مرتفعات ويذرينغ – مأساة العشاق تحت رياح الهضاب

مرتفعات ويذرينغ – إميلي برونتي: ملحمة العاطفة والانتقام في رياح الهضاب
نبذة تعريفية عن الرواية
رواية Wuthering Heights (مرتفعات ويذرينغ) هي العمل الأدبي الوحيد للكاتبة البريطانية إميلي برونتي، وقد نُشرت لأول مرة عام 1847 تحت الاسم المستعار “إيليس بيل”، في زمنٍ لم يكن مرحّبًا بكتابة النساء. تنتمي الرواية إلى نوع الأدب القوطي الرومانسي، وهي مزيج معقّد من الحب والعنف، الشغف والجنون، الصراع الطبقي والانتقام.
عند صدورها، واجهت الرواية نقدًا سلبيًا؛ وصفها البعض بالوحشية والمروعة، إذ كسرت قواعد الرومانسية التقليدية، لكنها بمرور الزمن تحوّلت إلى واحدة من أعظم الروايات الكلاسيكية في الأدب الإنجليزي.
وقد تُرجمت إلى أكثر من 40 لغة، وطُبعت في عشرات الملايين من النسخ. وتُدرّس اليوم في المدارس والجامعات، كما ألهمت أعمالًا فنية في السينما والمسرح والموسيقى.
الحبكة: بين الريح والحنين
هل الحب شيء يُنسى؟ أم لعنة تتوارثها الأرواح في المرتفعات؟
الرواية تُروى عبر أكثر من راوٍ، لكن القصة الأساسية يحكيها السيد لوكود، وهو رجل استأجر عقارًا ريفيًا يُدعى “ثرَشكرُس غرانج” في يوركشاير. يسافر إلى قصر قريب يُدعى “ويذرينغ هايتس” لزيارة المالك، هناك يلتقي بشخصٍ فظٍ وغريب الأطوار يدعى هيثكليف، رجل صارم، ذو مظهر قاتم وصمتٍ ينذر بالخطر.
يعود لوكوود من الزيارة مضطربًا. في تلك الليلة، يرى رؤى غريبة ويشعر بأرواح تهمس بأسماء موتى. في اليوم التالي، يستفسر عن القصة من مدبرة المنزل العجوز، إلين دين، التي تبدأ في سرد حكاية قديمة، تبدأ قبل ثلاثين عامًا…
الطفل الغجري الذي قلب الموازين
كانت كاثرين إيرنشو فتاة مدللة، جميلة، تعيش في قصر “ويذرينغ هايتس” مع والدها وشقيقها الأكبر هندلي. في أحد الأيام، يعود والدها من رحلة إلى ليفربول ومعه طفل غجري يتيم، قذِر الثياب، لكنه يملك عيونًا تشعُّ بالذكاء والعناد. أطلق عليه اسم هيثكليف، وربّاه كأحد أبنائه.
منذ تلك اللحظة، تشكّلت رابطة غريبة بين كاثي وهيثكليف. كانا يهربان إلى التلال، يركضان في البراري، يتشاركان الأحلام والهمسات والضحكات. لكن، عندما مات الأب، ورث هندلي المنزل، وبدأ يعامل هيثكليف كخادم، لا كأخ.
لم يكن بوسع هيثكليف أن يتعلم أو يتطور، لكنه ظل يزرع في قلبه شعورًا واحدًا: أن عليه أن ينتقم، وأن كاثرين وحدها هي نجاته الوحيدة.
الحب الذي أفسده الطموح
ذات ليلة، خلال تجوالهما، يتعرض الاثنان لحادث ويجدان نفسيهما ضيفين عند عائلة لينتون الأرستقراطية في قصر “ثرشكرُس غرانج”. أعجبت كاثرين برقة عالمهم، بأدبهم، بملابسهم النظيفة، وبالابن إدغار لينتون، المهذب الرقيق.
ومع مرور الوقت، بدأت كاثرين تنجذب لإدغار، الذي طلب يدها للزواج. ترددت، لكنها وافقت أخيرًا، مدفوعة بطموحها إلى حياة مترفة، قائلة:
أنا وهيثكليف واحد. لكن زواجي منه لن يرفع من شأنه ولا شأني. أما إدغار فيمنحني كل شيء…
لم تكن تعلم أن هيثكليف سمعها. سمعها واختفى تلك الليلة.
العودة: الانتقام يرتدي ثياب النبل
غاب هيثكليف لثلاث سنوات. وعاد رجلاً مختلفًا. أنيق المظهر، ثريًّا، واثقًا من نفسه. لم يكن الشاب البائس الذي غادر المكان. عاد حاملاً ثروة غامضة، ونية مبيتة للانتقام من كل من أهانه.
أول ما فعله هو شراء ديون هندلي، الذي أصبح مقامرًا مدمنًا على الشراب، مما جعله يتحكم تدريجيًا في قصر “ويذرينغ هايتس”. ثم انتقل إلى “ثرشكرُس غرانج” حيث تعيش كاثرين الآن كزوجة إدغار، فبدأ يتلاعب بمشاعر الجميع.
تزوج إيزابيلا لينتون، شقيقة إدغار، لا حبًا، بل لإيلام كاثرين. وبالفعل، نجح. دخلت كاثرين في حالة انهيار عصبي حاد، ممزقة بين عشقها لهيثكليف وواقع زواجها من إدغار.
في لحظة احتضارها، زارها هيثكليف، وكانت كلماته الأخيرة لها:
كيف تتركينني؟ أليس قلبي وقلبك واحد؟… لا تذهبي، كاثي. لا تموتي. لأني إن مت، سألاحقك حتى في القبر.
وماتت كاثرين بعد ولادة ابنتها كاثي الصغيرة.
سنوات الظلال: هيثكليف سيد الخراب
بوفاة كاثرين، أصبح هيثكليف كائنًا يعيش على الكراهية والذكريات. لم يربِّ ابنه من إيزابيلا (الذي سُمّي لينتون) بحب، بل كأداة انتقام.
أجبر كاثي الصغيرة (ابنة كاثرين) على الزواج من لينتون، وهو شاب مريض وضعيف، فقط ليضمن أن يحصل على إرث “ثرشكرُس غرانج” بعد وفاة إدغار.
وبالفعل، بعد وفاة إدغار وابنه لينتون، أصبح هيثكليف مالكًا للمكانين معًا. لكنه لم يكن سعيدًا. كل شيء حوله كان يحمل طيف كاثرين. يرى وجهها في النوافذ، يسمع صوتها في الريح، يشعر بها تهمس من بين الأشجار.
وفي النهاية، ومع تقدّم العمر، بدأت الكوابيس تطارده، وفقد الرغبة في الحياة.
في أحد الأيام، وُجد ميتًا في غرفته، وجهه مبتسم، كأنما التقى أخيرًا بحبيبته في العالم الآخر. دُفن بجوار كاثرين.
الجيل الجديد: ميلاد الأمل
الرواية لا تنتهي بالحزن. فبعد كل ما حدث، تبدأ كاثي الصغيرة، وهي فتاة ذكية وعنيدة كأمها، في فتح صفحة جديدة من الحياة.
تتقارب مع هاريتون، ابن هندلي، الذي نشأ جاهلاً لأن هيثكليف حرمه من التعليم. بفضل كاثي، يتعلم القراءة، ويصبحا صديقين، ثم عاشقين.
تقرر إلين دين (الراوية الداخلية) أن تزور قبر هيثكليف، وهناك ترى ثلاثة قبور: هندلي، كاثرين، وهيثكليف. تقول:
الريح تهب فوق القبور الثلاثة… لكن السلام يسكنها جميعًا الآن.
الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية
رواية Wuthering Heights ألهمت عشرات الأعمال الفنية، أشهرها:
- فيلم “Wuthering Heights” (1939)
- إخراج: ويليام وايلر
- بطولة: لورنس أوليفييه (هيثكليف)، ميرل أوبيرون (كاثرين)
- تقييم IMDb: 7.6/10
- فاز بجائزة أوسكار لأفضل تصوير سينمائي.
- فيلم “Wuthering Heights” (1992)
- إخراج: بيتر كوزمينسكي
- بطولة: رالف فينيس (هيثكليف)، جولييت بينوش (كاثرين)
- تقييم IMDb: 6.7/10
- مسلسل BBC “Wuthering Heights” (2009)
- بطولة: توم هاردي (هيثكليف)، شارلوت رايلي (كاثرين)
- تقييم IMDb: 7.6/10
- حاز إشادة خاصة بسبب أداء توم هاردي الغامض والمعذّب.
- فيلم “Wuthering Heights” (2011)
- إخراج: أندريا أرنولد
- بطولة: جيمس هاوزون
- تناول العمل هيثكليف من منظور عِرقي، وأثار جدلاً كبيرًا بين المحافظين.
تحليل موجز لأصداء العمل الفني
تفاوتت ردود الفعل حول الأعمال المقتبسة من مرتفعات ويذرينغ. فبينما ركزت النسخة الكلاسيكية لعام 1939 على الجانب الرومانسي، تجاهلت النسخة كثيرًا من طبقات الصراع والشر في هيثكليف، مما أثار استياء بعض النقاد الأدبيين.
أما النسخ الحديثة، فحاولت الاقتراب من الروح الأصلية للرواية، خاصة إصداري BBC و2011، إذ أظهرت الجانب الغامض والمعقّد من الشخصيات.
تُعد رواية Wuthering Heights صعبة التكييف نظرًا لتركيبها السردي المتداخل وتطوراتها النفسية الحادة، لكن الأعمال التي نجحت في عرض جوّها الكئيب وظلالها القاتمة استطاعت أن تعيد الاهتمام بالرواية وأن تُفسّرها لجمهور جديد.
وقد ساهمت هذه الأعمال في رفع مبيعات الرواية عالميًا، ودفعت النقاد لإعادة تقييم براعة إميلي برونتي، التي كتبت رواية واحدة، لكنها خالدة في وجدان الأدب.
خاتمة
مرتفعات ويذرينغ ليست قصة حب بالمعنى الكلاسيكي، بل صرخة من قلب الغموض البشري، حكاية عن أرواح تتعذّب، تتشابك، ولا تهدأ حتى بعد الموت.
هي رواية الحب والجنون، الانتقام والغفران، الزمن والخلود. في رياح الهضاب، حيث لا تنام الأرواح، كتبت إميلي برونتي ملحمة واحدة… لكنها كانت كافية لتُخلّدها.