من الخليفة عمر بن عبد العزيز؟
هو الخليفة الأموي القرشي، أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن مناف، ويكنى بأبي حفص، وجده لأمه هو الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فأمه هي ليلى، وكنيتها أم عاصم، بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر بن عبد العزيز من جيل التابعين.
نشأة الخليفة عمر بن عبد العزيز:
كانت نشأة عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة، في بيت صلاح وإيمان، فلمّا أصبح غلامًا كان يأتي خاله عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- فيجالسه، وبعد أن يعود من عنده يخبر أمه بأنّه يريد أن يصبح مثل خاله، ولما كَبُر عمر بن عبد العزيز كان أبوه قد ذهب إلى مصر ليكون أميرًا عليها، وطلب ابنه عمر وأمه إلى هناك، فذهبت تخبر عمها عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- برحيلها فأقرها، وطلب منها أن تُبقي عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة فبقي، ولما وصلت مصر، واستقبلها عبد العزيز ولم ير عمرَ معها سألها عن سبب تغيبه فأخبرته بما حدث، ففرح لذلك، وطلب من أخيه عبد الملك بن مروان أن يبعث إليه ألف دينار في كل شهر.
ثمّ بعدها لحق عمر بوالده في مصر، وعاش عنده فترة من الزمن، ثمّ رأى أبوه أن عودته إلى المدينة أنفع له، فعاد عمر إلى المدينة ليتعلم فيها، وقيل أنه لما عاد إلى المدينة داوم على مجالس الشيوخ والفقهاء، وتجنب مجالسة الشباب ممن في عمره، وعلى ذلك عُرف واشتهر بين مشايخ قريش.
مسيرة الخليفة عمر بن عبد العزيز العلمية:
كان عمر بن عبد العزيز حريصًا على العلم وراغبًا في الأدب، فقد حفظ القرآن الكريم وهو في سن صغيرة، كما ذُكر أنّ أباه أرسله إلى صالح بن كيسان ليؤدبه، حتى أنّه لما قدِمَ إلى الحج بدأ يتجول في المدينة المنورة، ويسأل الناس عن ابنه، وكان قد شهد له الجميع من تعظيم الإسلام في صدره، كما أنّ أباه لم يأخذه معه إلى مصر، وأبقاه في المدينة المنورة رغبة منه في أن يأخذ العلم الشرعي عن فقهاء المدينة، فكان يجالس علماء المدينة وفقهاءها، ويستمع إلى شيوخ القوم وكبارهم، وكان هذا نهجه حتى عُرف به.
مكانة الخليفة عمر بن عبد العزيز التاريخية:
كان عمر بن عبد العزيز من علماء الأمة الذين حفظوا هذا الدين علمًا وعملًا، حتى سطر له التاريخ ذلك، فروي أن سليمان بن يسار كان قد خرج من مجلس عمر بن عبد العزيز، وسأله أحدهم عن العلم الذي يعلمونه إياه، فوصفه بأن أعلم الناس، ووصفه مجاهد فقال: “أَتَيْنَاهُ نُعَلِّمُهُ فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى تَعَلَّمْنَا مِنْهُ”، كما وصفه بعضهم بأنه معلم العلماء، وغير ذلك من الأوصاف التي تُبرز مكانة عمر بن عبد العزيز عند العلماء.
كما كان الخليفة عمر بن عبد العزيز نموذجًا يُحتذى به في العدل، وقد وصفه الإمام الشافعي بأنه من الخلفاء الراشدين، حيث قال:”الْخُلَفَاءُ خَمْسَةً: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ”، ووصفته فاطمة بنت الصحابي الجليل علي بن أبى طالب -رضي الله عنه، فقالت بعدما أثنت عليه: لَوْ كَانَ بَقِيَ لَنَا مَا احْتَجْنَا بَعْدُ إِلَى أَحَدٍ.
خلافة عمر بن عبد العزيز:
لما توفي عبد الملك بن مروان، وتولى ابنه الوليد الخلافة كان يعامل عمر بن عبد العزيز كما عامله أبوه، وجعله واليًا على المدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف، وكان هذا منذ سنة 86 هجرية وحتى سنة 93 هجرية، وكان قد نظّم الحج للناس في عامي 89 وعام 90 للهجرة.
وقام عمر بن عبد العزيز خلال هذه الفترة ببناء مسجد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وتوسعته، حتى أصبح يضم قبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كما عُرف عمر بن عبد العزيز بعدله وحسن معاشرته للناس، وكان إذا أُشكل عليه أمر من أمور الخلافة يجمع فقهاء المدينة ليأخذ برأيهم.
كما كان قد عيّن من فقهاء المدينة عشرة لا يصدر أمرًا ولا يقطع فيه إلا بوجودهم، وهم: عبيد الله وعروة بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خثمة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وسالم بن عبد الله، وخارجة بن زيد بن ثابت.
وعُزل عمر بن عبد العزيز عن المدينة في سنة 93 هجرية، وخرج منها باكيًا، وهو يحدث مولاه مزاحم أنّه يخشى أن يكون ممن نفتهم المدينة، ويقصد بذلك حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي أخبر به أنّ المدينة تنفي كل خبيث منها، كما ينفي الكير خبث الحديد، ولا تخلص إلا للطيبين، وخرج بعدها إلى دمشق عند أولاد عمه.
ولما كانت الخلافة لسليمان بن عبد الملك بايع عمر بن عبد العزيز ليكون خليفة للمسلمين من بعده، وهو في مرض الموت فوافقه على ذلك الناس، وكان قد استُخلف في الناس في السنة 99 للهجرة، وبعدما استخلف عمر قام وخطب في الناس خطبة طويلة، أوضح لهم فيها نهجه الذي سيتبعه في الخلافة وهو نهج الخلفاء الراشدين.
وقد قال في خطبته بعد حمد الله وثنائه: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لا كِتَابَ بَعْدَ الْقُرْآنِ، ولا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلا وَإِنِّي لَسْتُ بِقَاضٍ، وَلَكِنِّي مُنَفِّذٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ، إِنَّ الرَّجُلَ الْهَارِبَ مِنَ الإِمَامِ الظَّالِمِ لَيْسَ بِظَالِمٍ، أَلا لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ”. وكانت مدة خلافة عمر بن عبدالعزيز سنتين وخمسة أشهر وبضعة أيام.
دور الخليفة عمر بن عبد العزيز في التاريخ الإسلامي:
من أهم وأبرز ما قام به الخليفة عمر بن عبد العزيز تدوينه لسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما قام بتطهير الأرض من الظلم، فقد عزل جميع الوزراء والولاة الذين كان قد عيّنهم سليمان بن عبد الملك وملأوا الأرض ظلمًا وجورًا، وقام برد المظالم لأهلها، وقد بدأ ببني أمية.
صفات الخليفة عمر بن عبد العزيز:
وقد وصف عمر بن عبد العزيز بصفات خَلقية وهي أنّه كان جميل الصورة، ورقيق الوجه، وأبيض اللون ذا جسم نحيف، ولحية حسنة وعينين غائرتين، وبجبهته أثر لحافر الدابة.
وأما صفاته الخُلقية، فقد وصف بالزهد، فكان لا يريد إلا الجنة، ولا يشتاق إلا لها، كما وُصف بالورع والتقوى وبعدله، وكثرة صيامه وقيامه ورقة قلبه في قربه من الله تعالى، وكان حليمًا وصبورًا متواضعًا، لا يخشى في الله لومة لائم،
ألقاب الخليفة عمر بن عبد العزيز:
كان يلقب عمر بن عبد العزيز بأشج بني أمية؛ لأنه وقع عن فرس أبيه وهو صغير وشج رأسه، وهو اللقب الأشهر له، كما كان يلقب بالمهدي وبإمام الهدى، وبخامس الخلفاء الراشدين.
وفاة الخليفة عمر بن عبد العزيز:
توفي عمر بن عبد العزيز مسمومًا؛ فكان هناك مولى له قد وضع له السم في طعامه أو شرابه، وأخذ على فعلته هذه ألف دينار، وقد علم عمر بفعلته هذه فسأله عن السبب الذي حمله على فعل ذلك، ولما علم أنه من أجل المال أخذ منه الألف دينار وأودعها في بيت مال المسلمين ثم طلب منه أن يختبئ خوفًا أن يراه أحد، ولما شعر أن أجله قد اقترب جمع أولاده، وأوصاهم بتقوى الله تعالى وأخبرهم بأنه ترك الدنيا وتجارتها لينال رضا الله تعالى ويفوز بالآخرة، ثم قبّل أبناءه وانصرفوا من عنده. وقيل إن الذي وضع له السم هو أمراء بني أمية؛ والذي حملهم على ذلك هو مصادرته لما تملكوه بغير وجه حق، وإيقافه لعطاياهم وإيداعها في بيت مال المسلمين، وتوفي عمر بن عبد العزيز سنة 101 هجرية.