كتب

مما قرأت: الوعي: مقدمة قصيرة جداً

تبتدئ بلاكمور مقدمتها بطرح مشكلة تعريف الوعي، طبيعته وما الذي يمكن أن يسد الهوة بين ما هو مادي وما هو روحي، ما الذي يربط بين الدماغ والعقل، التجربة الحسية والتجربة الذاتية؟ خاصة أن تساؤلنا عن طبيعة الوعي يجعلنا نفكر في تلك الكائنات التي تعيش بلا وعي، ووضع أنفسنا في مكانها، الأمر الذي يستحيل عنده تبيان الفرق بينها وبيننا، فهل يرتبط الوعي بالإحساس والتفكير وبالتالي موجود لدى جميع الكائنات بأشكال مختلفة أم هو عَرض خارجي صدف أن امتلكناه عبر السنين؟

ثم تتساءل عن طبيعته فتنفي كونه قوة أو دافعاً، فلابد أنه يؤدي دوراً مهماً لازلنا بحاجة اكتشافه، يجادل ديكارت بأن المادة شيء والروح شيء مختلف، تلتقيان في مكان في الدماغ: الغدة الصنوبرية، ولكن دينيت ينفي ذلك ويطرح الكثير من الأسئلة أهمها: كيف يؤثر المادي في الروحي؟ ما النقطة التي يلتقي فيها كل شيء وينبثق منها الوعي؟ من المؤكد أن النقطة تكمن في الدماغ لأننا نعلم بأن أي تغير في الدماغ سيتبعه مباشرة تغير في الوعي، لكننا لا نعرف السبب الذي يجعلنا واعين، خاصة أن عمليات الدماغ متوزعة عليه ولا يوجد منطقة مركزية تتحكم في جميع آلياته، غير أن الوعي موحد على عكس الدماغ، وكلما أجرينا تجارباً لتبيان أي المناطق في الدماغ تنتج الوعي، حارت عقولنا في كيف ولماذا وما العلاقة السببية الحقيقية، ذاك أن تأثير المتبادل بين تجاربنا الذاتية وبين أدمغتنا تأثير مذهل ومثير للعديد من التساؤلات!

فعلى علمنا أننا نستطيع تحديد المسارات المطلوبة لعملية الإبصار أو الإحساس أو الاستماع، ونستطيع فهم نتائج هذا على الوعي في الإدراك البصري والإدراك الحسي والإدراك السمعي، إلا أننا لا نستطيع أن نفهم كيف يؤثر هذا على ذاك، كيف تؤدي العمليات البصرية عبر المسارات إلى خلق إدراك بصري.

قد يكون مصاحباً لسمات تطورية لازمة حدثت مثل التفاعل الاجتماعي وعقد التحالفات التي تستلزم قوة بصيرة في الطرف المقابل ومعرفة بالذات وأبعادها، وقد يكون مصاحباً لسمات تطورية مثل الذكاء واللغة والتفكير والإدراك الحسي، ولكن لا يُفهم كيف يصاحب الوعي هذه السمات التطورية لأننا لا نعرف السبب وراء التلازم بينها وارتباط هذه السمات بالوعي.

تختتم بلاكمور كتابها بالقول بأن الوعي وهم تيارات التجارب المختلفة التي عاشها الإنسان، وأن السؤال عن وجوده في لحظة معينة سيخلق دائماً العديد من التساؤلات حول طبيعته وآنيته ومصدره، لذلك تدعونا للنظر إلى الوعي على أنه حدث عابر يؤدي للوهم، تتحلق حوله أوهام أخرى مثل الذات والأنا، ولعلّ هذه المفاهيم ما هي إلا أوجه لمفهوم واحد سيدلّنا عليه العلم مستقبلاً.

[المصدر: موقع الشانيه]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى