من أخبار الزهد والعدل: روايات نزهة الزمان عن عمر والصالحين.. الليلة ٦٤

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نُزهة الزمان قالت: قيل إن عمر مَرَّ براعٍ مملوك، فاستباعه شاةً، فقال له: إنها ليست لي. فقال: أنت القَصْد. فاشتراها ثم أعتقه، وقال: اللهم كما رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر.
وقيل: إن عمر بن الخطاب كان يطعم الحليب للخدم، ويأكل الغليظ، ويكسوهم اللين، ويلبس الخشن، ويعطي الناس حقوقهم، ويزيد في عطائهم، وأعطى رجلًا أربعة آلاف درهم، وزاده ألفًا، فقيل له: أما تزيد ابنك كما زدْتَ هذا؟ قال: هذا ثبتَ والده يوم أُحد.
وقال الحسن: أتى عمر بمال كثير، فأتته حفصة، وقالت له: يا أمير المؤمنين، حقُّ قرابتك. فقال: يا حفصة، إنما أوثرُ اللهَ بحق قرابتي من مالي، وأما مال المسلمين فلا. يا حفصة، قد أرضيتِ قومكِ وأغضبتِ أباكِ. فقامت تجر ذيلها.
وقال ابن عمر: تضرعتُ إلى ربي سنةً من السنين أن يريني أبي، حتى رأيته يمسح العَرَق عن جنبيه. فقلت له: ما حالك يا والدي؟ فقال: لولا رحمة ربي لهلك أبوك.
ثم قالت نزهة الزمان: اسمع أيها الملك السعيد الفصل الثاني من الباب الثاني، وهو باب الأدب والفضائل، وما ذُكر فيه من أخبار التابعين والصالحين.
قال الحسن البصري: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا وهو يتأسف على ثلاثة أشياء: عدم تمتّعه بما جمع، وعدم إدراكه لما أمل، وعدم استعداده بكثرة الزاد لما هو قادم عليه.
وقيل لسفيان: هل يكون الرجل زاهدًا وله مال؟ قال: نعم، إذا كان متى ابتُلِي صبر، ومتى أُعطي شكر.
وقيل: لما حضرت عبدَ الله بن شداد الوفاةُ، أحضر ولده محمدًا فأوصاه، وقال له: يا بني، إني لأرى داعيَ الموت قد دعاني، فاتَّقِ ربَّك في السر والعلانية، واشكر الله على ما أنعم، واصدقْ في الحديث؛ فالشكر يؤذن بازدياد النِّعَم، والتقوى خيرُ زادٍ في المعاد، كما قال بعضهم:
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ
وَلٰكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وَتَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ الزَّادِ حَقًّا
وَعِنْدَ اللَّهِ تَلْقَى مَا تُرِيدُ
ثم قالت نزهة الزمان: ليسمع الملك هذه النُّكت من الفصل الثاني من الباب الأول. قيل لها: وما هي؟ قالت: لما وَلِي عمرُ بن عبد العزيز الخلافة، جاء لأهل بيته فأخذ ما بأيديهم ووضعه في بيت المال، ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان، فأرسلت إليه قائلةً: إنه لا بد من لقائك.
ثم أتته ليلًا، فأنزلها عن دابتها، فلما أخذت مجلسها قال لها: يا عمّة، أنتِ أولى بالكلام؛ لأن الحاجة لك، فأخبريني عن مرادك.
فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أولى بالكلام، ورأيك يستشف ما يخفى على الأفهام.
فقال عمر بن عبد العزيز: إن الله تعالى بعث محمدًا رحمةً للعالمين، وعذابًا لقوم آخرين، ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه.
وأدرك شهرزادَ الصباحُ، فسكتت عن الكلام المباح.



