كتب

«كما في القاموس»: رحلة في معنى الإنسان واللغة كما يراها الفريد سانت

 

ملخّص عام للكتاب

يبدو أن «كما في القاموس» يتناول تأملاً إنسانياً في اللغة والوجود، في الحقل اليومي للإنسان: كيف نعيش، كيف نشعر، كيف نتفاعل مع العالم الخارجي والداخلي، وكيف تصبح الكلمات – أو ربما «القاموس» – مرآة أو خزاناً للمعاني التي نعيشها أو لا نعيها. يقول الكاتب في إحدى المقدمات أو في نصّ من الكتاب إننا نقف على قدمين، نتنفس الهواء، نشعر بالسعادة أو الحزن، دون أن نعلم حقاً سبب ذلك. وهذا الشعور بالتساؤل العميق يدور حوله النصّ.

بشكل عام، الكتاب ليس رواية بمعناها التقليدي (على الأقل حسب المعلومات المتاحة)، وإنما عمل أدبي تأملي – ربما مزيج بين القصة القصيرة، الذكرى، الانفصال عن الذات، العلاقة بين الإنسان واللغة والبيئة. يظهر من وصفه أنه يحكي عن شخصيات أو ذكريات: «كانوا ثلاثة: أنجلو ونيكي وصديقتهما ابنة الجيران. كانت اسمها مارييلا، أو ربما أنتونيلا. كانت شقية…»

إذًا، ثمة عنصر قصصي في بداية الكتاب، ثم ينتقل إلى تأملات أوسع عن الحياة، اللغة، الهوية، الذاكرة. عنوان الفرع الذي استُشهد به: «كما في القاموس» يوحي بأن كل كلمة في هذا «القاموس» – أي مخزوننا اللغوي والوجداني – تحمل حكاية، تحمل معنى، تحمل ربما مرآة لما نعيه وما لا نعيه.

تحليل محاور ومضامین الكتاب

سنحاول تقسيم الكتاب إلى محاور رئيسية، مع تحليل لكل منها:

1. محور اللغة والمعنى

العنوان «كما في القاموس» مباشرة يُشير إلى العلاقة بين اللغة والقاموس – أي بين الكلمة ومعناها/تاريخها. القاموس يُعدّ مرجعاً للكلمات، والمعاني، وربما أيضاً للعالم الداخلي والخارجي للإنسان.

الكتاب يبدأ بتساؤل عن الحالة الإنسانية: لماذا نكون هكذا؟ وهذا يقود إلى أن الكلمات ليست مجرد رموز بل هي جسور نحو الفهم – للسعادة، الحزن، الوجود.
اللغة هنا تُعامَل كبيئة للوعي، وكمرآة للعالم، وكخزان للذاكرة. كذلك، عبر السرد يتطرق الكاتب إلى مشاهد حياتية صغيرة (حديقة، برج، غدير ماء) تعكس أسئلة كبيرة – وهذا يعكس كيف أن اللغة تحاول أن تسعّ كل شيء.

2. محور الذاكرة والهوية

من المشاهد القصصية التي ذُكِرت (أنجلو، نيكي، مارييلا/أنتونيلا) يبدو أن هناك حكاية طفل أو مراهقة، علاقات بسيطة لكن مفعمة بدلالات أكبر: الشوق، المشاركة، التفوق، التغيّر. من هذا المحور يمكن القول إن الكاتب يتناول كيف تشكّل الذكريات – اللغة، المشهد، الإحساس – هويتنا، وكيف تؤثر العلاقات الصغيرة في تكويننا كأشخاص.

العودة إلى الماضي، التساؤل عن سبب سعادتنا أو تعاستنا، هذا كله يُعني بأن الهوية ليست ثابتة، بل مرتبطة بالكلمات، بالمكان، بالزمن، بالآخرين.

3. محور العلاقة بالبيئة والمكان

في النصّ المقتبس: «نغمرنا السعادة … أسفل البرج الأيسر لقلعة سلافية، أو يعترينا الحزن الذي يفيض في غدير الماء المظلم في الفناء الكبير لنفس القلعة». هذه الجملة تستحضر المكان كعامل فاعل في الإحساس، في الذاكرة، في اللغة. القلعة، البرج، الحديقة، الغدير – كلها رموز مرتبطة بالزمان والمكان والمشاعر.

إذًا، الكاتب يُولي اهتماماً بالعلاقة بين الإنسان والمكان، بل إن المكان يصبح خزاناً أو محفّزاً للمعنى. اللغة تحاول أن تستوعب ذلك من خلال وصف المشاهد، من خلال الكلمة التي تستدعي الصورة والشعور.

4. محور التساؤل الفلسفي والوجودي

السؤال: «لماذا نحن هكذا؟» «لا نعلم حقاً سبب سعادتنا أو تعاستنا؟» هذا لبّ الرواية أو النصّ: الإنسان بقدومه، تنفسه، وقوفه، سعادته، حزنه – كلها أفعال بسيطة لكنّها مفعمة بالغموض. الكاتب لا يقدّم إجابات جاهزة، بل يدعو إلى التأمّل، إلى اللغة التي تحاول أن تصوغ المعنى، إلى القاموس الداخلي الذي يحتوي تجاربنا.

لغة التأمل هذه تجعل الكتاب يتجاوز القصة أو الحكاية إلى حالة من الوعي: الوعي بالذات، بالآخر، بالبيئة المحيطة، وبالكلمات التي تشكّلنا وتشكل واقعنا.

5. محور السرد القصصي والشخصيات

رغم أن النص يبدو تأملياً أكثر من كونه سرداً محضاً، إلا أن وجود شخصيات مثل أنجلو ونيكي ومارييلا يقدّم عنصراً قصصياً. هذه الشخصيات تمهّد للقارئ إلى الدخول في عالم خاص، ثم الكتاب يتوسع ليشمل الأسئلة الأوسع. هذه التقنية تجعل النص متيناً: البداية بقصة بسيطة تجذب الانتباه، ثم الانتقال إلى تأملات أوسع.

موضوعات بارزة

فيما يلي بعض الموضوعات التي يمكن أن نراها بارزة في الكتاب:

  • الطفولة والولادة والهوية: من الشخصيات التي ذُكِرت، نرى طفلين وصديقتهما، ومع هذا الطفل/الصديقة، نشاهد كيف يبدأ الإنسان أن يعيش، أن يشعر، أن يسعى.
  • اللغة كمنزل للوجود: القاموس ليس فقط للمعاني، بل للوجود. الكلمات التي نستخدمها، التي نفكر بها، التي نشعر بها، تُعدّ «قاموساً» معنا – داخلياً وخارجياً.
  • المكان والزمان كعوامل تشكّل المعنى: الحديقة، البرج الأيسر، القلعة، الغدير المائي، الفناء الكبير… كلها رموز تعبيرية.
  • السعادة والحزن بوصفهما حالات متجددة: الكاتب يسأل لماذا نشعر بالسعادة أو الحزن، ولا يكتفي بوصفها، بل يبحث في لماذا نشعر بها، ما هي الكلمة أو المشهد الذي يحفّزها؟
  • العلاقة بالآخر: المشاركة والمشاعر والملاحقة: مارييلا «كانت معجبة» بـ نيكي، كانت «تنفذ» ما يقوله أنجلو… هذه العلاقات الصغيرة تدلّ على ديناميكية اجتماعية/نفسية، لكنها أيضاً بوابة لفهم الذات.
  • التأمل في اللغة والذات: كيف تصنع الكلمات هويتنا؟ كيف نستخدم اللغة للتأقلم مع العالم؟ كيف القاموس الداخلي – أي الكلمات والمشاعر والمشاهد – يشكّل تجربتنا؟

منهج الكاتب وأسلوبه السردي

من الواضح أن الفريد سانت يستخدم أسلوباً أدبياً تأملياً أكثر مما هو سردي تقليدي. هناك مزيج بين السرد القصصي والوصف الشعوري والمشاهد التصويرية. فمثلاً: «كانت شقية… مستعدة دائما لمشاركتهما في كل ما يفعلانه.»

الأسلوب يبدو بسيطاً في تركيب الجمل، لكن عميقاً في الدلالة. الكاتب لا يغرق في التعقيد اللغوي، بل يُقدّم عباراته بطريقة تشدّ القارئ إلى التأمل. يبدأ بمشهد بسيط – حديقة، برج، طفل – ثم ينتقل إلى سؤال وجودي. هذه التقنية تجعل النص مفتوحاً للتأويل: كل قارئ يمكن أن يرى في «الحديقة في أشعة الشمس» ما يشاء، وفي «غدير الماء المظلم» ما يخشاه أو يفكّر فيه.

من حيث المنهج: يبدو أن الكاتب لا يسعى إلى رواية أحداث ضخمة أو شخصيات معقّدة متنوعة، بل يركّز على مساحة صغيرة (ثلاثة أشخاص، مكان محدد) ثم يعمّم التجربة، يجعلها نافذة على الحياة ككل. بهذا، يحوّل البسيط إلى عميق.

اللغة في الكتاب تُوظّف الصور والمجاز: البرج الأيسر للقّاعة، الغدير المائي المظلم، الفناء الكبير… هذه العناصر تضيف بعداً شعرياً للنص، تجعل القارئ ليس مجرد متلقٍ، بل مشارك في بناء الصورة والمعنى.

أثر الكتاب وإمكاناته، نقد وإيجابيات

الإيجابيات

  • إثارة التأمل والوعي: الكتاب يدعو القارئ إلى أن يتوقّف، يتساءل، يعيد النظر في تجاربه، في كلماته، في المكان الذي يعيش فيه. وهذا أمر مهم في زمن السرعة والانشغال.
  • لغة أدبية متوازنة: ليست مفرطة في التجميل، لكنها تستدعي الإحساس والمشهد والمعنى.
  • دمج بين القصة الصغيرة والتأمل الكبير: من خلال شخصيات بسيطة، يدخل القارئ في عالم أعمق، ما يسهّل الوصول إلى الفكرة دون أن يكون مرهقاً.
  • موضوعات إنسانية عامة: السعادة، الحزن، الهوية، اللغة، المكان – موضوعات يشترك فيها الكثير من الناس، مما يجعل الكتاب مناسباً لجمهور واسع.

الإمكانات

  • يمكن أن يكون الكتاب مادة جيدة للنقاش الفكري أو الأدبي: يمكن قراءة مشاهد معينة ثم مناقشة كيف ترتبط اللغة بالمعنى، كيف تشكّل الكلمات هويتنا، أو كيف يسعى الإنسان لفهم نفسه.
  • مناسب لمن يحبّ الأدب المتأمّل أو الأدب الذي يتجاوز الحكاية لتصل إلى التأمل في الوجود.
  • يمكن أن يُستخدم في دراسات اجتماعية أو نفسية، لدراسة العلاقة بين الإنسان واللغة والمكان والذاكرة.

بعض الملاحظات/النقد

  • قد يشعر بعض القرّاء بأن الكتاب بطيء أو لا يحتوي على حبكة درامية قوية (إذا كانوا يتوقّعون رواية مشوّقة). فمن الواضح أن التركيز ليس على الحدث بل على التأمل، وهو ما قد لا يناسب الجميع.
  • لعدم وجود معلومات كثيرة متوفّرة عن تفاصيل النصّ (من حيث الفصول، البنية الداخلية، عدد الشخصيات الكبير) – قد يحتاج القارئ إلى قبول طبيعة العمل التأملي.
  • بعض القرّاء قد يرغبون في توسيع الجانب القصصي أو الحواري أكثر، لكن هنا الوظيفة مختلفة: اللغة والمشهد والمعنى تأتي في الصدارة.

توصيات للقارئ

  • إذا كنت من القرّاء الذين يحبّون أن يتوقّفوا عند كلمة، عند مشهد، عند شعور، فهذا الكتاب قد يكون مناسباً لك.
  • أنصحك بقراءته ببطء، ربما تفصل بين فصوله عدة أيام، حتى تستطيع استيعاب التأمل، تفتح «القاموس الداخلي» الخاص بك – الكلمات التي تهمّك، المشاهد التي تصبو إليها، المشاعر التي لم تضع لها كلمة بعد.
  • لا تقارنه بروايات الحركة العالية أو التشويق – بل بكتاب تأمّلي، أدبي، يبحث في العلاقة بين الإنسان واللغة والمكان.
  • حاول أثناء القراءة أن تحتفظ بمفكرة صغيرة: كلمة لفتتك، مشهد أثار فيك شعوراً، سؤالاً طرَأ في ذهنك، ثم عد لاحقاً وراجع كيف تغيّرت نظرتك إليه.

خاتمة

«كما في القاموس» للفريد سانت هو عمل أدبي يحمل في ثناياه مساحة تأمل واسعة: عن اللغة، عن المعنى، عن الإنسان، عن المكان، عن العلاقة بين الكلمات وتجاربنا الحياتية. من خلال شخصيات بسيطة ومشاهد يومية، يفتح الكاتب نافذة إلى الأسئلة الكبيرة: لماذا نشعر؟ لماذا نعيش؟ ما علاقة الكلمات بهذا الشعور؟ ما علاقة المكان بهويتنا؟

الكتاب ليس دعوة لإجابة نهائية، بل دعوة إلى التساؤل. كثيرة هي الكتب التي تعطينا الحبكة، الأحداث، النهاية، و«الحل». أما هذا الكتاب، فهو يشدّنا إلى منتصف الطريق – لنجلس، نفكّر، نسترجع، ونرى كمّاً كبيراً من «القاموس» الداخلي الذي نحمله معنا ويغدو مرآةً للحياة.

إن كنت ترغب في تحليل تفصيلي للفصول واحداً تلو الآخر، أو اقتباسات مميزة، أو ربطه بكتب أخرى أو مدارس أدبية مشابهة، يسعدني أن أوفر ذلك أيضاً.

 

لمعرفة المزيد: «كما في القاموس»: رحلة في معنى الإنسان واللغة كما يراها الفريد سانت

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى