كيف تنمي ذكاءك وتزيد من قدراتك العقلية؟ قراءة تحليلية في كتاب عبدالجبار أحمد عبدالجبار

مقدمة: كتاب يلامس حاجة كل إنسان
في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتزداد فيه التحديات الفكرية والمهنية، أصبح تطوير القدرات العقلية والذهنية ضرورة ملحّة وليست ترفاً فكرياً. ومن بين الكتب العربية الحديثة التي تناولت هذا الموضوع بعمق وبأسلوب مبسط، يبرز كتاب “كيف تنمي ذكاءك؟ وتزيد من قدراتك العقلية؟” للمؤلف عبدالجبار أحمد عبدالجبار، الصادر عام 2023.
يقدّم هذا الكتاب رؤية متكاملة لفهم الذكاء باعتباره ليس مجرد موهبة فطرية، بل قدرة قابلة للتطوير والتعزيز عبر التدريب، العادات الذهنية، والممارسة المستمرة. ومن خلال صفحاته، يسعى المؤلف إلى الإجابة عن سؤال جوهري يشغل الأذهان: هل الذكاء ثابت لا يتغير؟ أم أنه طاقة يمكن أن تتوسع وتتنامى مع الجهد والإصرار؟
أولاً: الذكاء بين الفطرة والاكتساب
يرى عبدالجبار أن الذكاء ليس قالباً جامداً يولد به الإنسان ثم يمضي به إلى آخر حياته، بل هو مزيج من القدرات الموروثة والعوامل المكتسبة التي يمكن صقلها عبر التعلم والتجارب.
- الطفل المولود يتمتع بقدرات عقلية أولية أشبه بالبذور.
- البيئة، التعليم، والجهد الشخصي هي التربة والماء التي تسمح لهذه البذور بالنمو.
- غياب التحفيز العقلي يؤدي إلى خمول القدرات، مهما كانت الجينات قوية.
وهنا يكسر المؤلف الصورة النمطية التي تجعل من الذكاء قدراً محتوماً لا فكاك منه، ليمنح القارئ الأمل بأن كل إنسان قادر على تحسين مستوى ذكائه عبر أساليب عملية.
ثانياً: العادات الذهنية التي تفتح أبواب الذكاء
من أبرز محاور الكتاب أن الذكاء يتغذى على العادات. فالدماغ أشبه بعضلة تحتاج إلى تمرين دائم. يورد المؤلف عدداً من الاستراتيجيات:
- القراءة المتنوعة
- ليست مجرد هواية، بل غذاء أساسي للفكر.
- قراءة كتب في مجالات مختلفة توسّع المدارك وتزيد من مرونة التفكير.
- طرح الأسئلة
- الذكاء يبدأ بالسؤال: لماذا؟ وكيف؟ وماذا لو؟
- تنمية حب الاستطلاع يدفع العقل لابتكار حلول غير مألوفة.
- التفكير النقدي
- عدم الاكتفاء بالمعلومة الجاهزة.
- التحقق من مصادرها، ومقارنتها بوجهات نظر أخرى.
- التأمل والمراجعة
- التوقف للتفكير في ما تم تعلمه.
- ربط المعارف الجديدة بالخبرات السابقة.
- الانفتاح على التجارب
- السفر، التعرف على ثقافات جديدة، ممارسة هوايات غير مألوفة.
- هذه كلها تجارب توسّع أفق الذكاء العملي والاجتماعي.
ثالثاً: الذكاء مثل العضلة – قابل للتدريب
يشدد المؤلف على أن الدماغ يتطور كلما درّبناه على التفكير بطرق جديدة. وهنا يقدّم بعض التمارين العملية:
- حل الألغاز والكلمات المتقاطعة: لتنشيط الذاكرة والقدرة على الربط.
- تعلّم لغة جديدة: يعزز المرونة العصبية ويزيد القدرة على التفكير بطرق مختلفة.
- ممارسة الرياضة: فالجسد السليم ينعكس مباشرة على نشاط المخ.
- التدريب على التركيز: عبر تمارين التنفس والتأمل، مما يقوي الانتباه ويقلل التشتت.
هذه التمارين – وإن بدت بسيطة – إلا أن أثرها تراكمي وعميق على قدرات الدماغ.
رابعاً: الذكاء العاطفي والاجتماعي
لا يقتصر الذكاء على حل المعادلات أو التفوق الأكاديمي. يخصص عبدالجبار فصلاً كاملاً للذكاء العاطفي والاجتماعي:
- الوعي بالذات: أن يفهم الفرد مشاعره ودوافعه.
- إدارة الانفعالات: التحكم في الغضب والاندفاع.
- التعاطف: القدرة على قراءة مشاعر الآخرين.
- التواصل الفعّال: التعبير عن الأفكار والمشاعر بوضوح.
فالذكاء العاطفي هو الذي يمنح الإنسان القدرة على النجاح في العلاقات والعمل، أكثر مما يمنحه معدل الذكاء التقليدي (IQ).
خامساً: الجانب العلمي – الدماغ كيان قابل للتشكيل
يدعم المؤلف أفكاره بأبحاث في علم الأعصاب الحديث، موضحاً أن الدماغ يتمتع بقدرة تسمى المرونة العصبية (Neuroplasticity).
- أي أن الدماغ يعيد تشكيل شبكاته العصبية استجابة للتجارب والتعلم.
- هذا يفسر كيف يمكن للإنسان أن يتعلم مهارات جديدة في أي عمر.
- كما يوضح أن التكرار والتمرين يصنعان مسارات عصبية أقوى.
وبذلك يطمئن القارئ أن الأوان لم يفت أياً كان عمره، وأن الذكاء يمكن تعزيزه حتى في مراحل متقدمة من الحياة.
سادساً: تطبيقات عملية في الحياة اليومية
لا يقف الكتاب عند التنظير، بل يطرح نماذج حياتية:
- الموظف الذي يطور مهاراته في حل المشكلات يصبح أكثر قيمة في شركته.
- الطالب الذي يدرب ذاكرته على استراتيجيات التلخيص والربط يتفوق على من يعتمد على الحفظ الآلي.
- رب الأسرة الذي يقرأ ويشارك أبناءه في الحوار يغرس فيهم حب المعرفة.
هذه الأمثلة تجعل القارئ يشعر أن الذكاء ليس علماً نخبوياً، بل ممارسة يومية في متناول الجميع.
سابعاً: إدارة الوقت كطريق إلى الذكاء
يولي المؤلف أهمية كبيرة لتنظيم الوقت، باعتباره شرطاً لازماً لتنمية القدرات العقلية.
- التسويف عدو الذكاء لأنه يبدد الطاقة الذهنية.
- وضع خطة يومية وجدول واضح يزيد الإنتاجية ويمنح العقل مجالاً للإبداع.
- تخصيص أوقات للراحة ضروري لتجديد النشاط العقلي.
ثامناً: الصحة العقلية والذكاء
يبرز الكتاب العلاقة الوثيقة بين الصحة النفسية ونمو القدرات العقلية:
- التوتر المزمن يضعف التركيز ويقتل الإبداع.
- النوم الكافي يعزز الذاكرة ويعيد تنظيم المعلومات.
- الغذاء الصحي الغني بالأوميغا 3 والفيتامينات يدعم وظائف الدماغ.
وهكذا يُظهر عبدالجبار أن الذكاء ليس مجرد مهارة عقلية منعزلة، بل منظومة متكاملة تشمل الجسد والنفس والبيئة.
تاسعاً: الذكاء والنجاح في الحياة
يطرح المؤلف في الفصول الأخيرة سؤالاً محورياً: هل الذكاء يكفي للنجاح؟
- الذكاء شرط ضروري، لكنه ليس كافياً.
- يحتاج الفرد إلى الاجتهاد، الانضباط، والمرونة.
- النجاح ثمرة مزيج من القدرات الذهنية والعاطفية والاجتماعية.
ويرى أن المجتمعات التي تستثمر في التعليم والتفكير النقدي تفرز أجيالاً قادرة على التقدم والابتكار.
عاشراً: القيمة الحقيقية للكتاب
ما يميز كتاب عبدالجبار أحمد عبدالجبار:
- الأسلوب المبسط: يشرح المفاهيم العلمية بلغة يفهمها الجميع.
- الجانب العملي: يزود القارئ بتمارين وأفكار قابلة للتطبيق.
- الدمج بين العلوم الحديثة والتراث: يستشهد أحياناً بأقوال الحكماء لربط القديم بالجديد.
- الرسالة الإنسانية: يمنح الأمل بأن الذكاء قابل للتنمية في كل إنسان.
خاتمة: ذكاء قابل للنمو مدى الحياة
يمكن القول إن كتاب “كيف تنمي ذكاءك؟ وتزيد من قدراتك العقلية؟” ليس مجرد دليل لتحسين الذاكرة أو اكتساب بعض المهارات، بل هو خريطة ذهنية شاملة تدعو الإنسان لإعادة النظر في قدراته العقلية والنفسية، والتعامل مع الذكاء باعتباره رحلة نمو لا تتوقف.
فالذكاء – كما يؤكد المؤلف – ليس ورقة حظ بيد البعض ويُحرم منها الآخرون، بل هو طاقة متجددة، تتفتح كلما غذيناها بالعلم، التجربة، والفضول.
وهكذا يضعنا الكتاب أمام حقيقة رائعة: بوسعنا جميعاً أن نصبح أكثر ذكاءً مما نحن عليه الآن، إذا امتلكنا الرغبة الصادقة والإرادة القوية لتطوير أنفسنا.
لمعرفة المزيد: كيف تنمي ذكاءك وتزيد من قدراتك العقلية؟ قراءة تحليلية في كتاب عبدالجبار أحمد عبدالجبار