كتب

لماذا تفشل في التوظيف؟..تحليل لكتاب إميلي كوملر حول أخطاء بناء فرق العمل الشائعة

 

في زمن تتسارع فيه التغيّرات داخل بيئة الأعمال وتزداد فيه المنافسة بين الشركات والمؤسسات، تزداد الحاجة إلى بناء فرق عمل قوية وفعالة. إلا أن العديد من المؤسسات، رغم ما تملكه من موارد، تقع في فخ الفشل في توظيف الأشخاص المناسبين. هذا الفشل، كما تراه الصحفية والكاتبة إميلي كوملر، لا يعود إلى نقص الكفاءات في سوق العمل، بل إلى أخطاء ممنهجة ترتكبها الإدارات في عملية التوظيف. في كتابها “لماذا تفشل في التوظيف: أخطاء بناء فرق العمل الشائعة التي يجب تجنبها”، تسلط كوملر الضوء على هذه الأخطاء، وتقدم دليلاً عملياً لتفاديها، انطلاقاً من دراسات حالة وخبرات ميدانية موثقة.

 

مقدمة الكتاب: أزمة التوظيف ليست تقنية فقط

ترى كوملر أن التوظيف ليس عملية فنية بسيطة تقوم على فحص السير الذاتية ومقابلة المرشحين، بل هو عملية معقدة تتأثر بعوامل نفسية، اجتماعية، وتنظيمية. في كثير من الأحيان، يتمحور الفشل في التوظيف حول سوء الفهم لدور الموظف، أو ضعف في فهم الديناميكيات الداخلية لفريق العمل، أو حتى حول قرارات سطحية مبنية على “الحدس” بدل المعايير الدقيقة. وفقاً لكوملر، فإن هذه الأخطاء لا تكلف المؤسسات فقط خسائر مادية، بل تؤثر بشكل مباشر على الأداء العام والروح المعنوية للفريق.

 

1. الخطأ الأول: التركيز المفرط على المهارات التقنية

أحد أبرز النقاط التي تؤكد عليها الكاتبة هو ميل العديد من المدراء إلى الاعتماد الكلي على المهارات التقنية كمعيار لاختيار الموظفين. هذا التوجه يغفل الجانب الأهم في الموظف الجديد: القدرة على الانسجام مع الفريق، والمهارات السلوكية مثل الذكاء العاطفي، مهارات التواصل، والمرونة.

توضح كوملر أنه رغم أهمية المهارات الفنية، إلا أنها يمكن اكتسابها وتطويرها بمرور الوقت، بينما من الصعب تعديل السمات الشخصية التي تؤثر على التعاون داخل الفريق. لذلك، فإن التركيز على “الكفاءة الاجتماعية” يجب أن يكون بقدر تركيزنا على الكفاءة الفنية.

 

2. الخطأ الثاني: الغموض في توصيف الوظائف

تنتقد المؤلفة بشدة الطريقة التي تصاغ بها إعلانات التوظيف، حيث تستخدم العديد من الشركات أوصافاً فضفاضة مثل “نبحث عن شخص مبدع، نشيط، يحب التحديات”، دون تحديد فعلي لطبيعة المهام، التوقعات، ونوع الفريق الذي سينضم إليه المرشح.

وترى كوملر أن هذا الغموض يؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها جذب مرشحين غير مناسبين، وإضاعة وقت المؤسسة والمرشح على حد سواء. الحل، من وجهة نظرها، هو كتابة توصيفات دقيقة، واقعية، ومبنية على تحليل حقيقي لاحتياجات الوظيفة.

 

3. الخطأ الثالث: الاعتماد على الحدس والانطباعات الشخصية

في كثير من المؤسسات، تلعب “الكيمياء الشخصية” دوراً كبيراً في اتخاذ قرار التوظيف. تعارض كوملر هذا الاتجاه، وتعتبره من أخطر أسباب الفشل في التوظيف. فمجرد أن يشعر المدير أن المرشح “يشبهه” أو “يتحدث بطريقته” لا يعني أنه مناسب للوظيفة.

تشير المؤلفة إلى ضرورة استخدام أدوات تقييم علمية، ومقابلات موحدة، وتدريب المقابِلين على الحياد. كما تؤكد على أهمية المقارنة بين المرشحين بناءً على معايير موثقة وليس على الارتياح الشخصي.

 

4. الخطأ الرابع: تجاهل ثقافة المؤسسة

ثقافة المؤسسة هي الإطار غير المكتوب الذي يحدد كيف يتصرف الأفراد داخل بيئة العمل. تجاهل هذا العنصر عند اختيار الموظفين قد يؤدي إلى توظيف أشخاص يمتلكون مهارات ممتازة، لكنهم يعجزون عن الاندماج في الفريق أو يعارضون القيم الأساسية للمؤسسة.

تروي كوملر العديد من الحالات التي فشل فيها موظفون موهوبون لأنهم لم يستطيعوا التأقلم مع طريقة العمل أو مع زملائهم. لذلك، تشدد على ضرورة تقييم “الانسجام الثقافي” أو ما يُعرف بالـ Cultural Fit كجزء من عملية التوظيف.

 

5. الخطأ الخامس: ضعف تجربة الاندماج للموظف الجديد

تلفت المؤلفة إلى نقطة حرجة في رحلة التوظيف، وهي مرحلة ما بعد التوظيف مباشرة. العديد من المؤسسات تعتبر أن عملية التوظيف تنتهي بمجرد قبول المرشح للعرض، لكن الحقيقة أن أول أسابيع للموظف الجديد تشكل عاملًا حاسمًا في مدى استمراريته واندماجه.

توصي كوملر بإنشاء برامج اندماج رسمية، تتضمن تعريف الموظف بزملائه، بمسؤولياته، وبثقافة المؤسسة، إضافة إلى تعيين مرشد أو داعم يسهّل عليه عملية الانتقال.

 

6. الخطأ السادس: عدم إشراك الفريق في التوظيف

ترى الكاتبة أن عملية التوظيف لا يجب أن تظل حكراً على الإدارة أو قسم الموارد البشرية. مشاركة أعضاء الفريق الذين سيعمل معهم المرشح تتيح فرصاً أفضل لتقييم التوافق المهني، وتزيد من احتمالية قبول الموظف الجديد لاحقاً من قِبل زملائه.

تؤكد كوملر أن تجاهل هذه الخطوة يؤدي أحياناً إلى خلق بيئة مقاومة للتغيير أو إلى عزلة الموظف الجديد، مما يؤثر على أدائه النفسي والمهني.

 

7. الخطأ السابع: عدم تقييم نتائج التوظيف

تنتقد المؤلفة غياب ثقافة “مراجعة الأداء” لقرارات التوظيف. فكثير من المؤسسات لا تعود لتقيّم ما إذا كانت قرارات التوظيف السابقة ناجحة أم لا، مما يؤدي إلى تكرار نفس الأخطاء.

تشجع كوملر على اعتماد مقاييس محددة لقياس فعالية التوظيف، مثل معدل بقاء الموظفين، تقييمات الأداء بعد 6 أشهر، وملاحظات فرق العمل.

 

دروس مستفادة: ما الذي يمكن تغييره؟

تقدّم كوملر في نهاية الكتاب قائمة بالتوصيات العملية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • حدد ما تحتاجه حقًا قبل أن تبدأ عملية التوظيف.
  • اكتب وصفًا وظيفيًا صادقًا ودقيقًا.
  • درّب المسؤولين عن التوظيف على تقييم الكفاءة والسلوك.
  • اعتمد على معايير علمية، لا حدسية.
  • احرص على توافق المرشح مع ثقافة مؤسستك.
  • لا تهمل مرحلة ما بعد التوظيف.
  • قيّم نتائج قراراتك لتتعلم منها.

خاتمة

كتاب “لماذا تفشل في التوظيف” يقدم أكثر من مجرد تشخيص لمشاكل التوظيف، بل يطرح رؤية متكاملة لإعادة تعريف هذه العملية من جذورها. بأسلوب مباشر، واقعي، وعملي، تكشف إميلي كوملر عن نقاط الضعف الشائعة في أنظمة التوظيف، وتقترح حلولاً قابلة للتطبيق دون الحاجة إلى ميزانيات ضخمة أو تغييرات جذرية.

إنه كتاب يجب أن يقرأه كل من يعمل في مجال الموارد البشرية، وكل مدير يسعى لبناء فريق ناجح. ففي النهاية، وكما تقول كوملر: “أنت لا توظف شخصًا، بل تبني ثقافة، وتضع حجرًا في أساس مستقبل شركتك.”

 

 

لمعرفة المزيد: لماذا تفشل في التوظيف؟..تحليل لكتاب إميلي كوملر حول أخطاء بناء فرق العمل الشائعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى