من الحكاية إلى الخلود: قراءة في ألف ليلة وليلة..الليلة ٣٠

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن القاضي قال للغلمان: “ما الذي فعله سيدكم حتى أقتله؟ وما لي لا أرى هذا المزين بين أيديكم؟”
فقال له المزين: “إنك ضربته في هذه الساعة بالمقارع، وأنا أسمع صياحه.”
فقال القاضي: “وما الذي فعله حتى أقتله؟ ومن أدخله داري؟ ومن أين جاء؟ وإلى أين يقصد؟”
فقال له المزين: “لا تكن شيخًا نحسًا، فإني أعلم الحكاية وسبب دخوله دارك، وحقيقة الأمر كله؛ فابنتك تعشقه وهو يعشقها، فلما علمتَ أنه قد دخل دارك أمرتَ غلمانك فضربوه، والله ما بيننا وبينك إلا الخليفة، فإما أن تُخرج لنا سيدنا ليأخذه أهله، أو تدخلني عليه لأخرجه من عندكم، فعجّل أنت بإخراجه.”
فأُسقط في يد القاضي وصمت عن الكلام، واشتد حياؤه من الناس، وقال للمزين: “إن كنت صادقًا فادخل أنت وأخرجه.”
فنهض المزين ودخل الدار، فلما رأيته أردت أن أهرب، فلم أجد لي مهربًا، غير أني رأيت في الطبقة التي أنا فيها صندوقًا كبيرًا، فدخلت فيه ورددت الغطاء عليه وقطعت النفس.
فدخل المزين القاعة ولم يلتفت إلى غير الجهة التي أنا فيها، بل قصد الموضع الذي أختبئ فيه، والتفت يمينًا وشمالًا فلم يجد إلا الصندوق الذي أنا فيه، فحمله على رأسه.
فلما رأيته يفعل ذلك غاب رشدي، ثم مرّ مسرعًا، فلما علمت أنه لن يتركني، فتحت الصندوق وخرجت منه بسرعة، ورميت نفسي على الأرض فانكسرت رجلي.
فلما توجهت إلى الباب وجدت خلقًا كثيرًا لم أرَ في عمري مثل هذا الازدحام الذي حصل في ذلك اليوم، فجعلت أنثر الذهب على الناس ليشتغلوا به، فاشتغل الناس به وخرجت أجري في أزقة بغداد، والمزين خلفي، وكل مكان دخلته دخل خلفي وهو يقول:
“أرادوا أن يفجعوني في سيدي، الحمد لله الذي نصرني عليهم وخلّص سيدي من أيديهم! فما زلتَ يا سيدي مولعًا بالعجلة وسوء التدبير حتى فعلت بنفسك هذه الأفعال.
فلولا أن الله منّ عليك بي، لما كنت خلصتَ من هذه المصيبة التي وقعت فيها، وربما كانوا يرمونك في بلية لا تخرج منها أبدًا. أسأل الله أن يحييني لك حتى أخلصك دائمًا، والله لقد أهلكتني بسوء تدبيرك، وكنت تريد أن تروح وحدك، ولكن لا نؤاخذك على جهلك لأنك قليل العقل، عجول الطبع!”
فقلت له: “أما كفاك ما جرى منك حتى تجري ورائي في الأسواق؟!”
وصرت أتمنى الموت من شدة ضيقي به، فلا أجد موتًا ينقذني منه. ومن شدة الغيظ فررت منه ودخلت دكانًا في وسط السوق، واستجرت بصاحبه فمنعه عني، وجلست في المخزن وقلت في نفسي:
“ما بقيت أقدر أن أفترق من هذا المزين، بل يقيم عندي ليلًا ونهارًا، ولم تبق لي قدرة على النظر إلى وجهه.”
فأرسلت في الحال أحد الشهود وكتبت وصية لأهلي، وفرّقت مالي وجعلت إنسانًا ناظرًا عليهم، وأمرته أن يبيع الدار والعقارات، وأوصيته بالكبار والصغار، وخرجت مسافرًا من ذلك الوقت حتى أتخلص من هذا القوّاد، ثم جئت إلى بلادكم فسكنتها ولي فيها مدة، فلما عزمتم عليّ وجئت إليكم، رأيت هذا القبيح القوّاد عندكم في صدر المكان!
فكيف يستريح قلبي ويطيب مقامي عندكم مع هذا، وقد فعل معي تلك الأفعال، وانكسرت رجلي بسببه؟!”
ثم إن الشاب امتنع من الجلوس، فلما سمعنا حكايته مع المزين قلنا للمزين:
“أحقٌّ ما قاله هذا الشاب عنك؟”
فقال: “والله، أنا فعلتُ معه ذلك بمعرفتي، ولولا أني فعلتُ ذلك لهلك، وما سبب نجاته إلا أنا، ومن فضل الله عليه بسببي أنه أصيب برجله ولم يُصب بروحه، ولو كنت كثير الكلام ما فعلت معه ذلك الجميل.
وها أنا أقول لكم حديثًا جرى لي حتى تصدقوا أني قليل الكلام، وليس عندي فضول من دون إخوتي.”
حكاية المزين البغدادي مع إخوته الستة
وذلك أني كنت ببغداد في أيام خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله، وكان يحب الفقراء والمساكين، ويجالس العلماء والصالحين.
فاتفق له يومًا أنه غضب على عشرة أشخاص، فأمر المتولي ببغداد أن يأتيه بهم في زورق.
فنظرت إليهم وقلت في نفسي: “ما اجتمع هؤلاء إلا لعزومة، وأظنهم يقضون يومهم في هذا الزورق أكلًا وشربًا، ولا يكون نديمهم غيري!”
فقمت ونزلت معهم واختلطت بهم، فقعدوا في الجانب الآخر، فجاءهم أعوان الوالي بالأغلال ووضعوها في رقابهم، ووضعوا في رقبتي غلًا معهم.
فهذا يا جماعة ما هو إلا من مرؤتي وقلة كلامي، لأني ما رضيت أن أتكلم، فأخذونا جميعًا في الأغلال، وقدّمونا بين يدي المعتصم بالله أمير المؤمنين، فأمر بضرب رقاب العشرة، فضرب السياف رقابهم العشرة، وقد بقيت أنا، فالتفت الخليفة فرآني، فقال للسياف: ما بالك لا تضرب رقاب جميع العشرة؟
فقال: ضربتُ رقاب العشرة كلهم.
فقال له الخليفة: ما أظنك ضربتَ رقاب غير تسعة، وهذا الذي بين يدي هو العاشر.
فقال السياف: وحق نعمتك إنهم عشرة.
قال: عُدّوهم. فعدّوهم فإذا هم عشرة، فنظر إليَّ الخليفة وقال: ما حملك على سكوتك في هذا الوقت؟ وكيف كنتَ مع أصحاب الدم؟
فلما سمعتُ خطاب أمير المؤمنين، قلت له: اعلم يا أمير المؤمنين أني أنا الشيخ الصامت، وعندي من الحكمة شيء كثير، وأما رزانة عقلي وجودة فهمي وقلة كلامي، فإنها لا نهاية لها، وصنعتي الزيانة.
فلما كان أمس بكرة النهار، نظرت إلى هؤلاء العشرة قاصدين الزورق، فاختلطت بهم ونزلت معهم، وظننت أنهم في عزومة، فما كان غير ساعة وإذا هم أصحاب جرائم، فحضرت إليهم الأعوان، ووضعوا في رقابهم الأغلال، ووضعوا في رقبتي غلًّا من جملتهم. فمن فرط مروءتي سكتُّ ولم أتكلم، فعدّوا كلامي في ذلك الوقت من فرط المروءة. فساروا بنا حتى أوقفونا بين يديك، فأمرتَ بضرب رقاب العشرة، وبقيتُ أنا بين يدي السياف ولم أُعْرَفْ بنفسي.
أما هذه مروءة عظيمة التي أحوجتني إلى أن أشاركهم في القتل؟ ولكن طول دهري هكذا أفعل الجميل.
فلما سمع الخليفة كلامي، وعلم أني كثير المروءة قليل الكلام، وما عندي فضول كما يزعم هذا الشاب الذي خلّصتُه من الأهوال، قال الخليفة: وإخوتك الستة مثلك؟ فيهم الحكمة والعلم وقلة الكلام؟
قلت: لا عاشوا ولا بقوا إن كانوا مثلي، ولكن ذممتني يا أمير المؤمنين، ولا ينبغي لك أن تقرن إخوتي بي؛ لأنهم من كثرة كلامهم وقلة مروءتهم صار كل واحد منهم بعاهة. فمنهم واحد أعرج، وواحد أعور، وواحد أفلج، وواحد أعمى، وواحد مقطوع الأذنين والأنف، وواحد مقطوع الشفتين، وواحد أحول العينين.
ولا تحسب يا أمير المؤمنين أني كثير الكلام، ولكن لا بد أن أبين لك أني أعظم مروءةً منهم، ولكل واحد منهم حكاية اتفقت له حتى صار فيه عاهة، وإن شئتَ حكيتُ لك.
حكاية الأخ الأكبر
فاعلم يا أمير المؤمنين أن الأول، وهو الأعرج، كانت صنعته الخياطة ببغداد. فكان يخيط في دكان استأجرها من رجل كثير المال، وكان ذلك الرجل ساكنًا على الدكان، وفي أسفل داره طاحون.
فبينما أخي الأعرج جالس في الدكان في بعض الأيام يخيط، إذ رفع رأسه فرأى امرأة كالبدر الطالع في روشن الدار تنظر إلى الناس، فلما رآها تعلّق قلبه بحبها، وصار يومه ذلك ينظر إليها، وترك اشتغاله بالخياطة إلى وقت المساء.
فلما كان وقت الصباح فتح دكانه وقعد يخيط، وهو كلما غرز غرزة نظر إلى الروشن. فمكث على ذلك مدة لم يخِطْ شيئًا يساوي درهمًا. فاتفق أن صاحب الدار جاء إلى أخي يومًا ومعه قماش، وقال له: فصّل لي هذا وخِطْه أقمصة.
فقال أخي: سمعًا وطاعة. ولم يزل يفصّل حتى فصّل عشرين قميصًا إلى وقت العشاء، وهو لم يذق طعامًا. ثم قال له: كم أجرة ذلك؟ فلم يتكلم أخي، فأشارت إليه الصبية بعينها ألا تأخذ منه شيئًا. وكان محتاجًا إلى فلس، واستمر ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب إلا القليل بسبب اجتهاده في تلك الخياطة.
فلما فرغ من الخياطة التي لهم، أتى إليهم بالأقمصة، وكانت الصبية قد عرّفت زوجها بحال أخي، وأخي لا يعلم ذلك، فاتفقا على استعماله في الخياطة بلا أجرة، بل يضحكان عليه.
فلما فرغ أخي من جميع أشغالهما، عملا عليه حيلة، فزوّجاه بجاريتهما. ولما أراد أن يدخل عليها، قالا له: بِتْ الليلةَ في الطاحون إلى غدٍ يكون خيرًا. فاعتقد أخي أن لهما قصدًا صحيحًا، فبات في الطاحون وحده. وراح زوج الصبية غمز الطحّان عليه حتى أنه يدوره في الطاحون.
فدخل عليه الطحّان في نصف الليل، وجعل يقول: إن هذا الثور بطّال، مع أن القمح كثير، وأصحاب الطحين يطلبونه، فأنا أعلّقه في الطاحون حتى يفرغ طحن القمح. فعلّقه في الطاحون إلى قريب الصبح، فجاء صاحب الدار فرآه معلقًا في الطاحون، والطحّان يضربه بالسوط، فتركه ومضى.
وبعد ذلك جاءت الجارية التي عقد عليها، وكان مجيئها في بكرة النهار، فحلّته من الطاحون وقالت: قد شقّ علينا وعلى سيدتي ما جرى لك، وقد حملنا همك. فلم يكن له لسان يرد جوابًا من شدة الضرب.
ثم إن أخي رجع إلى منزله، وإذا بالشيخ الذي كتب الكتاب قد جاء وسلم عليه، وقال له: حيّاك الله، زواجك مبارك، إنك بِتّ الليلة في النعيم والدلال والعناق من العشاء إلى الصباح!
فقال له أخي: لا سلّم الله الكاذب يا ألف قوّاد! والله ما جئت إلا لأطحن في موضع الثور إلى الصباح!
فقال له: حدّثني بحديثك. فحدثه أخي بما وقع له، فقال له: ما وافق نجمك نجمها، ولكن إذا شئت أن أغيّر لك عقد العقد أغيّره لك بأحسن منه، لأجل أن يوافق نجمك نجمها.
فقال له: انظر إن بقيت لك حيلة أخرى.
ثم إن أخي تركه، وأتى إلى دكانه ينتظر أحدًا يأتي إليه بشغل يتقوّت من أجرته، وإذا بالجارية قد أتت إليه وكانت قد اتفقت مع سيدتها على تلك الحيلة، فقالت له: «إن سيدتي مشتاقة إليك، وقد طلعت السطح لترى وجهك من الرُّوشَن».
فلم يشعر أخي إلا وهي قد طلعت له من الرُّوشَن، وصارت تبكي وتقول: «لأي شيء قطعت المعاملة بيننا وبينك؟!»
فلم يردّ عليها جوابًا، فحلفت له أن جميع ما وقع له في الطاحون لم يكن باختيارها.
فلما نظر أخي إلى حسنها وجمالها، ذهب عنه ما حصل له، وقبل عذرها، وفرح برؤيتها، ثم سلَّم عليها وتحدث معها، وجلس في خياطته مدة.
وبعد ذلك جاءت إليه الجارية وقالت له: «تسلِّم عليك سيدتي، وتقول لك: إن زوجها قد عزم على أنه يبيت عند بعض أصدقائه في هذه الليلة، فإذا مضى عندهم، تكن أنت عندنا وتبيت مع سيدتي في ألذِّ عيشٍ إلى الصباح».
وكان زوجها قد قال لها: «ما يكون العمل في مجيئه عندك حتى آخذه وأجره إلى الوالي».
فقالت: «دعني أحتال عليه بحيلة وأفضحه فضيحة يشتهر بها في هذه المدينة».
وأخي لا يعلم شيئًا من كيد النساء.
فلما أقبل المساء جاءت الجارية إلى أخي وأخذته، ورجعت به إلى سيدتها، فقالت له:
«والله يا سيدي، إني مشتاقة إليك كثيرًا».
فقال: «بالله عجّلي بقبلة قبل كل شيء».
فلم يتم كلامه إلا وقد حضر زوج الصبية من بيت جاره، فقبض على أخي وقال له:
«والله لا أفارقك إلا عند صاحب الشرطة».
فترجّى إليه أخي فلم يسمعه، بل حمله إلى دار الوالي، فضربه بالسياط، وأركبه جملًا، وطاف به في شوارع المدينة، والناس ينادون عليه:
«هذا جزاء من يتهجّم على حريم الناس!»
ووقع من فوق الجمل فانكسرت رجله، فصار أعرج، ثم نفاه الوالي من المدينة، فخرج لا يدري أين يقصد.
فاغتظت أنا فلحقتُه، وأتيت به، والتزمت بأكله وشربه إلى الآن.
فضحك الخليفة من كلامي وقال: «أحسنتَ».
فقلت: «لا أقبل هذا التعظيم منك دون أن تُصغي إليَّ حتى أحكي لك ما وقع لبقية إخوتي، ولا تحسب أني كثير الكلام».
فقال الخليفة: «حدِّثني بما وقع لجميع إخوتك، وشنِّف مسامعي بهذه الرقائق، واسلك سبيل الإطناب في ذكر هذه اللطائف».
حكاية الحدّاد (الأخ الثاني)
فقلت:
«اعلم يا أمير المؤمنين أن أخي الثاني كان اسمه الحدّاد، وقد وقع له أنه كان ماشيًا يومًا من الأيام متوجِّهًا إلى حاجةٍ له، وإذا بعجوز قد استقبلته وقالت له:
“أيها الرجل، قف قليلًا حتى أعرِض عليك أمرًا، فإن أعجبك فاقضِه لي”.
فوقف أخي، فقالت له:
“أدلُّك على شيء، وأرشدك إليه بشرط ألا يكون كلامك كثيرًا”.
فقال لها أخي: “هاتِ كلامك”.
قالت له:
“ما قولك في دارٍ حسنة، وماؤها يجري، وفاكهة ومدام، ووجهٍ مليحٍ تشاهده، وخدٍّ أسيلٍ تُقبِّله، وقدٍّ رشيقٍ تُعانقه؟”
فقال لها أخي: “عليك رأيتِ الخير”.
فلما سمع أخي كلامها قال لها:
“يا سيدتي، وكيف قصدتِني بهذا الأمر من دون الخلق أجمعين؟ فأيُّ شيءٍ أعجبك مني؟”
فقالت لأخي: “ما قلتُ لك، لا تكن كثير الكلام، واسكت وامضِ معي”.
ثم ولّت العجوز وسار أخي تابعًا لها طمعًا فيما وصفته له، حتى دخلا دارًا فسيحة، وصعدت به من أدناها إلى أعلاها، فرأى قصرًا ظريفًا، وفيه أربع بنات ما رأى الراؤون أحسن منهن، وهنّ يُغنين بأصواتٍ تطرب الحجر الأصمّ.
ثم إن بنتًا منهن شربت قدحًا، فقال لها أخي: «بالصحة والعافية»، وقام ليخدمها فمنعته من الخدمة، ثم سَقَتْه قدحًا فشرب، وصفعته على رقبته!
فلما رأى أخي ذلك منها خرج مغضبًا ومكثرًا للكلام، فتبعته العجوز وجعلت تغمز له بعينها، تعني: ارجع.
فرجع وجلس ولم ينطق، فأعادت الصفع على قفاه إلى أن أُغمي عليه.
ثم قام أخي لقضاء حاجته، فلحقته العجوز وقالت له: «اصبر قليلًا حتى تبلغ ما تريد».
فقال لها: «إلى كم أصبر قليلًا ولا أبلغ ما أريد؟»
فقالت له العجوز: «إذا سكرتَ بلغتَ مرادك».
فرجع أخي إلى مكانه وجلس، فقامت البنات كلهن وأمرتهن العجوز أن يُجرِّدنه من ثيابه ويرششن على وجهه ماء الورد، ففعلن ذلك.
فقالت الصبية البارعة الجمال منهن:
«أعزّك الله، قد دخلت منزلي، فإن صبرتَ على شرطي بلغتَ مرادك».
فقال لها أخي: «يا سيدتي، أنا عبدك، وفي طاعتك».
فقالت له: «اعلم أن الله قد أشغفني بحب الطرب، فمن أطاعني نال ما يريد».
ثم أمرت الجواري أن يُغنّين، فغنين حتى طرب المجلس.
ثم قالت للجارية: «خذي سيدك واقضي حاجته وائتيني به في الحال».
فأخذت الجارية أخي وهو لا يدري ما تصنع به، فلحقته العجوز وقالت له:
«اصبر، ما بقي إلا القليل».
فأقبل أخي على الصبية والعجوز تقول: «اصبر، فقد بلغت ما تريد، وإنما بقي شيء واحد وهو أن تحلق ذقنك».
فقال لها أخي: «وكيف أعمل في فضيحتي بين الناس؟»
فقالت له العجوز: «إنها ما أرادت أن تفعل بك ذلك إلا لأجل أن تصير أمردَ بلا ذقن، فلا يبقى في وجهك شيء يشكلها، فإنها صار في قلبها لك محبة عظيمة، فاصبر فقد بلغت المُنى».
فصبر أخي، وطاوع الجارية، وحلق ذقنه وجاءت به إلى الفتاة، فإذا به شابّ غريب الهيئة قد غيّر ملامحه حتى لم يُعرف، ففزعت منه في البداية ثم ضحكت لما رأت من حاله، وقالت مازحة: «يا سيدي، لقد غلبتني بطرافتك وحسن خُلقك!» ثم طلبت منه أن يشاركها اللهو والمرح، فقام يرقص ويغنّي، فضحك الحضور جميعًا حتى عمّ البيت الفرح، وأخذت الجواري يقلّدن حركاته في مرحٍ وسرور.
وبين الضحك والأنس، كان العجوز تنظر إليه وتقول: «لقد قاربت الوصول إلى ما تريد، لكن بقيت خطوة واحدة، وهي أن تنتظر حتى تكتمل لحظتك المناسبة، فإن في الصبر تمام المراد.» فامتثل لقولها وهو يكتم ما في نفسه، حتى أدرك الصباح، فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.