من رماد الألم إلى أجنحة الحرية: قراءة في كتاب عشّ الحياة التي اختارتها روحك

إشعال الفضول
في لحظةٍ تبدو عادية، تكتشف أن روحك قد اختارت مسارًا مختلفًا، مسارًا يُحاكي قصة طائر العنقاء الأسطوري—يولد من رماد الألم، ويمتدّ جناحاه للأمل. قبل أن تُفتح الصفحة الأولى، تتساءل: هل يُمكن بالفعل أن نعيد بناء الحياة بعد أن تُهدم أعمارنا من الداخل؟ هذا التساؤل هو البذرة التي زرعتها عزة يوسف الحلو في قلب روايتها الذاتية الروحية “العنقاء”، لتقود القارئ من العَتمة نحو النور، ومن الحيرة نحو البهجة الداخلية، بخطى ثابتة تتلاءم مع كلّ قلبٍ يبحث عن معنى.
لقد صدرت الرواية في 2025 عن دار Austin Macauley Publishers Ltd، ضمن تصنيف تطوير الذات والعلاقات، وتضم 132 صفحة من السُرد الذاتي المكثّف. فمن صفحة لصفحة، تبوح المؤلفة بتجربتها الشخصيّة: كيف بانت طائرتها من الحرب الداخلية، وكيف رفرفت في فضاءات أعلى بالأمل والتعاطف. وما يجعل هذه الرحلة جذّابة هو الاحتفاظ بالسحر الأسطوري للعنقاء، ضمن قصّة حتى لو خُيّلت أنها خيالية، لكنها مصقولة بالصعوبة والصدق.
النشأة: بذور العنقاء
ولدت عزة يوسف الحلو في عائلة عربية تعاني من هزّات اجتماعية ونفسية، وفي ظل ظروف لم تكن ناعمة. هي لم تعد روايةً فحسب، بل تجربة إنسانية صُنعت بالدموع والبحث. تروي المؤلفة أن طفولتها كانت مزيجًا من السكينة والخوف، “كنتُ أفطُ تشعر بأن شيئًا داخليًا يطالب بي، لكنني لم أعرف ما هو”.
هذا “الشيء” هو ما عرفت لاحقًا أنه الدعوة الحقيقية لروحها، تلك الروح التي اختارت أن تعيش حياة مختلفة، وأن “تنتصر على الذات”. ونشأة المؤلفة، إذًا، كانت المكان الذي استقرّت فيه بذرة العنقاء: في أحد أيام تقلبات العائلة، وبين همسات أمها عن السعادة الحقيقية، بدأت عزة تكتب يومياتها الصامتة، كلمات غير مرتبة من أملٍ وشوقٍ ومتاهات نفسية.
وجدت في نصوصها الأولى إشراقًا، وفي تقلبات مدرستها إشعارًا بأن الصراع الداخلي هو الطريق لاكتشاف القدرات الدفينة. تقول: “نُشرت خربشاتي في دفاتر المدرسة، لكن أول من قرأها هو قلبي، الذي تردّد لأول مرة: أنتِ قادرةٌ أن تولدي من جديد.” وهذا التأكيد الداخلي هو أول فجر للحكاية التي تتكشف في الصفحات.
التعليم والرحلة الأكاديمية
بين سنوات الدراسة الجامعية، صُقلت المهارات الروائية والنفسية لدى المؤلفة. التحقت بقسم علم النفس، وأُسحت فيها بين النظريات السائلة والإدراك العميق للنفس البشرية. كان من أبرز أساتذتها د. نغم إبراهيم، التي ألقت الضوء على العلاقة بين الشفاء والكتابة، ودفعَتها عزة لخوض دورات متخصصة في الصدمات النفسية والتنمية الذاتية.
عام 2022، قدّمت بحث تخرّج بعنوان: “الكتابة كعلاج: العنقاء في تجربة التحرّر النفسي”. ناقش البحث كيف تُسهم إعادة سرد المشاعر المؤلمة في خلق مسارات شفاء، وعلّق أستاذها: “لقد قرأت أدقّ الممارسة الأكاديمية مصقولة باللغة والروح”.
هذا التكوين الأكاديمي أضفى طابعًا علميًا على كتاب “العنقاء”، إذ تُوظّف المؤلفة دراساتٍ ونماذج نفسية داخل السرد القصصي دون أن تختلّ السلاسة والحميمية.
الانطلاقة المهنية: عندما تصبح القصة رسالة
بعد التخرّج، انخرطت عزة في العمل كمُعالجة نفسية، وافتتحت ورشًا لإعادة بناء الذات عبر فنّ الكتابة. هذه التجربة المهنية أثرت على طريقة سردها: لم تعد تروي فقط قصة واحدة، بل قصص عشرات الأشخاص الذين ساهموا في تشكّل عنصر قوة داخلها.
من أبرز المحطات:
- 2023: بدأت بتنظيم ورشة بعنوان “أيّام من رماد”.
- 2024: نشرت سلسلة مقالات في مدوّنة متخصصة في الصحة النفسية، تناولت فيها تجربة العنف النفسي والانتقال من الصراعات إلى التحرّر الروحي.
احتوَت هذه المنشورات على مقتطفات من رواية “العنقاء”، ما خلق حالة تفاعل أظهرت حاجة الجمهور لقصص تُعزّز الأمل والحرية الداخلية.
الإنجازات الثورية: من الصمت إلى الصوت
رغم حداثة ظهور الكتاب، إلّا أن ما تقدّمه هو ثورة في الذات:
إنجاز 1: السرد المختلط
- الفكرة: مزج السرد الذاتي مع النصوص النفسية، دون فصول جامدة.
- أثره: سهّل ارتياد قارئاتٍ وقارئين لغويين ونفسيين، فهم مراحل النمو النفسي.
إنجاز 2: إعادة استعارة الأسطورة
- الفكرة: استخدام العنقاء رمزًا للنفس البشرية، وهذا ليس أقل رمزية من أساطير النفس اليونانية والتحرير الروحي.
- أثره: جعل السرد مشهودًا عالميًا: القارئ لا يقرأ حكاية عربية فحسب، بل يشارك في تجربة إنسانية تُعاد صياغتها بما يناسب زمننا.
إنجاز 3: بناء نموذج شفاء
- الفكرة: تقديم خطوات عملية: الاعتراف، التعبير، التحرّر، وغيرها.
- أثره: تجاوز حالة القراءة إلى التطبيق، مما دفع البعض لجعل الكتاب دليلًا عمليًا للشفاء.
وقد أثنى عليها متخصصون من جامعات عربية، واعتبروها “إضافة نوعية لعالم العلاج الذاتي”.
لحظة الانطواء والتحوّل: نوبل… الذات؟
رغم أنها غير مرشّحة جوهريًا لنوبل في المكتبات، إلا أن شرف الكتاب الحقيقي هو أن يعيش كطائر العنقاء: يُولد من الرماد، ينتشر أجنحته عالميًا، ويُنقّح القلوب.
لكن جائزة أكبر انتظرتها بطريقة أخرى: عندما اقتُبِست فقرات من “العنقاء” في الدورات الدولية لتطوير الذات، وعُرضت في مؤتمر عالمي في دبي 2024 كجزء من “نموذج التحرّر النفسي العربي”، ما منحها صدى دوليًا، وجعل حضورها في معرض أبوظبي للكتاب 2025 ملاحظًا بين العناوين.
التحديات الإنسانية
لم يصنع العنقاء من فراغ. عانت المؤلفة من:
- الألم النفسي العميق: كفقدان محبوب، أو صراع هويّة.
- الوصمة المجتمعية حول الصحة النفسية.
- التردد الذاتي: هل يُنشر ما يُشعر بالضعف، أم يُرضخ الصمت؟
لكن كانت معانقتها الأولية للكتابة تعادل إعلان التمرد على الصمت. تقول:
لم يكن لديّ ما أخسره سوى حاجز الخوف. فنجوت بالكتابة، وفاجأت ذاتي.
وهذا التوازن المستمر بين ضعف الإنسان وقوته هو ما جعل كتابها أكثر صدقًا.
الإرث والجوائز
حتى اليوم، حقق الكتاب حضورًا غير مسبوق:
- مكتبات قطر والشارقة أدرجته ضمن أبرز المراجع في قوائم “الشفاء الذاتي”.
- مجلة التطوّر الداخلي حولته إلى مادة نقاش ضمن أدبياتها النفسية.
- تجاوزت النسخة العربية 5,000 نسخة مباعة في الشرق الأوسط.
يُذكر أن خطة الترجمة للإنجليزية مقررة عام 2026، لتبدأ رحلة العنقاء بين لغات العالم.
الجانب الإنساني: روح تتقاسم الحرية
دفعتها تجربة الكتابة إلى:
- افتتاح مبادرة دعم نفسي مجانية لسيدات تجاوزن الخمسين.
- التعاون مع جمعيات لمساعدة المصابين بصدمات نفسية.
- إلقاء كلمات في منتديات عن التحرّر من العنف العاطفي.
يتضح في ذلك أن كتابها ليس حجرًا في رف الكتب، بل مبادرةٌ حية تُقدّم ملجأً لمن يشعر بأنه لم يولد بعد.
ما بعد “العنقاء”
نهج المؤلفة:
- ستنشر الجزء الثاني بعنوان محتمل: “كيفية التنزه في الضباب الداخلي”.
- تحضّر دورة مسجلة عملت عليها منذ عام 2024.
- بدأت التعاون مع أطباء نفسيين في تونس لتطوير إشراف جماعي.
هذا يدل على أن رحلة الكتاب لم تنتهِ عند الصفحة 132، بل بدأت عندها فعلًا.
الخاتمة: العنقاء فينا
رواية “العنقاء” ليست مجرد كتاب لتطوير الذات، بل هي دعوة لاحتضان الأجزاء المُحمّلة بالرعب والأمل في آنٍ واحد. هي شهادة على أن الحياة التي تختارها روحك هي حياة تستحق أن تُعاش، وأن لكل إنسان رحلة علاجه الذاتي الخاصة.
وهذا التأثير—أن تتحول من طيّار الخوف إلى من يحلّق بجناحي الأمل—هو الإرث الحقيقي الذي نتركه بعدنا. فبكتابة عزة يوسف الحلو، تعاود العنقاء الظهور بوصفها أملًا خالدًا داخل كل قلب.
لمعرفة المزيد: من رماد الألم إلى أجنحة الحرية: قراءة في كتاب عشّ الحياة التي اختارتها روحك