ما وراء قصة كرتون عهد الأصدقاء
ذات يوم، عندما قرأت الألمانية ليزا تيتزنير في أحد الكتب عن موت ثلاثين طفلا من سويسرا على متن عبّارة كانت متجهة إلى إيطاليا حيث كان من المفترض أن يعملوا في تنظيف المداخن، سرحت بأفكارها، وتخيلت الحيوات القصيرة جدا لأولئك الصغار؛ حياة لا بد لم تكن سعيدة، فأي شيء يضطر طفلاً صغيراً أن يغادر اللعب واللهو تحت الشمس وبين الحشائش ليحشر جسده الضئيل طوال النهار في المداخن محاطاً بالرماد والأدخنة والسواد؟ ومن تلك الخيالات، وُلدت روايتها “الإخوة السود” عام 1941، والتي اتخذت اسمها من ذات السواد الذي غطى أولئك الصغار.
ربما كانت رواية “الإخوة السود” التي اقتبسها بعدها الأنيمي الياباني “سماوات روميو الزرقاء” غاية في الحزن والكآبة، لكن المأساة الحقيقية تنبع من كون كل التفاصيل التي روتها ليزا عن حياة أولئك الأطفال حقيقية للغاية. فالأولاد الصغار، من إقليم تيسينو السويسري الفقير في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كانوا يضطرون أن يرحلوا كل شتاء إلى إيطاليا للعمل في تنظيف المداخن، وذلك لتقليل العبء المادي من على كاهل عائلاتهم التي كانت بالكاد تجد ما يسد جوعها. وفي إيطاليا، لم يلقوا سوى كل معاملة سيئة من أرباب عملهم الذين كانوا يسلبونهم أجورهم، دون أن يتركوا لهم قروشا قليلة لشراء الطعام، أو يوفروا لهم مكانا للنوم ليلاً، سوى إسطبلات الحيوانات.
من تلك التفاصيل المحزنة، صاغت ليزا قصتها حول الصغير جورجيو -تحوّل الاسم في الأنيمي إلى روميو- الذي تبيعه عائلته لأحد سماسرة الأطفال، عندما تمرض الأم ولا تجد الأسرة ثمن العلاج. يقطع جورجيو الرحلة نفسها التي قطعها من قبله آلاف الأطفال، ليهبط لإيطاليا حيث ينتظره شتاء كئيب لا يخفف من وطأته سوى الرفقة التي يجدها في أصدقائه الآخرين من مُنظفي المداخن الصغار، والذين يكوّنون معاً عُصبة “الإخوة السود”، ومن هنا تنطلق الأحداث.
حوّلت اليابان القصة إلى أنيمي عام 1995، وعُرِض أيضا ضمن سلسلة روائع المسرح العالمي التابعة لأستوديو نيبون، كما تُرجمت الرواية إلى العربية عام 2009. وبذلك، ترتبط الكثير من ذكرياتنا بصِلات أعمق من تلك التي عرفناها وأَلِفناها، ممتدة لأشكال وصيغ أكثر تنوعاً، ورغم ذلك، تبقى الذكريات متصلة بما عايشناه، وبالصورة التي رسخت في أذهاننا، حاملة معها ذكرياتنا المعبأة بالمعاني والصور الجميلة.
المصدر: موقع الجزيرة