كتب

محمد قنديل.. ثلاث سلامات في سيرة فنية خالدة

 

مقدمة

في السنوات الأخيرة، ظهرت حركة تثقيفية نقدية وتوثيقية في العالم العربي تهدف إلى إعادة إحياء الذاكرة الموسيقية والغنائية، خصوصًا ما تُرك من فناني الزمن الجميل الذين غادروا أو الذين لم يُسلَّط الضوء عليهم كما ينبغي. من بين هؤلاء، المطرب المصري محمد قنديل (1929-2004)، الذي ولهُ صوت مميز وإشعاع فني لم يستفد من توثيق كافٍ.

صدر كتاب محمد قنديل: 3 سلامات عام 2023 عن دار آفاق للنشر والتوزيع، تأليف محب جميل، ضمن تصنيف “سيرة فنية”. يُعد هذا الكتاب محاولة لاستعادة مكانة قنديل، وفهم مسيرته، والمساهمة في سد فراغ البحث في الغناء المصري من منتصف القرن العشرين إلى نهايته.

من هو المؤلف وأهمية الكتاب ضمن مسيرته البحثية

محب جميل شاعر وباحث مهتم بتاريخ الموسيقى والغناء في مصر والعالم العربي. لديه عدد من المؤلفات التي توثّق لسير فنانين مثل فتحية أحمد، صالح عبد الحي، ومحمد عبد المطلب.

كتاب 3 سلامات هو تكملة لهذا المسعى، ويُعتبر إضافة نوعيّة للمكتبة الغنائية، لأنه لا يُقدّم السيرة الفنية فقط من السجلات، بل يعمل أيضًا على إلقاء الضوء على شخصية قنديل، كيف رأى نفسه، وكيف رأته الأجيال، وكيف تعامل مع التغيرات الفنية في قلب القرن العشرين.

محتوى الكتاب – الفصول والمحاور الرئيسة

الكتاب مقسّم إلى فصول رئيسية لكل منها موضوع مكمّل للسيرة، مع ملحق في نهاية الكتاب يتضمن قائمة بأغانيه وأعماله الإذاعية.

إليك أهم الفصول والمحاور:

  1. عالم الطفولة والأحلام
    يبدأ محب جميل بالسعي إلى تتبّع جذور محمد قنديل: مولده في حيّ شبرا بالقاهرة في 11 مارس 1929، والبيئة الأسرية التي تأثر فيها، خاصة أن والدَه موسيقار في العزف على العود والقانون، وجدة الأم المطربة السويسرية، مما خلق أرضًا موسيقية خصبة. وقد التحق بمعهد الاتحاد الموسيقي، حيث تعلّم العزف وتعرّف إلى أم كلثوم.
  2. على طريق النجومية
    يتناول المؤلف مراحل صعوده إلى الشهرة، تأثير الأصوات التي سبقته مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وكذلك كيفية خلُق قنديل لنفسه مكانًا في الغناء من خلال الأداء، الأغاني، العمل الإذاعي، والعلاقات مع الملحنين.
  3. الفنان الثوري والصوت الوطني
    هذا المحور مهم لأن محمد قنديل لم يكن مغنّيًا عاطفيًا فقط، بل كان صوتًا يتفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية؛ بعد ثورة 1952 مثلاً، شارك بأغانٍ مثل الراية التي كتبها محمود إسماعيل ولحّنها قنديل نفسه، وأغاني مثل يا ويل عدو الدار ووحدة ما يغلبها غلاب.
  4. رحلة مع الكبار والنقاد والملحنين
    كيف نظر إليه الملحنون والنقاد؟ وما هي التحديات التي واجهها من حيث التنوع الصوتي؟ هنا يتناول المؤلف شهادات مثل كمال الطويل، رياض السنباطي، والنقاد مثل سليم سحاب، بالإضافة إلى تحليل فني لأداء قنديل. مثلاً وصف الطويل لصوته بأنه “بلدي” مع بعض النقد على أنها تحتاج إلى أداء أكثر “شيك” في الأغاني العاطفية.
  5. ألوان من الحياة / التوازن بين الشعبي والراقي
    سؤال مركزي في الكتاب: هل يُصنَّف قنديل كمطرب شعبي أم كفنان متعدد الألوان؟ لمح بوضوح إلى أن قنديل حاول أن لا يُؤطّر ضمن الشعبية فقط، وكان يشدو أغاني خفيفة وشعبية، لكنه أيضًا غني بالأداء العاطفي والجميل، ما يجعله جسرًا بين الفنين.
  6. الفصول الأخيرة: العزلة والأثر والوفاة
    في سنينه الأخيرة، يعرض الكتاب فترات العزلة، الابتعاد عن الأضواء، التغيرات التي طرأت على الوسط الفني (ظهور الفيديو كليب وتغير أذواق الجمهور)، ضعف التوثيق والتكريم المتأخر، حتى وفاته في 8/9 يونيو 2004.

ما يميز الكتاب

الكتاب له عدة مزايا بارزة، تجعل منه مرجعًا مهمًا:

  • توثيق دقيق: محب جميل يعتمد على وثائق، مقابلات، مصادر أولية إن توفّرت، ويُسدِّد المعلومات من حيث الزمان والمكان. هذا يرفع من قيمة الكتاب كمرجع أكاديمي وفني.
  • أسلوب سهل وجذاب: رغم الموضوع الفني، إلا أن الأسلوب لا يُثقل القارئ بالاصطلاحات المعقدة، مما يجعله مناسبًا للمهتمين العامّين وليس فقط المتخصصين.
  • البعد التحليلي والنقدي: لا يُكتفى بسرد الوقائع، بل هناك تحليل لموقع قنديل في المشهد الغنائي، الألوان التي غنَّاها، كيف تفاعل مع الجمهور، كيف تأثر وتفاعل مع الملحنين والنقاد.
  • رد الاعتبار لفنان مهم: الكتاب يُعد تصحيحًا جزئيًا لما يمكن تسميته “النسيان الجزئي” أو التجاهل من التاريخ الغنائي الرسمي لبعض الأصوات، بما فيها قنديل.
  • ملحقات مفيدة: قائمة الأغاني، الأعمال الإذاعية، وربما الوثائق (عقود، شهادات) إن توافرت، تساعد الباحث أو المهتم على الرجوع إلى المصادر بسهولة.

نقاط الضعف أو التحديات في الكتاب

لا يخلو العمل من بعض التحديات، التي من المهم التنبه لها:

  1. قصر بعض الفصول أو غياب بعض التفاصيل
    عدد صفحات الكتاب (79 صفحة بحسب إحدى الطبعات “ورقية”) قد لا يسمح بالتوسع الكامل في جميع الفترات الزمنية أو تغطية الجوانب الاجتماعية أو الشخصية بعمق متوازن.
  2. قلة المصادر أو الوثائق الأصلية
    قد يُشير بعض الأجزاء في الكتاب إلى أن المؤلّف وجد صعوبة في إيجاد وثائق أو مقابلات مع الفنان أو معارفه المباشرين، مما قد يجعل بعض الفصول أكثر اعتمادًا على الاستنتاج أو الشهادة الثانوية. هذا أمر شائع في سِيَر الفنانين الذين لم يوثّقوا حياتهم هم أنفسُهم كثيرًا.
  3. المقارنة مع فنانين آخرين
    في بعض الانتقادات التي يستعرضها الكتاب (مثل رأي كمال الطويل)، يُطرح سؤال: هل قد أغفلت بعض الأغاني أو التجارب التي كانت تتطلّب أن يكون الأداء فيها مختلفًا؟ والنقاش بين الشعبية والأداء الراقي قد يحتاج إلى مزيد من الأمثلة والتحليل الموسيقي (إيقاع، توزيع موسيقي، مفردات لفظية) ليس فقط من حيث الصوت أو الأسلوب.
  4. التركيز غالبًا على الأصوات والنجومية
    قد ينقص الكتاب تحليلًا أعمق لأغراض النصوص، كلمات الأغاني، كيف أثرت التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية في اختياراته الغنائية والجمهور. بمعنى آخر، الجانب الاجتماعي الثقافي يمكن أن يُعمّق أكثر.

ما الذي يُضيفه هذا الكتاب إلى المكتبة العربية الموسيقية؟

كتاب 3 سلامات لا يكتفي بأنه سيرة فنان، بل إنه:

  • يساهم في تاريخ الغناء السياسي والموسيقى الوطنية: من خلال أغاني قنديل التي وثّقت فترات الثورة أو القضايا الوطنية، وكيف تعاطى مع الأحداث السياسية داخل مصر.
  • يساعد في فهم التوازن بين الطرب الشعبي والطرب الراقي، خاصة أن الفنان استطاع تقديم أغانٍ شعبية خفيفة وأخرى عاطفية أو وطنية لها بعد فني أكبر.
  • يتيح للقارئ اليوم الغائب عن زمن الخمسينات والستينات أن يُدرك كيف كانت الصناعة الغنائية، كيف يعمل الملحنون، كيف يُسجّل الغناء، كيف تُنتج الأغنية، وكيف كانت تتفاعل وسائل الإعلام والجمهور مع الأصوات الجديدة.
  • يقدم صورة لفنان لم يسع لنيل الشهرة المطلقة على مستوى الإبهار الإعلامي (كما قد يفعل البعض اليوم)، بل ظل مخلصًا لمساره بصوته ومُنجزِه، مما يتيح درسًا في الأصالة والخصائص المميزة.

أهمية الكتاب في سياق البحث الموسيقي العربي

من زاوية أكاديمية وفنية، فإن الكتاب يُكمل العمل الذي بدأه محب جميل وغيره من الباحثين لإعادة كتابة أو استعادة مسارات عديدة تمّ تجاهلها أو تقليص دورها. هذه الأهمية تظهر في:

  • سجّل الأغنية الوطنية وتوثيقها
  • تشكيل ذاكرة فنية للأجيال الجديدة، فبدون كتب كهذه، يضيع كثير من التفاصيل، وتغيب الأصوات غير صاحبة الدعاية الإعلامية الكبيرة.
  • مخزون للبحث والتدريس في أقسام الموسيقى، النقد الموسيقي، أو حتى الدراسات الثقافية، حيث يمكن استخدام الكتاب كمادة دراسية أو مرجعية.
  • ربط الموسيقى بالفعل الاجتماعي والسياسي؛ فالغناء الوطني والعاطفي الشعبي لا يُفهم فقط كتعبير فني، بل كمؤشر على أحوال الناس، الأزمات، التطلعات، العواطف الجماعية.

أمثلة مميزة من الكتاب

بعض الأمثلة التي يُثيرها محب جميل لتوضيح تفوّق قنديل الفني:

  • أغنية تلات سلامات (1954) من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان محمود الشريف، والتي اختارها الكتاب عنوانًا، لأنها تمثل نقطة مفصلية في مسيرته، بصوت قوي، بالتزامن مع لحظة سياسية واجتماعية.
  • علاقته بالملحنين الكبار مثل الكمال الطويل، وأثرهم عليه، وكذلك إشادتهم بصوته، مع بعض النقديات التي يوردها الكتاب.
  • تجربته الفنية المبكرة: المشاركة في معهد الاتحاد، العمل الإذاعي، والأوبرا الخفيفة، والمشاركة في فيلم “عايدة”.

توصيات للقارئ / لمن يمكن أن يفيدهم الكتاب

الكتاب مفيد جدًا لــ:

  • محبّي الزمن الجميل والراغبين بمعرفة تفاصيل ليست معروفة كثيرًا عن الفنان محمد قنديل.
  • الباحثين الأكاديميين في الموسيقى، التاريخ الثقافي، الإعلام الفني.
  • طلبة دراسات عليا في الموسيقى أو الإعلام الفني أو الثقافة العربية.
  • المهتمين بعلاقة الفن بالسياسة، كيف تغنى الفنانون في فترات الثورات والتحولات.
  • عامة الناس الذين يحبون قراءة السير الفنية والتراث الفني العربي.

الخلاصة

كتاب محمد قنديل: 3 سلامات لمحُب جميل هو عمل مهم، ليس لأنه أوّل من كتب سيرة قنديل، لكنه من القلائل الذين فعلوا ذلك بتوثيق وتحليل منصف، وبأسلوب يجمع بين المتعة المعرفية والجدّية العلمية.

إنه يرد جزءًا من حق فنان قدّم كثيرًا، وربَّما يُستحق أكثر مما نعرف، وسيرة كهذه تساعد على إبقاء ذكراه حيّة، وتُذكّرنا بأصوات لم تُغلفها الذاكرة الإعلامية بالشكل الكامل.

 

لمعرفة المزيد: محمد قنديل.. ثلاث سلامات في سيرة فنية خالدة

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى