العظمى – فخري البارودي قراءة تحليلية في واحد من أجرأ كتب ما بعد النكبة

 

يُعد كتاب “كارثة فلسطين العظمى” للكاتب والمناضل السوري فخري البارودي من أوائل الكتب التي حاولت تشريح نكبة عام 1948 بأسلوب نقدي داخلي جريء، بعيداً عن المبالغات العاطفية والخطابات الدعائية التي غلبت على أدبيات تلك المرحلة. صدر الكتاب عام 1950، في وقت كانت فيه الصدمة لا تزال ماثلة، واللاجئون يعانون، والوجدان العربي يعيش حالة من الانكسار الجماعي.

البارودي، وهو أحد الرموز الوطنية في سوريا، لم يكتفِ بتوثيق ما حدث، بل سعى لقراءة الأسباب العميقة وراء الهزيمة، مشيراً بأصابع الاتهام إلى الداخل العربي، أكثر مما ألقاها على “المؤامرة الدولية” أو “الخيانة البريطانية” أو “العدوان الصهيوني” فقط، وإن لم يُغفل هذه الجوانب.

 

من هو فخري البارودي؟

فخري البارودي (1887 – 1966) شخصية متعددة الأبعاد: مناضل، سياسي، مثقف، موسيقي، وشاعر. وُلد في دمشق، وتعلّم في مدارسها، وكان من أوائل من دعموا الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين. ساهم في تأسيس الكتلة الوطنية السورية، وانتُخب نائباً في البرلمان السوري. كما كان من أوائل الذين فهموا أهمية الإعلام والفن في خدمة القضايا الوطنية، فكتب الأغاني الوطنية، ودعم الموسيقى العربية الحديثة، وكان صديقاً لعدد من روّاد النهضة الأدبية والفكرية.

 

فصول الكتاب وأبرز محاوره

يتضمن كتاب “كارثة فلسطين العظمى” قسمين أساسيين:

  1. تحليل الكارثة
    يتناول فيه الكاتب العوامل التي أدت إلى النكبة، من سوء التخطيط، إلى غياب الوحدة العربية، إلى ضعف التسليح وانعدام القيادة الموحدة. كما ينتقد الغرور الذي سيطر على بعض القادة العرب الذين ظنوا أن المعركة ستكون “نزهة”.
  2. وصيتي الأخيرة
    وهي رسالة موجّهة إلى الشباب العربي، يحثهم فيها على استيعاب دروس الهزيمة، ويطالبهم بالعلم، واليقظة، وعدم الاتكال على الغرب، بل الاعتماد على الذات والعمل الجماعي، والمقاطعة الاقتصادية للعدو.

 

أبرز أفكار الكتاب

  • نقد الذات العربية
    يرى البارودي أن أول الطريق نحو النهوض يبدأ من الاعتراف بالأخطاء. لم يكن العرب على قدر المسؤولية حين احتدمت المواجهة، بل دخلوا الحرب بتهور، دون إعداد حقيقي. كما ينتقد الصراعات بين الزعامات، والتشتت الإعلامي، وضعف الوعي الشعبي.
  • الإعلام كسلاح فعال
    يشير الكاتب إلى أن الصهاينة نجحوا في كسب الرأي العام الغربي، عبر إعلام قوي ومنظم. في المقابل، لم يكن للعرب أي خطة إعلامية متماسكة. كان صوتهم خافتاً، ويعتمد على الإنشاء لا على الحقائق.
  • دعوة إلى المقاطعة
    في مشهد استشرافي، يدعو البارودي إلى مقاطعة المنتجات الصهيونية والدول الداعمة لإسرائيل. يرى أن المقاطعة الاقتصادية أداة فعالة، لا تقل أهمية عن البندقية.
  • دور الشباب
    يوجه الكاتب نداءه إلى الشباب العربي، ويصفهم بأنهم “العدّة والعدة” في معركة التحرير. يدعوهم للعلم والعمل، وتحقيق التقدم التقني، والتخلي عن الاتكال على الحكومات فقط.

 

أسلوب الكتاب ولغته

يتميّز الأسلوب بالبساطة والوضوح، وإن لم يخلُ من السخرية اللاذعة في بعض المواضع. يعمد البارودي إلى استخدام لغة مباشرة، فيها عتاب وصدق، تشعر أن الكاتب يكتب من قلبه، دون تصنع أو مواربة. كما تكثر فيه الإحالات التاريخية، والأمثلة من واقع الهزيمة، بأسلوب قصصي محكم.

 

لماذا يُعد الكتاب وثيقة مهمة؟

لأن البارودي كان شاهد عيان على مرحلة تأسيسية من تاريخ المشرق العربي، وقد كتب بلغة من عاش الحدث، لا من قرأ عنه. ولأنه يُجسد محاولة مبكرة لتفكيك الخطاب البطولي المزيّف الذي أعاق فهم الأسباب الحقيقية للنكبة.

 

أصداء الكتاب لاحقاً

رغم مرور أكثر من 70 عاماً على صدور الكتاب، إلا أن أفكاره لا تزال صالحة، بل وكأنها كُتبت اليوم. كثير من المثقفين العرب أعادوا قراءته لاحقاً، واعتبروه من النصوص المؤسسة لتيار “النقد الذاتي” في الفكر العربي الحديث. وقد ألهمت بعض فصوله مفكرين مثل هشام شرابي وياسين الحافظ في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

 

خاتمة

كتاب “كارثة فلسطين العظمى” ليس فقط تأريخاً لنكبة 1948، بل هو مرآة جريئة كُتب فيها الكثير من المسكوت عنه. إنه صوت الضمير العربي في لحظة انكسار، وصيحة تحذير سبقت عصرها، ودعوة حارة لمراجعة الذات. ورغم مرور الزمن، فإن النداء الذي أطلقه فخري البارودي في نهاية كتابه ما زال يتردد حتى اليوم:

إذا لم نُحسن التعلم من الهزائم، فسنكررها مرة بعد مرة، حتى نصحو ونحن بلا أرض ولا هوية.

 

لمعرفة المزيد: كارثة فلسطين العظمى – فخري البارودي
قراءة تحليلية في واحد من أجرأ كتب ما بعد النكبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى