كتب

لسن جميعًا ملائكة: كيف تتعرف إلى النساء السامّات وتحتمي منهن

مقدمة: عندما تُصبح العلاقات معركة للبقاء

في عالم تتسارع فيه العلاقات وتتداخل الأدوار وتتغير المفاهيم، تُصبح الحاجة إلى الوعي العاطفي والنفسي ضرورة لا ترفًا. “لسن جميعًا ملائكة” كتابٌ جريء كتَبته المعالجة النفسية الفرنسية سيلفي تيننباوم، وقد صدر في العام 2023 ليطرح موضوعًا شائكًا ومثيرًا للجدل: النساء السامّات — من هن؟ ولماذا يصعب اكتشافهن؟ وكيف يمكننا أن نحتمي من تأثيرهن الهدّام على الصحة النفسية والعاطفية؟

تحت غلاف أنيق وتصنيف يتأرجح بين تطوير الذات وعلم النفس العلاجي، تُسلّط تيننباوم الضوء على نماذج نسائية تنخرط في سلوكيات مؤذية نفسيًا، لكنها في الغالب تمرّ دون مساءلة، إما بحكم التنميط الاجتماعي، أو لأن المجتمع يغضّ الطرف عن “السموم الأنثوية” طالما كانت مغلفة بالنعومة أو الرقة أو التضحية.

 

من هي المرأة السامّة؟

لا تبدأ تيننباوم الكتاب من منطلق هجومي أو أحكام جاهزة، بل تحاول تفكيك شخصية “المرأة السامّة” بهدوء علمي وتحليل نفسي دقيق.
تعتمد في تعريفها على مجموعة من السلوكيات النمطية التي تشكل طيفًا متدرجًا من السمية:

  • التحكم والسيطرة: حيث تسعى بعض النساء إلى فرض السيطرة الكاملة على محيطهن — العاطفي والاجتماعي — سواء تجاه شريك، ابن، صديقة أو حتى زميلة.
  • اللعب بدور الضحية المزمن: إذ تتقن المرأة السامّة تقمّص دور المظلومة، ما يجعل الآخرين يشعرون بالذنب ويقعون في فخ العطاء غير المشروط.
  • التلاعب العاطفي: عبر استخدام اللوم، أو الابتزاز العاطفي، أو المقارنة، أو الصمت المؤلم كسلاح عقابي.
  • الحسد والنرجسية المقنّعة: حيث تتغذى السامّة على تحقير نجاح الآخرين، وتُظهر اللطف الزائف بينما تضمر الاحتقار أو الغيرة.

تؤكد الكاتبة أن هذه السلوكيات لا ترتبط بجنس المرأة بقدر ما ترتبط بالخلفيات النفسية والطفولة المضطربة وانعدام الحدود في التنشئة.

لماذا يصعب اكتشاف النساء السامّات؟

تشير تيننباوم إلى أن المجتمع كثيرًا ما يُغلف الأذى الأنثوي بـ”الأنوثة المقدسة”، حيث يُتوقع من النساء أن يكنّ دومًا محبات، عطوفات، حنونات.
وهنا تكمن الخدعة: فالمرأة السامّة تُتقن ارتداء “قناع اللطف” بشكل استثنائي، ما يجعل من الصعب كشف سلوكياتها السامة إلا بعد وقت طويل.

تُضيف الكاتبة نقطة هامة: في كثير من الأحيان، لا تدرك المرأة السامة نفسها أنها سامة.
فقد تكون عالقة في أنماط دفاعية قديمة، أو تعاني من اضطرابات مثل اضطراب الشخصية الحدّية، أو ربما تعيد إنتاج سلوك أمّها أو بيئتها الأولى دون وعي.

النساء السامّات في محيط الأسرة: الأمهات نموذجًا

يُفرد الكتاب فصولًا مهمة عن دور الأم السامّة، تلك التي تتحكم في ابنها/ابنتها عبر الحب المشروط، أو الإذلال العاطفي، أو السيطرة المستترة.
تظهر هنا شخصية الأم التي تقول لابنها: “كل ما أفعله هو لأجلك”، بينما تحمّله شعورًا دائمًا بالذنب، أو التي تقارن ابنتها بأخريات فـ”تذبل ثقتها بنفسها”.
وهنا، تطرح الكاتبة السؤال القاسي:
هل يمكن أن يكون الحب الأمومي سُمًّا حين يُستخدم كوسيلة سيطرة؟

تقدم تيننباوم حالات من جلسات العلاج النفسي لأبناء أمهات سامّات، عاشوا سنوات من الإنهاك العاطفي دون أن يعرفوا السبب الحقيقي لمعاناتهم.

العلاقات العاطفية: حين تُحب المرأة لتُسيطر

من أبرز المحاور التي تناولها الكتاب، هي علاقات الحب التي تتورط فيها المرأة السامّة.
قد تظهر في البداية حنونة، مغرية، تهتم بك بتفانٍ، تُظهرك كـ”ملك”، لكنها ما تلبث أن تُصبح متطلبة، متقلبة، تُشعرك أنك دومًا مقصّر، ثم تُلوّح بالرحيل أو الهجر كأداة تهديد.

في هذه الفصول، نلمح تحليلات عميقة لآليات العلاقة المؤذية، وكيف يتورط فيها الطرف الآخر تدريجيًا.
تُشبه الكاتبة الأمر بـ”القفص الذهبي” — العلاقة لا تُبنى على الحب، بل على الاحتياج المرضي والرغبة في الامتلاك.

الصديقات السامّات: الوجه غير المتوقع للأذى

ربما تكون الصداقة أحد أكثر الفضاءات التي تُمرر فيها السمية النسائية دون انتباه.
تتناول الكاتبة نماذج من “الصديقات السامّات” اللاتي:

  • يستخدمن السخرية على شكل “مزاح بريء” ليقللن من شأنك.
  • يُشعِرنك دائمًا أن نجاحك يقلقهن لا يسعدهن.
  • يظهرن في حياتك عند الحاجة فقط.
  • يغارن منك خفية، ويتعمدن إلقاء الشك في قراراتك.

وهنا تحذّر الكاتبة من خطورة تجاهل هذه الإشارات بدافع الولاء القديم أو الذكريات، لأن النتيجة تكون استنزافًا نفسيًا متراكمًا.

لماذا ننجذب إلى النساء السامّات؟

واحدة من الأسئلة المهمة التي يطرحها الكتاب هي: لماذا يقع البعض مرارًا وتكرارًا في علاقات مع نساء سامّات؟
تجيب تيننباوم بأن الانجذاب هذا لا يكون عشوائيًا، بل هو صدى لجرح قديم أو نمط داخلي مألوف:

  • من نشأ في بيئة بها أم متقلبة أو متطلبة، قد يشعر بالراحة (لا وعيًا) في علاقة مماثلة.
  • من لا يمتلك حدودًا نفسية واضحة، يسهل التلاعب به.
  • من يرى نفسه غير مستحق للحب، يقبل بعلاقات مسيئة.

تؤكد الكاتبة أن الطريق للخلاص يبدأ من الوعي بالأنماط المتكررة والجرأة على التغيير.

أدوات الحماية من المرأة السامّة

ليس الهدف من الكتاب شيطنة النساء أو بث الكراهية، بل مساعدة القارئ — رجلاً كان أو امرأة — على حماية نفسه من السمية النفسية أيا كان مصدرها.
تقترح الكاتبة مجموعة أدوات فعّالة:

  1. وضع الحدود الواضحة: سواء في الوقت، أو الطاقة، أو المشاعر.
  2. عدم الانجرار إلى الشعور بالذنب: التلاعب العاطفي لا يُبرر لك التخلي عن نفسك.
  3. التحدث بصدق وهدوء: المواجهة دون صراخ، والتعبير عن الأذى دون لوم.
  4. الانسحاب عند اللزوم: ليس كل علاقة قابلة للشفاء، أحيانًا يكون الابتعاد هو الحل.
  5. العمل على الذات: من خلال العلاج النفسي، أو التأمل، أو تطوير المهارات العاطفية.

الخلاصة: بين الشجاعة والشفاء

“لسن جميعًا ملائكة” ليس كتابًا عن “النساء السيئات”، بل عن العلاقات المريضة التي تتخفى خلف الأقنعة.

إنه دعوة إلى الوعي العاطفي والتحرر من الخوف، إلى أن تُحب نفسك بما يكفي لتميّز من يؤذيك — حتى لو كان أقرب الناس إليك.

بأسلوب علمي وسرد شفاف، تقودنا تيننباوم في رحلة إلى دهاليز النفس الأنثوية حين تتسمم، وإلى أعماقنا حين نقبل بالأذى دون مقاومة.

في زمن تختلط فيه مفاهيم الحب، والحنان، والأنوثة، والصداقة، والصراع، يقدم هذا الكتاب بوصلة روحية تُنير الطريق نحو علاقات أكثر صحة ونضجًا، وإلى فهمٍ أعمق للذات والآخر.

 

لمعرفة المزيد: لسن جميعًا ملائكة: كيف تتعرف إلى النساء السامّات وتحتمي منهن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى